
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يَصرخ الحزب السوري القومي الإجتماعي في البيداء اللبنانية القاحلة بأعلى صوته: “ما الذي جلبَ علينا هذا الويل؟”، والويل هُنا ينبعث من ألمِ ومِحن ناتجة عن فلتات تصرّفات الحُلفاء قبل الخصوم ليظهر أن “حزب أنطون سعادة” قد إكتوى من رفاق دربه!
بصراحة، وبعد إصدار بيان “إعتزال” العمل الحكومي على طاولة الحلفاء “اعتراضاً على اسلوب البعض في ادارة تشكيلها وهو اسلوب اتسم بالتشويش والعرقلة والإستئثار” كما جاء في حرفيته، يُمكن القول أن القوميون “إكتفوا” من حلفائهم بالأخص أولئك الذين يمتهنون “ثقافة الضحك في الوجه والطعن بالقفا”.. فلا طعناً ولا تشويشاً ولا عرقلةً بعد اليوم وغداً يومٌ آخر!
لم يكن في وارد القوميين، أن نزاعاً على مقعدٍ وزاري سيكشف لهم عن حقيقة نظرة بعض الحُلفاء المفترضين تجاههم، وضلوع هؤلاء بنصبِ أفخاخ لهم من خلفِ ظهرهم بنية إقصائهم عن المشهد أو عرقلة مسيرتهم، ليظهر خلال مباحثات الحكومة التي تشكَّلت حديثًا أن “الحزب” أضحى هدفاً يُراد تطبيق سياسة إقصاء قديمة صادرة بحقّه”.
القصة بدأت حين قرّر الحزب القومي الخوض في غمار مشروع تقديم إقتراحاتٍ لتسميةِ وزراءٍ من فئةِ الاختصاصيين لصالح حكومة بدا أن “اللون الواحد” يطغى عليها ولو بالمواربة، فعثر على إسمِ نقيبة المحامين السّابقة أمل حداد التي كان سبقَ لرئيسِ الحكومة المُكَلَّف آنذاك حسان دياب أن زكّاها، فأعلنَ القوميون دعمهم لها.
لم يكن في بال “القومي”، أن هذه التسمية ستضعه في طور الدخول بمواجهةٍ بعدما عثر على أدلةٍ تثبت أنّ خيارَ تبنّيه لها ضاعفَ من احتمالات إخراجها من التشكيلة واكتشف وجود “فيتويات” بدأت بالتصاعد مصدرها رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية السّابق جبران باسيل.
وفي ظلِّ هذا الواقع، نمى إعتقاد لدى القوميين في أن المسألة قد تكون مرتبطة بإسم الشخصية المقترحة، فأجرى “عملية فحص” للموقف السياسي “العوني” حيال الاسم كانت نتائجه سلبية وبدا واضحاً أن “الفريق البرتقالي” بقيادة باسيل لا يستسيغ قبول تمثيل “الحزب القومي” على مقعدٍ مسيحي رغم أنّ كتلةَ الحزب، ولو أنّه لا يؤمن بالمنطق المذهبي، تتألف من 3 نواب مسيحيين.
وعلى مدى أيّامٍ، إرتفعت رقعة المعارضة العونية حين جرى إختيار منافس من العائلة نفسها له وظيفة محدَّدَة تتمثّل في الاطاحة بمرشحة القوميين، وفي الوقت ذاته، جرى التعبير بشكلٍ واضحٍ أمام الرئيس دياب عن طلبٍ بسحبِ الإسم من جعبتهم، وهو ما أدى إلى تشديدِ “الروشةِ” على منطق التشارك في تسميةِ حداد على هذا المقعد بالذات ورفض الخروج منه، ما خلق عقدة لُقِّبَت لاحقًا بـ”عقدة الحزب القومي”.
طبعًا، القوميون لا يعتبرون أنهم مثلوا عقدة لكون مطلبهم كان واضحًا من الاساس، بل إنّ العقدَ في حال وجدت كانت تتموضع في مكانٍ آخر بعدما بات يحذر على القوميين التمثل ضمن الحصص المسيحية رغم أنّ الحزب لديه الحضور الواسع عند هذه الفئات، وأنّ الأمرَ اصبح مواجهة مفروضة عليهم لم يعد في إمكانهم تحمّلها لكونها أضحت قضايا متراكمة وامتداد واستمرار لنهجٍ بدأ منذ عام 2005 ولم ينتهِ في انتخابات 2018.
وقعَ الخيار لدى القوميين إذًا على المقعد المسيحي، ليس لانه مسيحي بالطبع بل لطبيعة الشخصية التي تتمثل عليه، أي حداد. في المقابل، سعّر الوزير جبران باسيل كما تقول أوساط قومية، “لغة التحدي” فبدأ بالبحث عن مخارجٍ تنضوي تحت خانة “الاستفراد” كان من بينها رفع تركيبة الحكومة إلى “العشرين” كي يتسنى في الظاهر لـ”القومي” نيل حصة “درزية” لكن في الباطن كمُنت الغاية في إقصائه عن الحصّة المسيحية بنية الاستئثار بها.
فكرة لم يهضمها القوميون، ليس لأنهم يرفضون التمثل ضمن الحصة الدرزية علمًا بأنّ لديهم الحضور الوازن على صعيدِ التمثيل لدى الطائفة، بل لسببٍ يعود إلى رفضهم تعميم هذه النماذج والاساليبِ من التعاطي معهم، خاصة بعدما بات ينتابهم الشعور بأنّ الغايةَ الأساسيّة تكمُن لدى الوزير باسيل في إقصائهم عن الساحةِ المسيحيّةِ وليس أي أمر آخر.
وفي الأصل، الحزب السوري القومي لا يستسيغ إقحامه بـ”لغةٍ مذهبيةٍ” تحت ظلال ورشةِ تشكيل الحكومة على شاكلةِ الإيحاءِ بأنّه سعى إلى مقعدٍ مسيحيٍّ صرف ولم يكن يرغب في التمثل على صعيدِ أيِّ مقعدٍ آخر، فكيف يستسيغ أن أحداً ما يُركّب له “فرماناً” على شكل نزع الهالة العلمانيّة عنه وإقحامه في لغة “خشبية مذهبية”، وفي نفس الوقت، يُراد إزاحته عن جسد طائفة يعتبر نفسهُ جزءً من تركبتها السياسية التاريخية؟
لعلَّ أكثر من أجّجَ غضب القوميين يكمُن في تماهي بعض الحلفاءِ مع مطالبِ باسيل وإندفاع بعضهم إلى محاولةِ إقناعِ قيادة الروشة بخيارات “صهر العهد” فكان الرفض قرارهم وأتى الرد تحت وطأة البيان القاسي الذي وزِّعَ على وسائل الاعلام ولم يترك للحلفاء أي “سِتر مغطّى”.
عند هذه الحال، دارت الدائرة على القوميين وقضت تسويات الربعِ الساعةِ الاخيرة إلى إقصائهم عن ملعبِ الحكومةِ، فأتَت التسوية على حسابهم وكان لا بدَّ لهم من الخروجِ من لعبةِ تشابكِ المصالحِ التي جعلتهم يتمَوضَعون خارج تشكيلةِ فريقهم السياسي الوزاريّة!
هكذا اذًا، تحوَّل القومي إلى أبرز المُضَحّين في جسدِ فريقهِ.. صارَ لزامًا عليه بعد الإقتناع بوجودِ مخطّطٍ “برتقاليٍّ” لاقصائهِ أن يختارَ الخروج بكاملِ إرادتهِ حفاظًا على ماءِ وجههِ كي لا يتحوَّل إلى معرقلٍ بنظر غيره في ظلِّ واقعٍ أملى على زملاءِ الخطِّ الواحدِ إطلاق العنان لشهيَّتهم وفتح أفواههم إلى أوسعِ مدى.
وأصلًا، التضحية لا تغيب عن قاموسِ “أبناءِ سعادة”، لكن في الحقيقة تضحية هذا الموسم ابتلعت بكثيرٍ من الألم والمشقة المحفوف بمكائد ودسائس أعدت له بهدف تجريده من الحضور داخل بيئات طائفية محددة.
على هذا النحو، أضحت بالنسبة إلى القوميين حصيلة الحكومة عبارة عن إفتتاحِ موسم المواجهة “من دون قفّازات” معتمدين إسلوب “اللعب على المكشوف” مع غريمٍ سياسيٍّ كان حتى الأمسِ القريب مصنفًا ضمن خانة التحالف.
من قرأ بيان القومي وخلاصة إجتماع مجلسه الأعلى الذي يعدّ بمثابة “أمّ السلطات”، أدرك أن “القومي” لم يقرّر الإنسحاب من المشاركة في حكومةِ فريقهِ السياسي فقط بل سينسحب قراره مستقبلاً على إخضاع إسلوب تعاطيه مع حلفائه على قائمة “الفحص”.
عطفًا على ذلك، وضع مصير منحه الثقة للحكومة في مهبِّ مطابقة برنامج عملها لمواصفاته ما أدى الى إدراجِ موقفهِ على قائمةِ الشكوكِ والظنون في وقتٍ يسعى فريق الأكثرية إلى عدم التفريطِ ولو بصوتٍ واحدٍ لتأمين العبور الآمن لحكومة دياب.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/3aDRRuw
via IFTTT
0 comments: