
“ليبانون ديبايت” – ملاك عقيل
لا جدل في نيل حكومة حسان دياب الثقة بُعَيْد مثولها أمام “من سيصل من النواب” الى ساحة النجمة في جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة. بيانٌ يريده رئيس الحكومة مقتضبًا ويتناول بشكلٍ أساسيٍّ أبعاد وخطوط الخطة الاقتصادية والمالية للحكومة، واسفنجة يمتصّ فيها جرعة إضافية من غضبِ شارعٍ يبدو كمَن تخدَّرَ بعد أسابيعٍ عاصفةٍ من المواجهاتِ مع القوى الامنية والجيش، فيما جزء منه بات يتصرَّف على أساسِ أنّ هناك “فرصة” بدأت مع تكليفِ دياب واستمرَّت مع تشكيل الحكومة… بانتظار رئيسِ الحكومة وفريقه الوزاري عند أوّلِ كوعٍ!
وعلى شاكلةِ التكليفِ الهزيلِ، والتصويتِ الفضيحةِ للموازنة اللقيطة، لن تأتي الثقة على قدر آمال حسان دياب الذي لم يتلقَ بارتياحٍ تقييد الرئيس نبيه بري، أحد أهمّ عرّابي “الصفقة” الوزارية، حكومته بمهلةِ سماحٍ لا تتعدَّى الاربعة أشهر، في الوقتِ الذي وضعَ دياب لنفسه أجندة عمل يفترض أن تنتهيَ مع انتهاءِ الولايةِ الرئاسيّةِ، ولأن المطلوب حكوميًا يستحيل أن تظهرَ نتائجه الايجابية في أشهرٍ فقط. يجدر التساؤل هنا عن المهلةِ التي قد يمنحها في هذه الحال الرئيس سعد الحريري للحكومة العشرينيّة الاصلاحية؟!
لكن في ظلِّ إنغماسِ اللجنة الوزارية في إعدادِ بيان مواجهة “النكبة” وتحت سقفِ مواقفٍ مُتَجَدِّدَة لرئيسِ الجمهورية ميشال عون تتحدَّث عن إجراءاتٍ موجعةٍ وقاسيةٍ يجدر على اللبنانيين تفهّمها، لا يزال الشارع حتى اللحظة يشكِّل ورقة ضغط على السلطةِ في ظلِّ مقاربتَيْن مختلفتَيْن:
الاولى، تعكسها أطراف السلطة، تقول، بأنّ شارعَ 17 تشرين، قد “تفتَّتَ” ومجموعات الضغط المتحرِّكة التي لا تزال تنشط في بعضِ المواقع داخل بيروت وخارجها باتت تأثيراتها محدودة على مسار الحكومة. وثمّة وجهة نظر ضمن هذا الفريق تقول، بأنّ القيّمين على الاعتصام في وسط بيروت قد “اخترعوا” واقعة لا أساس لها من الصحة عن نيّةِ القوى الامنية فضّ الاعتصام وفتح الطرقاتِ وإزالةِ الخيمِ بغية “التحشيدِ والتجييشِ” لا أكثر من ذلك.
أما الإجراءات التي اتخذت في الايام الماضية عبر سحبِ الحواجزِ الحديديّةِ والتخفيفِ من عددِ عناصر القوى الامنية في محيطِ ساحةِ الشهداءِ والذي فسَّره المتظاهرون بكونه محاولة لسحب الحماية الامنية بغية تسهيل الانقضاضِ عليهم، فتؤكد مصادر أمنية، أنّه أتى على خلفيّةِ استخدام المُندَسّين والمُشاغبين لهذه الحواجز الحديدية كسلاحٍ للتعدّي على القوى الامنية، أما سحب العناصر الامنية، فمردّه الى هزالة الحضور الشعبي في ساحة الشهداء وضرورة الاستفادة من هذه العناصر في أماكن أخرى، فيما التواجد الامني الضروري لا يزال قائمًا في المواقع الحسّاسة.
وواقع الحال، أنّ ارتفاعَ جدران الـ T Wall الاسمنتية على كافة مداخل مجلس النواب والسرايا، أدى بطبيعةِ الحال الى الاستغناءِ عن خدماتِ من كان يؤمِّن وظيفة حماية هذه المداخل، مع العلم، أنّ الجدران الاسمنتية طُلِيَت بمادة الشحم بغية الحؤول دون تسلقها.
وتقول مصادرٌ أمنية في هذا السّياق، “فكّ الاعتصام بالقوة ليس واردًا على أجندة أحد. الامر يتمّ بالسياسةِ وليس بالأمنِ، في ظلِّ قرار تجدّد مع تعيين وزير الداخلية محمد فهمي يقضي بحماية أمن المتظاهرين السلميين والاملاك العامة والخاصة”، مشيرة، الى أنّ “الاجراءات الامنية نفسها ستُتَّخَذ في جلسةِ الثقة، أما الخط الاحمر، فهو منعُ النواب من الوصول لاداء واجبهم الدستوري”.
كما يؤكد مطلعون، أنّ دورَ الجيش في نطاق مجلس النواب ووسط بيروت سيبرز أكثر في هذه المرحلة، وهو الأمر الذي تُرجِمَ من خلال استقدام فوج المغاوير خلال جلسة إقرار الموازنة على سبيل المثال.
يُذكر، أنّ قرارَ رئيس الحكومة بالانتقال الى السرايا الحكومية للاقامة هناك يعود لأسبابٍ أمنيّةٍ بشكلٍ أساسيٍّ حيث تخوَّفَ فريق دياب من تعرّضهِ لمضايقاتٍ مستمرَّة أمام منزله في تلة الخياط، إضافة الى الواقع الامني الذي باتَ يحيط بالسرايا في منطقة رياض الصلح.
أما المقاربة الثانية، فتتحدَّث عن مرحلةٍ جديدةٍ من الضغطِ الشعبي ستظهر بوادرها أكثر في جلسةِ الثقة، من دون أن تشكِّكَ بنوايا السلطة بعد تشكيل حكومة جديدة بـ”تطويع” الشارع وتخديره وصولًا الى “ترهيبهِ” واستخدام اسلوب القضمِ لفتحِ الطرقات تدريجيًا.
ويشير أنصار هذه المقاربة أيضًا، الى دور الجيش الذي باتَ أكثر ظهورًا ونشاطًا في بيروت، مع العلم، أنّ العاصمة تمّ تلزيمها لقوى مكافحة الشغب، وهذا يدلّ على رفعِ مستوى الجهوزية لمحاصرةِ التحركات الشعبية. يأتي ذلك، في ظلِّ تأكيد ناشطين أنّ حسان دياب، ورغم تأييده المُعلَن للتحركات المطلبيّة، يسعى لانطلاقة حكومية متحرِّرَة من “أسلاكِ الشارعِ” ووسط عاصمة غير مقفلٍ ما يمنحه مشروعية أكبر لدى المجتمع الدولي.
في هذا الاطار، بدا لافتًا جدًا الرسالة التي وجَّهَها الرئيس بري قبل أيّامٍ قليلةٍ من الجلسةِ المُرتَقَبَة وفي ظلِّ المعلومات التي تتحدَّث عن تحركاتٍ شعبيّةٍ كبيرةٍ ستُواكِب جلسة الثقة ومحاولة الوصول الى مجلس النواب، طالبًا من مناصري ومحازبي حركة أمل عدم الانجرار الى الشارع “وتركه لمن استخدمه منصّة للتجني والافتراء”.
وهذا النداءُ هو الأوّل من نوعهِ الذي يرسم خطًا فاصلًا بين “شارعَيْن” اصطدما أكثر من مرّةٍ وبعنفٍ منذ اندلاعِ الانتفاضةِ الشعبيّةِ، إذ تحدَّثَ بري عن فتنةٍ يتمّ التحضير لها “وبإنتظار اللحظةِ التي باتت قريبة لكشفِ مدبّريها”.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/31jF2l6
via IFTTT
0 comments: