
تستطيع الحكومات إنفاق المال، ويستطيع هذا الإنفاق أن يعطي الاقتصاد دفعة في الأجل القريب. لكن التعافي لن يكون مستداماً إلا إذا قررنا نحن أن ننفق.
وثمة تناقض حاد بين التفاؤل الفقاعي الذي يعبر عنه بوريس جونسون والأخبار المتعلقة بالاقتصادين البريطاني والعالمي. إذ يأمل رئيس الوزراء في أن البلد سوف “يرتد صعوداً”. بالتأكيد، ثمة فعلاً نوع من إعادة الإحياء يجري مع الرفع التدريجي لإجراءات الإغلاق.
وكذلك يصح منطقياً أن تستخدم الحكومات قدراتها الاقتراضية للدفع بالقدرة الإنفاقية الفورية في الاقتصاد، وكذلك استخدام المعدلات المتدنية جداً للفوائد في الأجل البعيد كفرصة لتمويل المشاريع الاستثمارية اللازمة.
في المقابل، ثمة حدود لما تستطيعه الحكومات. فمن الممكن أن يستعيد الاقتصاد بالفعل الموقع الذي خسره في الأشهر الأربعة الماضية مع حلول أوائل العام المقبل، إن لم يتحقق ذلك في نهاية العام الحالي. وقد أصدر “صندوق النقد الدولي” بعض التوقعات القاتمة للاقتصاد العالمي.
للمفارقة، سيكون الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي سيحقق أي نمو هذا العام هو الاقتصاد الصيني. وستعاني الاقتصادات الكبرى الأخرى كلها من انكماشات. وسيبلغ انكماش الاقتصاد البريطاني 10.2 في المئة. ولن يكون من قبيل العزاء الكبير أن الصندوق يتوقع لفرنسا وإيطاليا وإسبانيا انكماشات أكبر [من بريطانيا].
وبالغ الصندوق في التشاؤم قبلاً، لاسيما في شأن المملكة المتحدة، لذلك يجب أن لا نهمل احتمال إفراطه في التشاؤم الآن أيضاً. وأتوقع أن يكون قد فعل، لكننا لا نستطيع أن نفترض ذلك، ولا نستطيع أيضاً افتراض أن تفاؤل رئيس الوزراء سيكون له أثر مستدام. كذلك يستغرق إنفاق المال العام بحكمة، بعض الوقت. واستطراداً، تستطيع حكومة التخطيط لإنفاق المال في تطوير الطرق، لكن ذلك يتطلب أشهراً قبل الشروع في تطبيق الخطة على الأرض.
من ناحية أخرى، يتمثل خفض الضرائب الشيء الذي من شأنه تحقيق تأثير سريع، على غرار ما حصل في ألمانيا حيث خٌفِّضت الضريبة على القيمة المضافة في شكل مؤقت، أو في الولايات المتحدة حيث حُوِّل المال مباشرة إلى الحسابات المصرفية للناس. لكن، ثمة اعتراضات على السياستين. إذ لا يولّد الخفض المؤقت للضريبة على القيمة المضافة، سوى حدوث إنفاق كان سيحصل في أي حال؛ وكذلك ستصل الشيكات المودعة في الحسابات المصرفية إلى من لا يحتاج إليها، إضافة إلى من يحتاج إليها.
ولم تكن تجربة اليابان في محاولة إنعاش اقتصاد راكد عبر مزيد من الإنفاق العام مشجعة. فعلى الرغم من مراكمة عجز ضخم في الميزانية العامة عاماً بعد عام، ورفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 240 في المئة، لا يزال النمو الاقتصادي متعثراً. إذ لا تزال حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الياباني، أقل مما كانته في 1995. ووفق هذا المقياس الذي يجب التسليم بأنه تقريبي، يكون البلد [اليابان] الآن أفقر مما كانه قبل جيل.
فما هي الرسالة الواجب توجيهها إلى الحكومة؟
أقترح أولاً دعوتها إلى عدم محاولة ارتكاب أخطاء بنفسها. ثمة أمور كثيرة خارجة عن سيطرتها، وكثير من النقد الموجه إليها من منظرين مزعومين يُعَد غير منصف، فأن يكون شخص ما نهض بعمل مهمّ قبل 20 سنة لا يعني أن انتقاداته تكون مفيدة الآن. في المقابل، حتى المعجبين بالحكومة يجب أن يقرّوا بأنها ارتكبت أخطاء مباشرة. فوفق المعايير العالمية، جاء أداؤها متواضعاً في أفضل حالاته.
إذاً، بداية، عليها الآن أن تدير كل تفشٍ جديدٍ لـ”كوفيد 19″ بطريقة تكون قادرة على احتواء الضرر. ولا تقتصر تلك المسألة على التكاليف البشرية والاقتصادية المباشرة للتفشي. بالأحرى إنها تتعلق بالأثر المباشر في الثقة في شكل أَعَمْ. وعلى الحكومة أن تحاول تحديد المكامن الفعلية للأخطار كي يتمكن الناس، وهم ليسوا أغبياء، من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم حول أنشطتهم.
وبعد الأولى، تأتي النقطة الثانية. على الحكومة أن تتأكد من أن تلك الأجزاء من الاقتصاد التي تستطيع أن تعيد فتح أبوابها بأمان يجب أن تنال سماحاً بأن تفعل ذلك في شكل منظم. ثمة دروس كثيرة تستطيع الحكومة تعلمها من الاقتصادات التي تعاود العمل بنجاح، وتلك الاقتصادات التي عانت نكسات. وتُعتبَر ألمانيا، على الرغم من بعض الأرقام المقلقة الصادرة أخيراً، أفضل [من سواها] بالمقارنة بأجزاء كثيرة من الولايات المتحدة، إذ يبدو أن نيويورك تجاوزت الأزمة، لكن الأمر لا يصح على ولايات كأريزونا وتكساس وفلوريدا.
ويضاف إلى ذلك أن الحكومة يجب أن تطبق اختبار “القيمة مقابل المال” على كل مقترحاتها للإنفاق. ففي المراحل الأولى للجائحة كانت أهمية المال أقل، وكان الإنفاق في كل أمر شيئاً صائباً. أما الآن، فعلى الحكومة أن تكون أذكى. إذ تستطيع هدر المال على بنية تحتية غير ضرورية. وهذا ما فعلته اليابان. وتستطيع أيضاً حجب الاستثمار المنطقي مستخدمة الضوابط البيروقراطية. وهذا ما تفعله اليابان أيضاً.
وأخيراً على الحكومة أن تقرّ بأن الناس، خصوصاً الشباب، هم من سيحددون وتيرة التعافي. وضمن السمات الإيجابية للأيام القليلة الماضية، يبرز ذلك الاستعداد الواضح للمستهلكين البريطانيين للخروج والإنفاق. ويؤمل في أن يستمروا في فعل ذلك.
© The Independent
from وكالة نيوز https://ift.tt/3dNds4h
via IFTTT
0 comments: