Tuesday, January 28, 2020

مَن خسر ومَن ربح من القوى السياسيّة بعد انطلاق الحراك؟

قبيل أيام معدودة أطلّ الأمين العام لـ #تيار_المستقبل أحمد الحريري بعد غياب لافت ليعلن بأن زعيم التيار الرئيس سعد الحريري قد ولج مرحلة إعادة النظر بالتجربة السياسية التي سبقت استقالته من رئاسة الحكومة لكي يبني على الشيء مقتضاه، واستطراداً لكي يكشف عن توجهاته في مرحلة ما بعد ولادة الحكومة الحالية.

لم يكن ذلك مفاجئاً لراصدي حركة التيار الازرق إذ، والى حد بعيد، كان ثمّة من ينظر إلى وريث الحريرية السياسية بانها آلت إلى حال من الضعف والوهن بعد خروجها القسري من المنصب الذي ارتبطت به وارتبط بها على مدى نحو من ثلاثة عقود وشكّل الرافعة السياسية لها.

إضافة الى ذلك، فإن متتبعي الخط البياني لمسيرة هذا التيار باتوا يقيمون على يقين أنه قد فقد تدرجاً ومنذ زمن مظلته الإقليمية التي شكلت على الدوام بيئته الحاضنة وعلّة وجوده وسنده الأقوى، وتالياً سجلت حال انفصام تام بينهما منذ نحو عامين تجلى في فقدان التواصل بينهما على كل المستويات وفي محطات عدة.

ولاحقاً، وفي السياق نفسه، برز الى واجهة المشهد السياسي تحليل يزعم بأن خروج الحريري من رئاسة الحكومة ولا سيما بعد اندلاع الحراك الشعبي في الشارع وتالياً بروز اسم تولى هذا المنصب من خارج كل الحسابات والاحتمالات، هو أولاً وأخيراً بمثابة “انقلاب” حيكت خيوطه في ليل، وقد كان المستهدف الآخر من هذا الانقلاب هو دور المظلة الغربية للحريري أي باريس التي سبق وبادرت الى الإعراب عن دعمها له من خلال الاعداد المتقن لمؤتمر “سيدر” الواعد بمساعدات مالية لا يستهان بها من شأنها أن تقي لبنان التعثر وبلوغ قاع الأزمة.

وفي الداخل، كان على التيار أن يهيّئ نفسه ليفقد فجأة مرتكزات حضوره السياسي. وكان الاستهلال في انفكاك علاقته الوثقى والتاريخية مع الحزب التقدمي الاشتراكي وزعيمه وليد جنبلاط، ومن ثم في ارتداد حزب “القوات اللبنانية” عليه في لحظة قرر فيها الرئيس سعد الحريري العودة القطعية والحازمة إلى الرئاسة الثالثة، وبادر إلى حجب أصوات كتلته النيابية (15 نائباً) عن التصويت لمصلحته، فكان ذلك بمثابة رسالة حاشدة بالمعاني والدلائل لزعيم التيار ما لبث أن فهم مضامينها وأبعادها فقرر العزوف نهائياً عن السباق المضمون النتائج سلفاً لمنصب الرئاسة الثالثة حيث لا منافس ولا مزاحم له، لا سيما وقد ضمن دعم الثنائي الشيعي.

وعلى المستوى الشعبي كان على قيادة التيار الأزرق أن تبذل خلال الأشهر القليلة الماضية جهوداً استثنائية لكي تبقي على خيوط علاقة مع شارعها التقليدي، ولكي تثبت لمن يعنيهم الأمر أنه ما زال يمون على قاعدته، ولكي يدحض ما يشاع من ان هذه القاعدة لم تنسب كالماء من بين يديه خصوصاً بعد التماهي الكبير لشارع “تيار المستقبل” مع الحراك الشعبي وانزياحه إليه لا سيما في طرابلس وصيدا والبقاع الاوسط، وصيرورة جزء كبير من هذا الشارع لاحقاً مادة الحراك الأبرز والأكثر عنفاً وشراسة في وسط بيروت، وذلك ساعة يستشعر المديرون غير المرئيون للحراك أنه في طريقه للتآكل والتراجع. وعليه، نشأت علاقة جدلية غريبة في هذه المسألة إذ ظهر أن جمهور شارع التيار بقي قلبه مع التيار ولكن فاعليته وسيوفه عند غيره إذ انوجدت في لحظة ما قوى وبيئات نجحت في إغراء هذا الجمهور وجذبه ومن ثم التلاعب بأهوائه وحركته.

وحيال هذا الأمر، لم يكن أمام زعامة هذا التيار إلا أن تعلن أنها انتقلت الى خندق المعارضة للحكومة الجديدة، ثم ما لبث زعيم التيار أن اتخذ موقف الدفاع في مواجهة الحملة الشرسة التي استهدفت تجربة الحريرية السياسية في الحكم، واختارت أن تحمّل نهجها الاقتصادي تبعة مآلات التردي والانهيار المالي المريع الحاصل أخيراً، قائلاً لمن يعنيهم الأمر: الآن خذوا فرصتكم في سدة الحكم وليكن لكم تجربتكم النقدية والمالية الخاصة وأعيدوا التوازن المفقود.

وبحسب معطيات عدة متوافرة عند خصوم الحريرية، لم يكن في مقدور الرئيس الحريري القطع النهائي مع النخبة المتبقية في الحكم، فتحقق أول انتصار مرئي له في إبعاد مرشح جدي كان يستعد لتولي وزارة الداخلية ولم يكن يوماً على وفاق مع الحريرية، وأوتي بوزير آخر مكانه في الربع الساعة الأخير على ولادة الحكومة الحالية ما لبث أن أطلق في أول إطلالة اعلامية له تعهداً صريحاً بأنه سيحافظ على مراكز القوة المحسوبة على الحريرية في وزارة الداخلية، معطياً إياها شهادة حسن سير وسلوك. وقيل، والعهدة على الراوي، إن الرئيس نبيه بري هو من دوّر الزوايا ودبّر الأمور على النحو الذي شاءه الحريري. وسرعان ما ردّ التيار الأزرق على تحية بري بمثلها، وذلك من خلال تأمين نصاب الحضور في جلسة مجلس النواب لإقرار الموازنة العامة من دون أي تأخير وتضييع وقت.

وأكثر من ذلك، فإن إصرار الرئيس حسان دياب على التمسك بموازنة الحكومة السالفة هي بمثابة برهان حسي أولي تقدمه الحكومة الجديدة للحريري بأنها على استعداد للمضي قدماً في الأداء الاقتصادي والمالي للحريرية السياسية، وأن أحداً من القوى المشاركة في الحكومة الوليدة لا يملك ترف اللجوء الى خيارات وتجارب أخرى بديلة. هذا ما شكل ضماناً للحريري بأن شركاءه السابقين في التجربة الحكومية السابقة ليسوا في وارد العمل على تفكيك المنظومة السياسية للحريرية السياسية أو في إطار قهرها توطئة لإخراجها من المعادلة السياسية الحالية. ولقد فُسّر موقف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد سابقاً، والذي توجه فيه الى الحريرية السياسية وسواها برسالة فحواها أننا لن نترككم وشأنكم، بأنه في الظاهر دفاع وقائي عن الحكومة الجديدة وفي الضمن نوع من ربط نزاع مع التيار الأزرق وسواه للمستقبل.

وثمة من رأى بأن الرئيس الحريري قد استوعب هذه الأجواء التهدوية، لذا، فإنه سرعان ما سرّب بأن معارضته للحكومة لن تكون بالضرورة شرسة وعنيفة بل ستكون انتقائية تبعاً للحاجة وتبعاً لتطور الأمور.

وفي كل الأحوال، فإن الأنظار شاخصة إلى نوعية الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الحريري قريباً في ذكرى اغتيال والده لمعرفة اتجاه أدائه السياسي في المرحلة المقبلة.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2tXSgYo
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل