
تباعد إتسعت رقعته بعد الثورة
تعرّضت معظم الكتل السياسية للإهتزاز بعد ثورة 17 تشرين وما رافقها من تغيرات على الساحة اللبنانية، نتيجة الضغط الشعبي والوعي الذي لم يصل بعد إلى حدّ إستكمال الثورة وإسقاط السلطة الحاكمة.
وفي سياق التحولات الكبرى، يشهد تكتل “لبنان القوي” برئاسة النائب جبران باسيل بعضاً من الأخذ والردّ وقد غادره نائبا كسروان نعمة إفرام وشامل روكز، في حين تُطرح أكثر من علامة إستفهام عن تموضع رئيس حركة “الإستقلال” ميشال معوض، وهل لا يزال عضواً في التكتل أو أنه غادره. قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من التطرّق إلى العلاقة التي جمعت معوّض وباسيل منذ إبرام التفاهم الإنتخابي الأخير العام 2018، ففي تلك المرحلة كانت كل الأخبار تسري بأنّ معوّض سيترشّح إلى جانب “القوات اللبنانية” في دائرة الشمال الثالثة التي تتألف من أقضية البترون والكورة وبشري وزغرتا، خصوصاً أنه من أبرز مكونات 14 آذار وصاحب خطّ سيادي، لتكن المفاجأة بإعلان تحالفه الإنتخابي مع “التيار الوطني الحرّ”. ولا يمكن قراءة ما يحصل الآن من دون الرجوع إلى تلك المرحلة الإنتخابية، فقد أصرّ معوّض على باسيل بأن يكون شريكاً إنتخابياً له لا عضواً في التكتل أو ملحقاً به، وشدّد معوّض على الحفاظ على إستقلاليته وعلى خطابه السياسي في الملفات المطروحة وخصوصاً موضوع “حزب الله” الذي تختلف النظرة فيه عن “التيار الوطني الحرّ”، وتأكيداً على الشراكة لم يكن لون اللائحة التي نُسج فيها التحالف برتقالياً مثل كل لوائح “التيار الوطني” في كل لبنان، بل إنّ لون اللائحة الذي اعتُمد في دائرة باسيل كان بنياً، أي لون الأرض، وهذا الأمر مهمّ جداً لمؤسسة رينيه معوّض التي تعتمد بالتعاون مع مؤسسات دولية تطوير الزراعة وكل ما يتعلّق بها. قد يكون هذا الأمر تفصيلاً وليس جوهرياً، لكن معوّض إستطاع بمفرده، حصد نحو 8600 صوت تفضيلي في قضاء زغرتا، في حين أعطى “التيار الوطني” أصواته لمرشحه الوزير بيار رفول، فيما صبّت أصوات “القوات” إلى جانب مرشحها في القضاء ماريوس البعيني مع بعض الخروقات.
إنتهت الإنتخابات النيابية وشكّل معوّض رافعة للائحة “التيار الوطني”، وبدأ من بعدها إستكمال رحلة الإستقلالية، فحافظ على سقف خطابه العالي، وهو وإن كان يحضر إجتماعات تكتل “لبنان القوي” فإنه كان يتمايز في الإستحقاقات، وأول تلك التمايزات كان عند انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه برّي ونائبه إيلي الفرزلي، وعلى رغم أن الفرزلي عضو في تكتل “لبنان القوي” إلاّ أن معوّض لم ينتخبه لأنه من غير خطّه السياسي، كما إنه أحجم عن منح صوته لبرّي للأسباب ذاتها متمايزاً بذلك عن “التكتل”.
واستمر معوّض في تمايزه حتى أتت ثورة 17 تشرين لتقلب المقاييس رأساً على عقب في السياسة اللبنانية، وقد دعم معوّض الثورة بعكس زملائه الذين حاولوا مجابهتها، إلى أن حصل التمايز الأكبر، فكان معوّض الأجرأ وتفوّق على المعارضين للعهد والسلطة خلال الإستشارات النيابية الملزمة، ففي حين فضّلت بعض كتل المعارضة الإمتناع عن التصويت لأي مرشح لرئاسة الحكومة، سمّى معوّض السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة ودعا إلى أن يكون على رأس حكومة إنقاذية، مخالفاً بذلك رأي “التكتل” الذي كان مرشحه الرئيس حسّان دياب.
ومنذ ذلك الوقت إرتفع منسوب الأسئلة عن موقع تمركز معوّض، خصوصاً أنه ذهب إلى الإستشارات في القصر الجمهوري منفرداً ومستقلاً وليس مع نواب “لبنان القوي”، من ثم حجب الثقة عن حكومة دياب على رغم أن “التيار الوطني” له ثقله فيها، واستكمل خطابه الهجومي في مجلس النواب متحدثاً عن سلطة ومعارضة سلطوية، أي إنه وجّه نيرانه في كل الإتجاهات مطبقاً شعار “كلن يعني كلن”.
هذه المواقف الأخيرة لمعوض تركت تردداتها داخل “لبنان القوي”، فخرج النائب زياد أسود بهجوم على معوض بعد مواقفه في جلسة الثقة وقال: “ميشال معوض ناسي ذاكرتو على باب المجلس، ضد كل شي وكان مع كل شي من أول يوم من الطائف ووالده المرحوم وبعده 2005 من خلال الست والدته”. وأضاف أسود: “وآخرها اليوم بشخصو الكريم ما بيجي على المجلس خوفاً من إعطاء فرصة للنصاب، وبيجي ينظر متكلاً على نصاب وذاكرة شعبوية 14 و 8. هيك خبروني بكسروان حتى قلك”، فكان ردّ معوض قاسياً إذ قال: “زميلي العزيز من الأفضل لك أن تبحث عن بطولات دونكيشوتية بعيداً عني، لأنك لا تجيد السباحة بما يكفي”، ملمحاً إلى هروبه من أحد مطاعم كسروان بعد مطاردته من قبل الثوّار.
وشكّل هجوم أسود على معوض “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”، إذ علّق معوّض مشاركته منذ ذلك الحين في إجتماعات “التكتل” وابتعد عنه مطالباً أسود بالإعتذار، وحاول باسيل إصلاح الوضع وعقد جلسات مطوّلة مع معوض الذي أصرّ على الإعتذار خصوصاً ان أسود مسّ بالرئيس الشهيد رينه معوض.
ليست حادثة أسود هي الوحيدة التي أبعدت معوض عن “التكتل”، إذ إن التباعد في المواقف السياسية والإصلاحية بات كبيراً جداً، فعند إبرام التحالف الإنتخابي كان التباعد مقبولاً في المواقف، وقد أتى هذا التحالف من ضمن سياق التفاهم المسيحي بين “القوات” و”التيار الوطني الحرّ” قبل أن ينهار بعد الإنتخابات، وبالتالي فإن انتقادات معوض المتتالية لبعض السياسات التي يقودها العونيون وسّعت رقعة الشرخ، فغاب عن إجتماعات التكتل الشخصية قبل “الكورونا” والإلكترونية حالياً.
وعلى رغم أن كل طرف بات في ميل وعودته إلى صفوف تكتل “لبنان القوي” باتت مستحيلة، إلا أن معوض لا يزال يحافظ على علاقة جيدة بباسيل، ويرفض أن يدخل في لعبة تصفية الحسابات أو إستعماله من بعض الجهات السياسية في مواجهة باسيل، أو إحتسابه رقماً إضافياً يطير من عداد تكتل “لبنان القوي”.
وتأكيداً على علاقته الجيدة مع باسيل على رغم إبتعاده عن التكتل، فإن كلّاً من “التيار الوطني الحرّ” و”القوات اللبنانية” كلّفاه متابعة ملف العفو العام الذي كان له مواقف متقدمة منه أخيراً.
وفي المحصلة فإن معوّض الذي لم يعد عضواً في تكتل “لبنان القوي” يحافظ على خطه السيادي وإستقلاليته وعلى علاقة جيدة مع الأطراف المسيحية على رغم الإبتعاد في وجهات النظر، وبالتالي هل سيلعب أدواراً مستقبلية على الساحة المسيحية خصوصاً أن العام 2022 عام الإستحقاق الكبير؟
from وكالة نيوز https://ift.tt/3bHjS3W
via IFTTT
0 comments: