
“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
من طبائع الثورة أن تطلب كل شيئ. ثورة مفجوعة من الظلم وفجعانة على المكتسبات. تريد ” جهازاً ” كاملاً قبل موعد الزفاف. أولياءُ أمرِها من النجوم الإعلاميين الجدد يطالبون لها ب ” دوتا ” و ” صيغة ” ألماس لائقة. ثورة باتت لا تخرج من بيتها إلا مصيَّغة. تأخذ سنتمتراً وتطلبُ مِتراً. شهيّتها عظيمة مثل ” أوبليكس “.
في الآونة الأخيرة بدأت الثورة تتثقّف وتوزّع شهادات معترف بها دولياً. آخر صيحاتها خِيَم أكاديمية تجمع طلاب العلم في حرم جامعة ” رياض الصلح ” للعلوم السياسية. في الآونة الأخيرة أيضاً بدأت تفصل البحصَ عن عَدَسِها. من ضحايا تنقِيَة العَدَس شربل نحاس.
لبنان ليس استثناءً. عاشت الثورة في كنفه طفلة محرومة من حنان والديها سنوات مثل سندريلا. هي تكنّس بيت والدتها ووالدتها تكنّسها من البيت. قرّرت سندريلا الخروج عن الطاعة والسهر في ساحة الشهداء.
من الطبيعي أن تبحث الثورة عن أمير أحلامها في ظل هذا الظلم الفادح. أمراء عدّة تَقدّمَوا حتى الآن. لا يبدو حتى الآن أنهم على قدر المقام لطلب يد الثورة. هي تلعب دور العذراء وهم ” مقطَّعون موصَّلون “.
الثورة في لبنان مغنَّجة فوق اللزوم. لم تعد تكتفي بفارس أحلام واحد. تُمارس تعدد الزيجات. زواج شرعي مع الشعب وزواج متعة مع السفارات. هذا ليس تهمة. هذا هروب من شياطين محلّية إلى شياطين دولية.
أما خبر سقوط الحكومة فصار بمثابة وجبة خفيفة بالنسبة للثورة. ” سناك دايت ” لا يقطعُ جوعاً. بالطبع ستكون الثورة من الآن وصاعداً عصا خيزران السلطة. الآن وقد عرفت نقطة ضعفها. ستضربها كلّما ” قَطَمَت ” على أصابعها. ضربات مُستَوحاة من معلّمي أيام زمان الذين لم يشبعوا أبداً من ضرب أيادينا الطرية بعصيِّهم الغليظة.
غداً سيبدأ شوطٌ جديد. قانون العفو العام. قانون معجّل جِدّاً ومكرّر دائماً. بموجبه سيُصبِح بمقدورنا إلقاء التحية على أحمد الأسير وهو يستقل بصحبة زوجته وأولاده إحدى مقطورات تلفريك جونيه. سيُصبِح بطلاً قومياً وربما تباع دراجته الهوائية كقطعة نادرة بالمبلغ المرقوم.
سيتسنّى لنا أيضاً مشاهدة أبو طاقية ونجله يتنزّهان بسلام في جرود عرسال يقطفان الكرز ويكبسان الباذنجان المكدوس على ” ڤيراندا ” بيتهما العرسالي المسالم. في الوقت ذاته سيُطَوّبُ عدد غفير من السياسيين الأجلّاء طوباويين بعد شمول قانون العفو لجرائمهم ضد المال العام.
ثورة تشريعية ستطلق حوالي ستين ألف محكوم من وراء القضبان. سيتجوّلون بيننا بأمان. سينتهي الفساد بجلسة واحدة. أسرع من عملية زرع بصلة شعر في صلعة أقرع. أسرَع من نزع الشَّعر الزائد بالليزر.
أن نرى كل ذلك هو أن نتأكد أنَّ المستشار الإعلامي للحاكم يطلعه كل يوم على قصاصات جرائد تعود ربما الى دولة أخرى. حاكم يطّلِع على كل شيئ إلا على أحوال بلده.
أمامَ حاكم من هذا الطراز يبدو هامش المناورة ضيّقاً جِدّاً. إما الثورة وإما الثورة.
المهم. نعود إلى السؤال الجنبلاطي الذي يكاد يتحوّل الى ماركة مسجَّلة : ” إلى أين ؟ “. إلى ” حاصِر حِصارَك لا مفرُّ “. ثورة تتعلّم كيف تُحاصِر المقرات الرسمية. منها مجلس النواب غداً. طلّاب جامعات يتحوّلون إلى ” رومل الصّحراء ” و ” مونتغمري “. يضعون الخرائط والخِطط لاحتلال السلطة التشريعية.
إلى أين؟ إلى لعبة الروليت الروسية. عند سقوط أول شهيد لا سمح الله ستكون لعبة من نوع آخَر. شبّان وشابّات باتوا يجرّون بأنفسهم سريراً بدواليب فيه ينام طفل الوَطَن. سريرٌ قررت الدولة الأم هجرَه. أمٌّ عَقوقٌ تركت مولودها البكر وسلّمته لأطفال الثورة.
نحن الآن في فمِ الوادي. إذا أفلتَ السرير من أيادي طلاب الثورة سيكرجُ بسرعةٍ جنونية إلى الهاوية. مشهد هوليودي أن نرى الدولة- الطفلة تكرجُ نزولاً واللبنانيون الشرفاء البسطاء يركضون دون جَدوى وراءها للإمساك مجدداً بعارضةِ السّرير. إلى أين؟ إلى هناك!
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2CxnSor
via IFTTT
0 comments: