“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
الاجتهاد الأمني حيال إنعقادِ جلسةِ منحِ الثقة لحكومةِ العهد الثالثة يُمكِن وصفه بـ”السوداوي” بحكم أنّ المؤشرات كلها تؤدّي إلى احتمالاتٍ مرتفعة نحو حصول مواجهةٍ يمكن أن تأخذَ الطابع الدموي في حال انحدارها بإتجاه إشتباكٍ شوارعيٍّ قاسٍ.
التجارب منذ إنتقال إنتفاضة “17 تشرين” إلى المستوى الصاخب، أثبتَت، أنّ مواعيد دستورية مُماثِلَة محفوفة بمخاطر حدوثِ مواجهاتٍ ذات طابعٍ عنيفٍ فكيف بموضوعٍ يتَّصِل بمناقشة وضعيّة حكومةٍ يعتبر الحَراك أنّها “سرقت إسمه من أجل اضفاءِ الشرعية عليها؟”. بهذا المعنى يخوّل نفسه استرداد ما سُلِبَ منه، وغايته إظهار أنّ هذه التشكيلة لا تمثله، سواء على الصعيدِ الداخلي أو الخارجي.
قبل أكثر من أسبوعٍ على موعدِ إخضاعِ الحكومةِ إلى إمتحان الثقة، بدت الأمور تتبلور من جانبِ “الانتفاضةِ” التي بنَت تقديرًا مفاده أنّ موضوع إجتياز الحكومة لاختبار الثقة ليس صعبًا في ظلِّ وجودِ هذا الكمّ من التأييدِ الحاصل على مستوى الأحزاب السياسيّة التي تحوز على ودائعٍ صريحة في مجلس النواب، وبالتالي تصبح “الانتفاضة” معنيَّة بالردِّ على صيغةِ “التكنو – محاصصة” في الشارعِ كما تمليه قواعد “العنف الثوري”!
حتى أنّ مشاركة “كتلٍ” بدأت تصنِّف نفسها ضمن المعارضة بعد أحداثِ 17 تشرين لا يمكن التعويل عليها على الرغم من مسارعةِ بعضها الى تقمّصِ “جيناتِ الحَراكِ”، لأمر واضح، أنّ قدراتها داخل البرلمان محدودة ولا تخوّلها إسقاط حكومةٍ أو تحويلها إلى “منزوعةِ صفة” تؤدي فقط أدوار تصريفِ الأعمال لاحقًا.
إذًا، فإنّ الخيار الذي وقع على عاتقِ الحَراكِ كَمُنَ في التعويلِ على “زنودِ شبابِ الانتفاضةِ”، لذا عكفت مجموعات معينة على إعدادِ ما يمكن تسميته بـ”خطةِ عملٍ” في إنتظار النهار الموعود.
ما يعطي إشارة تجاه ما يُحضَّر وقيمته وقدرته، ما باشرت “الانتفاضة” في تنفيذه بما يمكن تسميته “تدابير إجرائية” في ساحة المواجهة، حيث أنّ الذي جرى قبل ليلَتَيْن في محيطِ السراي وساحة النجمة عندما حاولت مجموعات اجتياز الجدار والشريطِ الشائكِ والعوائق الموضوعة، صُنِّفَ امنيًا على أنّه أقرب إلى “مناورةٍ تجريبيّة” من غزوة غير محددةِ الأهداف.
ليس سرًا، أنّ القوى الامنية، تمارس على المقلبِ الآخر القدر نفسه من التجهيز والتحضير، والتقييم الأمني الذي حُضِّرَ على طاولةِ أكثر من مسؤولٍ، يفيد بتوفّر إحتمالات مرتفعة نحو حصول مواجهةٍ قد تترتّب عنها عواقب وخيمة بالنظر إلى كمية ونوعية التحضيرات الجارية على الطرف المقابل.
وليس سرًا أيضًا، أنّ دقة المرحلة استدعت من قبل جهاتٍ مسؤولة عن المجلس النيابي، اطلاع الاجهزة الامنية على ما تمتلكه من معلوماتٍ و إجراءاتٍ ظنًّا منها أنّ المعالجة لا بدّ أن تأتي أمنيّة في المقامِ الأول عند انفلاتِ الأمور من عقلها.كذلك، أطلع الجانب الامني الآخر السياسي على ما لديه من معطياتٍ ومعلوماتٍ تخصّ التحضيرات الجارية على جبهة الحَراكِ.
وقد خَلُصَ الطرفان إلى ما يمكن وصفه بـ”الرؤية”. ففهم على إثر ذلك أنّ مجموعات من الحَراكِ عازمةٌ على تحويل المشهدِ في محيطِ ساحةِ النجمة إلى “ساحةِ حرب” وهي تراهن على استدعاء “قوى شبابية” من مناطق الشمال لرفدِ “الفرق المهاجمة” في الساحات بقوّة تنفيذيّة على الأرضِ، أشبه بإنغماسية، مهمتها فتح ثغراتٍ في الجدار الأمني ومحاولة الوصول إلى مقرِّ مجلس النواب، وهو أمرٌ لم تنفِ بعض مجموعات الحَراكِ التي دأبت منذ أكثر من اسبوعٍ على محاولةِ التجييش ضدّ الجلسة، إن عبر بث الفيديوهات أو نشر الدعوات المحفوفة بالتهديدات.
من الواضحِ، أنّ رئاسة مجلس النواب قد وُضِعَت في صورة ما يجري التحضير له، لذا فإنّ المبادرة الجارية على صعيد المجلس هي الحدُّ من تأمين ظروفِ المواجهة عبر اللجوء إلى إتخاذِ قراراتٍ “استثنائيةٍ” تحول دون حصول المواجهةِ التي يتخوَّف منها الجانب الأمني.
وعلى الأغلبِ، فإنّ رئاسة المجلس تلوذ نحو سحب العوامل المهيئة لأي خطوة مماثلة من خلال الإقدام على إدخال إجراءاتٍ موضوعية على شكل جلسةِ الثقة تؤدي دورها في امتصاصِ النقمة، والغاية المرجوة تتلخَّص في محاولة “تقصير مدّة الجلسة” بعدما تُرِكَ أمر تأمين معبرٍ للنواب من صلاحية القوى الأمنية.
بالاستناد إلى ذلك، يميل رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تكرار الأسلوب عينه الذي قضى بقضمِ واختصارِ كلماتِ النواب خلال جلسة مناقشة الموازنة الاخيرة وتعميمه على جلسة منح الثقة بحكومة الرئيس حسان دياب.
ويُنقَل عن مصادر نيابية، أنّ الرئيس بري باشرَ إستطلاع آراء الكتل المشاركة في محاولةٍ منه لفهمِ ردّات فعلها ومدى قبولها بالمقترحِ، خاصة وأنّه لمسَ وجود طلباتٍ تقدَّم بها أكثر من نائبٍ من الكتلة النيابية نفسها لتلاوة محضر كلمة خلال الجلسة.
ويتحصَّن في الترويج لمقترحهِ بالظروف الأمنية التي تنعقد في اجوائها الجلسة، وسط وجودِ اعتقادٍ سائدٍ لديه بأنّ إمتدادها إلى يومَيْن أو ثلاثة قد يتيح تحوّلها إلى مادةٍ لجذبِ المتظاهرين ما سيجر الامور نحو مواجهات على مستوى أكبر في محيط ساحة النجمة. وبهذا المعنى، لا مصلحة في إطالةِ أمد الجلسات بل تقصيرها، بحيث يمكن تمرير الجلسة خلال نهارٍ واحدٍ.
لكن التحدّي يتمثل في كيفيّةِ إقناعِ الكتل النيابية المُصَنَّفة ضمن خانةِ المعارضة، كـ”القوات” التي طلب أكثر من نصفِ أعضائها الكلام، و”المستقبل” التي فتحت شهيّة نوّابها على ممارسةِ فنّ الخطابة في ظلِّ البث المباشر، في العدول عن قرار “فتحِ الهواء للكلام” وإلزام نفسها بعددٍ محدَّدٍ من كلماتٍ لا يتعدى سقفها الكلمتَيْن أو الثلاث.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/31w8G6y
via IFTTT
0 comments: