Friday, December 20, 2019

كورنيش المزرعة و”مذلّة” تنصيب حسان دياب: الشغب المذهبي

جمهور يعيش في جزر بيروتية من الفقر، بخطاب مذهبي وطائفي (عزيز طاهر)
نادر فوز- المدن

أهالي منطقة الطريق الجديدة يقطعون طرقات بيروت. شعر هؤلاء بمذّلة تنصيب حسّان دياب رئيساً للحكومة، فانتفضوا. هتفوا لسعد الحريري، ورفيق (أبي بهاء)، للمنطقة وللدم السني الذي يغلي. عرّفوا عن نفسهم بأنهم من جمهور الرئيس سعد الحريري، وينتفضون رفضاً للانقضاض على الطائفة السنية وقرارها. تم استبعاد الحريري عن الرئاسة، وفرّطت قوى 8 آذار، بإدارة حزب الله، بالتفاهم معه. الحريري وحيد ومعزول في السياسة، تركه الحلفاء من دون تسميته رئيساً. وهذا الجمهور وحيد في الشارع أيضاً، يسأل عن شعار “كلن يعني كلن”. وهو سؤال في غير محلّه، عكس الزمان والجغرافيا، إذ لا يمكن لمن يرفع شعار “مظلومية” مذهب أو طائفة أو زعيم أن يتلطّى وراء انتفاضة خلع من فيها عنهم كل العباءات والانتماءات المنمّطة.

عنف وتكسير
كورنيش المزرعة، محور جديد قديم للحرب والفتنة. أحد معالم 7 أيار والاشتباك الدائم بين سنة وشيعة، بين حزب الله وحركة أمل من جهة وتيار المستقبل من جهة أخرى. اللافت هذه المرة أنّ شبان المستقبل لم يقتتلوا مع أبناء الشارع المعاكس في بربور، بل جاءت المعركة مع القوى الأمنية والجيش اللبناني. فالمحور الآخر نفذ ما أراده ميدانياً في بيروت وغيرها من المناطق قبل أيام أو أسابيع. محور ثنائي الحزب- الحركة انتصر على الأرض في غزوات، وكرّس انتصاره فيها في تكليف حسان دياب. لا يمكن فهم ما فعله جمهور الثنائي “غير المنضبط” إلا على هذا النحو. نفذ مشروع الفتنة وكسب المعركة ثم عاد وانسحب ليسلّم جمهور المستقبل مهمة العنف والتكسير.

بين المزرعة والخندق
هو الجمهور نفسه في الميلين. جمهور يعيش في جزر بيروتية من الفقر، بخطاب مذهبي وطائفي. هو الوقود الفعلي للزعامات. لكن واحد منهم منتصر بالكامل، وآخر منهزم بالكامل. شبيهان يقفان على طرفي نقيض. والشبه يكمن أيضاً في كيفية تعاطي القوى الأمنية مع هذا العنف. في كورنيش المزرعة أمس، تماماً كما الحال في الخندق الغميق قبله، ساحة حرب. استخفاف بالقوى الأمنية العاجزة عن ضبط المخرّبين، ومآذن وصرخات رجال دين تحاول منع الفتنة والتفلّت. أسهم نارية وإطارات مشتعلة ورشق بالحجارة من دون توقيفات تذكر. في حين كانت سعدنايل وجلّ الديب وبرجا وساحات بيروت تعجّ بالمعتقلين عند حدوث أي خلل أمني. بين المزرعة والخندق، جمهوران للسلطة نفسها، يتصارعان، لكن يهدمان في الوقت عينه ما بناه الشعب اللبناني في ثورة 17 تشرين.

تخريب الثورة
ليس ما يبرّر ما يقوم به هذا الجمهور إلا تخريب انتفاضة اللبنانيين طوال 65 يوماً. تحت قناع الطائفة ورفض المذلة المذهبية، وحماية لرموزها. يفتعلون معارك في الشارع واقتتالاً أهلياً. هؤلاء قلّة داخل منظومات القواعد الطائفية، إلا أنهم الأكثر فاعلية. وبعد ترهيب الثوار على يد جمهور حزب الله وحركة أمل، جاء وقت القضاء على الثورة على يد جمهور المستقبل. أكان ذلك في بيروت أو في طرابلس أو البقاع. فرفض اسم حسّان دياب، كما هو واضح، ليس من باب نقد التحالف السياسي الذي أتى به إلى الرئاسة ولا من باب محاولة التذاكي السلطوية والالتفاف على مطالب الثورة أو الحلول المعدومة التي يحملها. بل من باب المس برمز الطائفة فقط. جمهور المستقبل، انضمّ إلى الثورة لأيام، بعد استقالة الحريري فقط وتحت شعار إسقاط الجميع، أي كلن يعني كلن. وما لبث أن تراجع عن هذه الخطوة فور انطلاق التواصل مع زعيمهم لإعادة تنصيبه في رئاسة الحكومة. وظلّ المركب المستقبلي على هذه الحال من التمايل إلى أن تم تكليف دياب. ولا تصبّ الحركة في الميدان اليوم إلا في صالح تشويه صورة الثورة وتخريبها.

يمكن لهواة الشغب والتكسير أن يفرحوا بمشهد كورنيش المزرعة أمس، كما سبق لهم أن فرحوا بالمشاهد المتكررة الخارجة من منطقة الخندق الغميق. لكن المشكلة أنّ أكثرية من فرحوا بمشهد الخندق يشتمون ما حصل عند المزرعة، والعكس. أما ناس ثورة 17 تشرين فيراجعون المشهدين ويدقّقون في أوجه الشبه بينهما. يسجلّون الوقائع وكيف تسعى السلطة بفريقيها، الحاكم والمعارض، إلى الانقضاض على ثورتهم: “كلن يعني كلن”، وكلّهم متآمرون على الثورة.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2PI19gS
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل