
د. شريف نورالدين
اولا” ما هو الفارق بين النيوليبرالية والراسمالية.
إن الرأسمالية والنيوليبرالية ﻻ يختلفان من حيث المبدأ بل هما متشابهان كأيديولوجيات اقتصادية، والرأسمالية منذ ظهرت هي تمثل نمطا اجتماعيا واقتصاديا في الحياة.
كما أن النيوليبرالية هي تطور سياسي للرأسمالية، ما يعني هي الأيديولوجية السياسية والاقتصادية التي تسعى إلى زيادة حرية السوق والفرد لتجميع الثروة، ومن هنا النيوليبرالية قوة فوق الدولة غايتها الربح بدون تدخل الحكومة.
ليست النيوليبرالية بالضرورة ضد التشريعات اﻷممية الصادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية والتي تتماشى معها وتتماهى مع مبادئها، كما وتتعارض مع التشريعات المنافية لديمومتها.إن الفلسفة الحاكمة للرأسمالية هي السعي للثروة، بينما الفلسفة الحاكمة للنيوليبرالية هي تكديس الثروة لأجل الثروة، وهذا ما يؤدي للتسلل والوصول الى السلطة السياسية في اﻻخير.
بمعنى أوضح وأعم، النيوليبرالية هي فكر آيديولوجي مبني على الليبرالية الاقتصادية التي هي المكوّن الاقتصادي لليبرالية الكلاسيكية والذي يتمثل بتأييد مطلق للرأسمالية وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد.
يؤمن النظام الاقتصادي الرأسمالي بالربح المادي محفزا للأفراد على المبادرة والمخاطرة واستثمار رؤوس الأموال لكسب المزيد من الأرباح ومضاعفة الثروات، وأن قوة تراكم رأسمال هي السبيل إلى النمو والتنمية الاقتصادية، من خلال تمويل الاستثمارات الضخمة والمشاريع الكبرى.
ويراد برأس المال كل الأموال التي يمكن استثمارها بقصد جني الأرباح. ولا يقتصر الأمر على النقود فقط بل يتعداها إلى كل الأصول التي يمكن توظيفها في عملية الإنتاج، من عقارات ومنقولات ومعدات وسلع ومواد أولية وأوراق مالية وحقوق ملكية فكرية، فضلا عن الأصول السائلة.
والنظام الاقتصادي الرأسمالي هو السائد في كل بلدان العالم منذ انهيار الاشتراكية مع نهاية القرن العشرين، والتحاقها بركب الرأسمالية بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية، إلا أن هناك تفاوتا واضحا في دول العالم على مستوى تطبيق مبادئ النظام الرأسمالي خصوصا فيما يتعلق بالدور الموكول إلى الدولة في الاقتصاد ودرجة تحرير الأسواق.
كما شهد العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية «إعادة تنظيم» السياسة العالمية مع اصطفاف المعسكرين الرأسمالي الإمبريالي والاشتراكي.
اعتمدت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية على السياسة الاستعمارية ذاتها، ومنح البلدان استقلالاً شكلياً، ما سمح للشركات الأميركية باختراق أسواقها المستعمَرة سابقاً ورسخت الإمبريالية إحكام قبضتها على الشؤون السياسية والاقتصادية على معظم الدول .
كما تعيش الرأسمالية على فلسفتها الخاصة للبقاء على قيد الحياة، باﻹعتماد على جشع اﻷغنياء وأستغﻻل الفقراء ، في ظل النظم الحرة وأسواقها (العرض والطلب) ومبدأ المضاربات في السوق والمنافسة لجني اﻷرباح الطائلة ، دون رادع إنساني أو أخﻻقي ، وتبعات الحاصل من المحصول والقائم على قاعدة “المال ﻻ يصنع وﻻ يعطى بل ينتقل بين رابح وخاسر”. كما جعلت العمل بديﻻ” عن الحب باعتبارها “أن الحب هو بدعة وأسطورة التاريخ” أي بمعنى آخر ﻻ وجود للرحمة في عالم المال.
لطالما الرأسمالية بنيت على القوة والسلطة والمال والنفوذ ، جعلت معظم البشر يعيشون على أوهام الدعاية والدعاية المضادة المفبركة للتأثير على وعي الناس ونمط عيشهم على اعتبار البشر يجب عليهم الحب واﻷمل بالحياة أو اﻹنتحار ، مستغلة قلة الحيلة لديهم بدهاء وذكاء والسيطرة على مقدراتهم ووقتهم ضمن ايديولوجية الحب والذات والكمال والطموح المطلق للعنان بﻻ حدود ، وتأمين الرفاهية والخدمات والعيش الرغيد لهم ، بمصادرة وقتهم وحريتهم الشخصية، تارة بالعلم المفروض والفكر المسلوب والتخطيط المدروس وأخرى باﻹغراء والجمال والشعور باﻷمان وديمومة الحركة والجهد والكد لتحقيق أحﻻم المستقبل والتي ﻻ تنتهي، حيث هناك سوق مفتوح والطلب موجود لكل شئء مطلوب ومرغوب ومفروض أو مرفوض .
وأيضا في نطاق اﻹديولوجية الرأسمالبة ليست الحاجة فقط هي المطلب، بل ترويج الكماليات من اﻷسس لديها ، ليصبح اﻹنسان رهين غاياته ومتطلباته وكماﻻته الﻻمنناهية، ويكون الثمن، اللحاق بالزمن وﻻ يدركه ويفنى العمر من أجل كل منتج جديد (منزل ، أثاث، ديكور، سيارة ، ثياب وعطور وغيرها الكثير…) .
لكن لﻻسف دائما هناك منتج ومستهلك والضعف يقع على اﻻخير، وتبقى قوة اﻹنتاج الحاكمية والمهيمنة على المحكومية. هي دورة كاملة تدور في حلقة وسلسلة مترابطة معقدة ﻻ أول وﻻ آخر لها وﻻ مخرج منها.
مما ﻻ شك فيه ﻻ ينتهي الحديث هنا في ظل الصراع القائم على سلطة العالم، تتجه الرأسمالية نحو السيطرة العالمية في ظل النيوليبرالية ، من تصفية كل ما هو دونها للتمركز على حساب المنافع المتوسطة من مؤسسات وشركات ومصالح عامة لدى المجتمهات البشرية وتخصيص أصول الدول وممتلكاتها لناحية الشركة الكبرى .
أما السؤال؟ كيف سيكون مصير الدول المستهلكة في الزمن القادم مع الرأسمالية المتجددة والتي ترمي بحملها الثقيل المصقول بالفقر والمعانات واﻷلم والعوز ، والذي أرخى ظﻻله على كثير من الدول، في منطقة الشرق اﻻوسط العالم النائي …
الجواب ﻻ يحتاج الى كثير من التحليل والتوكيد والبينات، والبراهين أمام العين وفي حياتنا اليومية.
لطالما عمر الرأسمالية، التي لم ترتد شكلها المكتمل إلا مع الثورة الصناعية، لا يتجاوز قرنين من الزمن، عاشت على أمجادها، ﻻ لعظمتها ونقاوتها، بل بسبب غياب البديل عنها أوﻻ”، ودعم السياسات والتشريعات والقوانين التي كانت في خدمتها ومازالت ثانيا”، والذي أمدها بالقوة لﻹستمرار في الحياة مع كل اﻷزمات التي مرت وألمت بها.
أزمات اقتصادية مالية حول العالم بحدود 120 أزمة مالية، وهذه بعض أحدثها:
*انهيار سوق نيويورك في ما يعرف بالكساد الكبير الممتد من 1929 إلى 1933.
*أزمة الدولار عام 1971 التي نتج عنها إعلان نكسون فك ارتباط الدولار بالذهب.
*أزمة الإقتصاد السويسري عام 1973 والتي تراجع فيها عدد الوظائف في قطاع الساعات من 100.000 إلى 13.000 وظيفة وانهيار قطاع البناء.
*أزمة سوق الأسهم الأمريكية عام 1987 عندما انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 23 بالمئة.
*أزمة مؤسسات التوفير والإقراض في أمريكا من 1989 إلى 1991 والتي بدأت بإفلاس عدة مئات من المؤسسات الصغيرة نسبيا المتخصصة بالقروض الشخصية العقارية.
*انفجار بالون الأسهم للأصول في اليابان من سنة 1989 إلى 1998 والمسماة بالعقد الضائع.
*الأزمة المصرفية في السويد عام 1992.
*أزمة المكسيك نتيجة عمليات بيع كثيفة لسندات حكومية خاصة بالبيزو المكسيكي عام 1994.
*الأزمة المالية الآسيوية عام 1997.
*الأزمة الروسية المتمثلة بأزمة الروبل الروسي في شهر أغسطس عام 1998.
*انهيار سوق النازداك في نيويورك عام 2001.
*أزمة الأرجنتين عام 2001 حتى 2002.
* أزمة 15 سبتمبر 2008 وما زالت مستمرة رغم كل محاولات تجاوزها.
– أزمة كورونا الحالية اﻷكبر وتداعياته على اﻹقتصاد العالمي.
هذه أبرز الأزمات الحديثة الناتجة عن النظام الإقتصادي الرأسمالي وهي أزمات ضربت في الغالب الأغنياء وحيتان المال الرأسماليين أما الفقراء فقد عاشوا في أزمة دائمة ضمن عمر هذا النظام، من حروب ومجاعات وأوبئة وأنهيارات سلطات سياسية وأجتماعية وثقافية واقتصادية وغيرها.
أما النتائج المترتبة عن الرأسمالية على مر الزمن والتبعات التي تدفع ثمنها البشرية ومنها كاﻵتي.
– فرض النيوليبرالية على دول العالم من خلال هيئات والمؤسسات الدولية كـ”صندوق النقد الدولي“، و”البنك الدولي“، و” مُعاهدة ماستريخت” (المؤسسة للاتحاد الأوروبي عام 1991)، و”مُنظمة التجارة العالمية“.
– العقوبات بالقوة او من خﻻل هيئة اﻷمم على دول عدة، جعلت منها مﻻذا للنيوليبرالية.
– تخفيض الضرائب عن طبقةالأغنياء على حساب الفقراء.
– تقويض الاتحادات العُمالية.
– تحرير الأسواق.
– خصخصة قطاعات الدولة.
– المنافسة بين الشركات للاستحواذ على الخدمات العامة.
– السعي وراء ما يؤدي لمزيد من الثروة ومزيد من السلطة. – البشر والبيئة موارد ومصادر للثراء دون رادع وبﻻ رحمة.
– تزايد النزاعات داخل المجتمعات وما بين الدول المستهلكة.
– صعود اﻷحزاب والقوى المتطرفة والتوجه نحو التعصب الى القومية أكثر فأكثر.
– محو الشركات الصغيرة وبالخصوص المتوسطة لحساب الشركات العمﻻقة.
– التمركز عالميا على حساب اللامركزية المحلية.
– تراكم رأس المال الذي بات عبئا” على اﻹقتصاد الحقيقي.
– البديل عن الطاقة البشرية بالتكنولوجيا والحداثة العصرية.
– تفاقم البطالة حول العالم.
– تفاقم المديونية عند الدول وانهيار البعض منها.
– تقدم أنظمة العسكرة والديكتاتورية على الحريات وما يسمى”اﻷنظمة الديمقراطية”.
– تجاوز على كل اﻷعراف والمبادئ واﻷخلاق.
– المجتمع البشري رهين التكنولوجيا والسيطرة عليه.
– البشر قطيع الراعي وعصاه.
– اﻹنسان روبوت تحركه رومونت الرأسمالية.
– فقدان خصوصية الفرد.
– إتساع الهوة بين طبقات المجتمع البشري.
– التوجه اكثر نحو العنصرية والتمييز العرقي.
مما ﻻ شك فيه، الرأسمالية باقية طالما اﻹنسان عنوانها واستهﻻكه صنوانها، وتراكم المال والسلطة والنفوذ والمنفعة والمصلحة هدفها. وجشع حيتان المال وأنانية اﻹنسان، كل ذلك سيؤدي الى غياب العدالة واللامساوة ، وهي لطالما حاضرة وباقية مع بقاء الروح فيها المستمدة من ديمومة اﻻباطرة والملوك والرؤساء وأصحاب الخنوع وكل من يدور في فلك ظلم العباد والبيئة من حجر وبشر وشجر وبحر وفضاء ومطر، حتى ما تبقى من حيوان وما ندر…
ويبقى في اﻷخير للرأسمالية بصمتها على الماضي والحاضر والمستقبل، وسمتها الهيمنة على ثروات العالم والتسلط والنفوذ، وأستحواذ العقول واستبعاد المنطق والمعقول، والشمولية والعبودية على اﻷمم والشعوب، والغير المألوف على المعروف الى حد الجنون، والزينة والفتون والوقت المقتول والعمر المغبون، والقضاء على كل حلم وأمل منظور…
أما الحل في أيدي الشعوب، وعدم إنصياعها ﻷصحاب السلطة والنفوذ، واﻹستفادة من العقول النيرة وأهل العلم اﻷبرار، وكونوا أحرار لنيل الحرية وتحويل المصير المسار، والخروج من حب الذات واﻵنا، وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة، وتبادل الثروات والخبرات، والعمل والمثابرة على التغيير نحو نظام عالم جديد يخلو من التسليف والتسويف، العطاء والتعاون سمته، والحب والرحمة ميزته، أو معجزة من السماء تبدل الحال الى غير حال، أم كورونا يعدل في المحال، أم أزمة أكبر تحقق اﻹنصاف وآمال اﻷجيال وتغير اﻷحوال.
from وكالة نيوز https://ift.tt/2Nsy9aJ
via IFTTT
0 comments: