
عبد الرؤوف سنّو -اللواء
نحن نستنكر بشدّة الاعتداءات التي تعرّض لها الجيش اللبناني، فهو جيشنا الوطني الذي يحمينا ويحمي السلم الأهلي، كما نستنكر التعدّيات على الأملاك الخاصّة والعامّة؟، لكنّنا نستنكر في الوقت ذاته، وصف طرابلس، على مواقع التواصل الاجتماعي، بأقسى العبارات ونعوت التحامل والتحريض، لمجرد أنّ بعض المندسّين قاموا بالاعتداء على الجيش أو تصرّفوا بعنف.
طرابلس التي نعرفها قبل الانتفاضة وخلالها، هي مدينة عزيزة، وهي عروسة الثورة وأيقونتها، واشتهرت بسلميتها واندفاعها الوطني للتخلّص من الطبقة الحاكمة الفاسدة، ما جعل قوى السلطة تترصّدها.
لقد قال الرئيس دياب إنّ المندسّين ومَنْ يقف خلفهم معرُفون لدى السلطات الأمنية، فلماذا إذن لا يُلقى القبض عليهم وعلى مَنْ زرعهم في التظاهرات، ويتم إخراج هذا الموضوع من البازار السياسي والأمني؟
هذا التجنّي على طرابلس وأهلها، هو استمرار للتحامل التاريخي عليها وغضّ النظر تجاه ما عانته وتعانيه من إهمال وحرمان وازدراء على أيدي الحكومات السابقة، كما على أيدي سياسييها. لقد لمس الجوع نسبة تجاوزت 50% من الشعب اللبناني؛ فكيف بطرابلس وعكار وهما أكثر المناطق فقراً وجوعاً في لبنان؟
الجوع يقضي على التفكير العقلاني، ويرفع من غريزة العنف لدى الفرد، وهذا معروف في كلّ الثورات في العالم. على العكس من ذلك، فقد عملت الانتفاضة اللبنانية منذ انطلاقتها على الحراك السلمي، على الرغم من اعتداءات ميليشيات حركة أمل وحزب الله عليها، والتجنّي عليها من قِبل جمهورهما وجمهور التيار الوطني الحرّ، بأنّ عناصرها مجرد «قطّاع طرق»، وهذا معروف للجميع. إنّ أي انتقال للانتفاضة اللبنانية من السلم إلى العنف، تتحمّله الحكومة اللبنانية التي جعلت فريقين وطنيين في مواجهة بعضهما بعضاً: الجيش اللبناني والمشاركون في التظاهرات في طرابلس، كما في صيدا وغيرها.
إنّ الأوضاع المعيشية الاجتماعية والاقتصادية، وفي مقدّمها الجوع والحرمان والبطالة المرتفعة جداً من العمل…، وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية، والارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية…، تتحمّل مسؤوليتها الحكومة وحدها، كما سياسات مصرف لبنان، وحاكمه الذي زادت نقمة حزب الله عليه، بسبب العقوبات الأميركية على الحزب، ومنذ تعاميم سلامة الثلاثة الأخيرة، حول مَنْ يستحوذ على الدولار، وبالتالي استبداله بآخر موالياً لفرض هيمنته على نظام لبنان الليبرالي.
إنّ ضبط الشارع وتهدئة الجائعين، لا يكون بوضع الجيش اللبناني والقوى الأمنية في مواجهة الشعب اللبناني، هذا الشعب الذي ثبت له تآمر التحالفات داخل الحكومة والقوى السياسية عليه في لقمة عيشه، وفي أنْ يعيش بكرامة وأمن. لقد دمّرت هذه القوى السياسية، المتنافرة سياسياً والمتحالفة ضمن منظومة فساد متماسكة، من رأس هرمها إلى أسفلها، اقتصاد لبنان، وسرقت المالية العامّة، واستولت على ودائع اللبنانيين وهرّبتها بأساليب خسيسة. وعلى ما يبدو، فلن يقبل الشعب اللبناني، بعد الآن، بالاحتجاج على الأوضاع وسياسات الحكومة، بالتظاهر في زوايا الساحات وعلى أرصفة الطرقات التي تصرّ عليها القوى السلطوية كي تفقده تأثيره وفعاليته، حتى أنّ هذا الشعب الذي بات يفضّل الموت بكورونا على الموت جوعاً وذُلاً.
إذا كان اللبنانيّون قد انتفضوا في تشرين الأول الماضي تحت شعار الكرامة واستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة ومحاسبة الطبقة الحاكمة الفاسدة، فهم يثورون اليوم من أجل لقمة العيش؛ فالجوع يتهدّدهم كلهم.
من هنا، فإنّ إعادة الهدوء إلى الشارع اللبناني تتطلّب: معالجة حقيقية عاجلة لموضوع جوع اللبنانيين ومسألة العطالة من العمل، وإجراء تدقيق حقيقي لحسابات مصرف لبنان، بدلًا من توجيه الاتهامات جُزافاً له، علماً بأنّ كلمة حاكمه المسجلة كانت غير مهنيّة (لا جداول ولوائح احصائية توضيحية) ابتعدت عن الأرقام الحقيقية وعن تسمية القوى السياسية الفاسدة التي سرقت ونهبت وسمسرت (بالأخص في ملف الكهرباء)، وهرّبت أموال لبنان إلى الخارج، وصيغت بتكتّم على القوى السياسية الفاسدة، إما خوفاً أو نتيجة تسوية ما. ويجب الكشف، كذلك، عن القوى التي تتلاعب بالدولار (سعر صرف الليرة)؛ من المصارف وجمعيتها والصرافيين الحزبيين أو المتواطئين، وتدفع بالتالي الناس، عن عمد إلى الشارع لتحطيم المصارف والمؤسّسات بهدف تحقيق مآرب سياسية ومخطّطات خبيثة. كما يجب إعادة الثقة إلى رجال الأعمال والتجار وأصحاب القطاعات الإنتاجية بأنّ أعمالهم لن تدمّر بفعل تآمر وسياسات خاطئة، كما إلى عموم اللبنانيين، بأنّ ما جنوه خلال حياتهم الطويلة لن يذهب هباء منثوراً.
إنّ حديث الرئيس دياب، منذ تشكيل حكومته، عن استعادة الأموال المنهوبة المهرّبة، لا يزال يدور في العموميّات، والمطلوب قرارات جريئة، في مقدّمها تحديد الفاسدين الذين هرّبوا أموالهم إلى الخارج قبل الثورة وخلالها… بالأسماء والأرقام، وجعل قراراته تأخذ طريقها إلى التنفيذ، عبر قضاء نزيه ومستقلٍّ وإدارة لا تعاني المحاصصة، كما في التعيينات الأخيرة التي جُمّدت بين الفريق الحاكم الواحد في عهد دياب، كالقضائية والمالية والإدارية الأخيرة،… عكس ذلك، فالسلام على حكومة دياب، والسلام على السلم الأهلي!!!
from وكالة نيوز https://ift.tt/2YtZ9O9
via IFTTT
0 comments: