Wednesday, September 23, 2020

“تجرّع السّم” يعيدُ الحريري إلى رشدِه

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

سجّلت الساعات المنصرمة خرق في جدار التأليف السميك. الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري أعلن عزمه على مساعدة “سميّه” مصطفى أديب على إختيار شيعي لوزارة المالية. أقتنعَ الحريري أخيراً بما دونه الشيعة في سجل الدولة منذ أكثر من أسبوعين، وفهمَ أن لا مجال لزحزحة الثنائي الشيعي عن تشدّده ومطالبه قيد أنملة.

وصلت الرسالة ليلاً إلى الحريري: “الثنائي الشيعي سيبقى سقفه مرتفعاً ولا مجال للتنازل، وليبقى تأليف الحكومة معلقاً 100 سنة”. أدرك الحريري أن على السجل اكثر من ضحية يفترض سقوطها. الضحية الاولى “المبادرة الفرنسية”، أما الثانية فعلاقته مع الثنائي، تحديداً عين التينة التي لامست الخطوط الحمراء نتيجة إنقلاب الحريري بل كادت أن تنفجر.

الحريري يُدرك، ان في إنهيار المبادرة الفرنسية سقوط له، وهو الذي يتكئ عليها منذ أن حطَ الرئيس ايمانويل ماكرون تراب بيروت كتعويض عن غطاء إقليمي فقده.

تهيّب الحريري اللحظة إذاً. سبق ذلك تدخل فرنسي لديه. نصحه الفرنسيون بالتدخل لدى “الرباعي السني” المسؤول عن تشدّد مصطفى أديب من أجل تحرير التأليف وتخفيض سقف أعضاء النادي. فهم الحريري أن الفرنسيين باتوا مزروكين. رصيد إيمانويل ماكرون كما سائر الاليزيه على المحك. أبلغهم الحريري أنه جاهز وسيعمل على محاولة العثور على مخرج، لكنه يخشى من الاميركيين. تفهّمه الفرنسيون ووعدوه بالمساعدة.

بعد ذلك، كان الفرنسيون يحضرون لرمي طوق نجاة من اجل استلحاق أنفسهم. لقد “تخردقت مبادرتهم بالتمديدات المتتالية إلى حدٍ جعل منها مادة للسخرية. إجرائياً، كانت المبادرة ومع كل تمديد تخسر جزءاً من قيمتها ما يفقدها وزنها وتوازنها السياسيين إلى حدٍ كاد أن يضعها الزمن خارج الصلاحية، ولو جرى منح فترة تمديد رابعة لكانت المبادرة في خبر كان. أعاد الفرنسيون ترتيب مبادرتهم، سربوا ليلاً أجواء توحي بعزمهم على إنتزاع عامل الوقت من المبادرة لكن ليس لفترة مفتوحة، وهابوا بالسياسيين الإسراع بالحل. مثل ذلك تلميحاً إيجابياً إلى إحتمال حدوث أمر طارئ يبني عليه ويكاد يحرّر التأليف.

ساد جو إيجابي يشوبه الحذر ليلاً، وإلى حدٍ ما، عادت الحرارة إلى خطوط الاتصالات، لكن لا شيء رسمي بعد، وطالما أن لا مهل محددة، معنى ذلك أن النقاش سيأخذ مداه.

سبق كلام الحريري، كلام آخر عالي النبرة مصدره الثنائي الشيعي. أبلغ الحريري أن في عملته “يتجرّع السم” والثنائي ليس في وارد تجرعه السم إلا إن أبى وتكبّر فالمسألة بالنسبة إلى حركة أمل وحزب الله ليست مسألة حقيبة مالية فحسب بل توافر معلومات لديهم حول نية لقلب نتائج الانتخابات والانقلاب على آليات الحكم ونسف حضورهما السياسي. قيل للحريري أن الثناني طالما جنّبه تجرّع السم وفعلته فيها خيانة وطعن، وثمة من يريد سوقه إلى موقع سياسي آخر وهو يعلم أن رهانه على الظفر برضا سعودي مجرد سراب.

في المقابل، حاول الحريري إقناع زملائه في الرباعي بوجهة النظر الفرنسية، وأنه في وارد مسايرة الراعي الفرنسي، ولديه حل لعقدة المالية، تتمثل بوضع حق تسمية الوزير الشيعي في يد “الرباعي السني” ممثلاً بشخصه، وهو بحاجة لنيل التفويض. رد الرباعي أن الثنائي الشيعي لن يقبل بهذا المخرج على قاعدة أنهم يريدون تسمية وزيرهم من دون مشاركة أحد، وعلى ما يبدو تولد إحساس لديهم أن الحريري في وارد المقايضة والعودة إلى زمن بيع الثنائي الشيعي وأنه يرسم إلى شيء أكبر ويريد توريط الرباعي معه. ساعتئذٍ ابدوا رفضهم للاقتراح، وافترق الأحبة على كلمة.

بعدها، تولّى الحريري ترتيب التخريجة ببيان سقط على زملائه في “نادي الاربعة” كالمياه الباردة. انتفضَ ثلاثتهم: نجيب ميقاتي فؤاد السنيورة وتمام سلام، وسارعوا إلى تناول الرد رافضين تنازل الحريري ومسجلينه ضمن قائمة “الشخصي”، أي أنهم نزعوا عنه صفة “المرجعية السنية” التي يفترضون انها متموضعة ضمن براثن اللقاء. لكن الحريري مضى وكأن شيئاً لم يكن، والظن أن بيانه أعادَ خلط الأوراق مجدداً وهو في وارد التسبب بأزمة داخل “نادي الاربعة”، إن لم تكن قد وقعت الواقعة فعلاً.

يميل الحريري كما تشير أوساط مواكبة للاتصالات الحكومية إلى هذا الحل. صحيح أنه طرح تسمية الوزير الشيعي “المالي” بالتعاون مع الرئيس المكلف مصطفى أديب، لكن الحريري يعلم بقرارة نفسه أن الثنائي لن يدعه يمرّر الاسم الذي يريده، وعلى الأرجح، أن الحريري سيعود إلى التفاهم مع الثنائي على أن يكون الفيصل بينهما “قائمة العشرة” التي تولى إعدادها ورفعها الرئيس نبيه بري سابقاً.

لكن يبدو، ان الحريري يراهن على محاولة إدخال تعديلات على مضمون اللائحة على نحو التفاهم على مجموعة أسماء أخرى مختلفة ودمجها في صلبها ما يصلح لإعطاء اللائحة صفة التنوع، وخاصية فتح مجالات أوسع لدى الرئيس المكلف لتحرير اختياراته. رهان الحريري يعتمد على أنه قد باع الثنائي موقفاً. ما يعرقل هذا التوجه الآن، أن الثنائي ليس في وارد المبادلة، وقد انهى صياغة لائحته ووضعها في عهدة المعنيين ووصلت إلى باريس منذ زمن، ولا يبدو أنه في وارد تنقيحها.

ثمة أمر آخر يسعى الحريري إلى تمريره ظناً منه أنه حين سلّف موقفاً للثنائي من قبيل الموافقة على تجيير حقيبة المالية إلى الشيعة والمشاركة ولو من جانب واحد من اختيار الاسم يصبح باستطاعته مقايضة الثنائي على أمر أكبر، من قبيل نيل تعهد من الثنائي أن لا يعود إلى مثل طلب حقيبة المالية مرة أخرى لقاء فتح المجال أمام المداورة في الوزارات، وهذا يندرج ضمن الدفع الفرنسي المستتر صوب وقف العمل بالتوزيع الطائفي للوزارات “درجة أولى”.



from وكالة نيوز https://ift.tt/32SahWO
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل