Tuesday, November 12, 2019

رئيس الجمهورية يمهّد للمواجهة

ليبانون ديبايت” – رياض طوق

البعض تمنى لو كانت اطلالة الرئيس التلفزيونية مسجّلة تشبه سابقاتها من حيث التوليف وتقطيع المشاهد كي لا تحمل عبارات في غير مكانها ولا تزيد من غضب الشارع. أما البعض الآخر فرأى فيها ايجابيات كثيرة أبرزها اظهار النية الحقيقية لرأس السلطة وموقفه الحقيقي في بثٍّ مباشر غير خاضع للمونتاج.

أبرز تداعيات الاطلالة التلفزيونية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون هي اشعال الشوارع والساحات في مختلف المناطق، فنزل المتظاهرون بأعداد كبيرة وقطعوا الطرقات بعد أن اجتاحتهم موجة غضب لم تعرفها الثورة خلال الأيام السبعة والعشرين ليأتي استشهاد علاء أبو فخر على مثلّث خلدة فيؤجّج النقمة. فالشعب المنتفض في الشوارع والمسمّر امام الشاشات في البيوت كان ينتظر خارطة طريق من رئيس البلاد تشكّل أساساً للخروج من هذا الانسداد السياسي والاختناق المالي والاقتصادي.
ذهب الرئيس بعيداً في لعب دور الضحية وغسل يديه من مسؤولية تدهور البلاد، فتحدّث عن عجزه في الاصلاح والتغيير متهماً الآخرين من حلفاء وخصوم بعرقلته دون أن يشير الى مكامن الخلل لا في النظام السياسي ولا في النظام الطائفي ودون أن يعد بشيء. وقد أظهر عتبه على المتظاهرين لأنهم لم يستجيبوا لندائه بتشكيل قيادة لهم للتحاور والتفاوض معه، علماً أن القاسي والداني بات يعرف أن المتظاهرين على مختلف اتجاهاتهم ومشاربهم الفكرية يرفضون هذا الأمر ويعتبرونه فخّاً تنصبه السلطة لضرب انتفاضتهم. فمطالب الشارع اللبناني باتت معروفة بعد استقالة الحكومة وليست بحاجة الى تردادها على طاولة مفاوضات، وتتلخص بدايةً ببدء الاستشارات النيابية الملزمة وصولاً الى تكليف شخصية سياسية من خارج الطبقة السياسية تقوم بتأليف حكومة من المستقلين بعيداً عن الارتباطات الحزبية والمحاصصات السياسية التي عانى منها اللبنانيون طويلاً والتي هي في أساس الأزمة الاقتصادية والسياسية التي أدت الى الانفجار الكبير في 17 تشرين.

المفاجأة كانت في رفض الرئيس وحلفائه على الملأ لفكرة حكومة مستقلين متسائلاً من أين سيأتي بهم، “هل من القمر؟” وهنا بدا الرئيس وكأنه لا يريد احتواء الأزمة أو امتصاص غضب الشارع حين لم يستبعد أن تضم التشكيلة الجديدة وجوهاً من الحكومة المستقيلة على قاعدة “داوني بالتي كانت هي الداء”، أي معالجة الوضع الشعبي والاقتصادي والسياسي الجديد بذهنية قديمة وبأدوات قديمة ومستهلكة ومرفوضة من الشارع اللبناني، وكأن السلطة اللبنانية لم تتّعظ من أخطاء الماضي القريب والبعيد.

ومن يرصد بعمق مضمون المواقف التي شجبت مواقف الرئيس وأشعلت الشارع يعرف تماماً أن التصعيد في موضوع تشكيل الحكومة هو ما أجّج الاحتجاجات وأعادها الى المربّع الأول. فما انتظره اللبنانيون من أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير جاء على لسان رئيس الجمهورية، وهو التلويح بتشكيل حكومة تتعارض والمطالب الشعبية، أي حكومة مواجهة. وهنا يبدو أن السيد نصرالله الذي وضع نفسه في مواجهة الثورة منذ اندلاعها والذي كان هادئاً نسبياً في اطلالته الأخيرة التي سبقت اطلالة الرئيس قد تنازل عن هذا الدور أقله في الشكل، لصالح رئيس الجمهورية الذي فسّر حديثه على أنه توطئة للمضي قدماً في مواجهة الثورة وعدم الانصياع الى مطالبها.

وفي حديث الرئيس عن الفساد، فهو لم يعد بأي اجراء أو بأي خطوة عملية، وانما دافع عن جزء من الطبقة السياسية ربما التي تواليه متظلّماً من شعار “كلّن يعني كلّن”. وهنا بدا انفعاله جلياً حين قال بالحرف “اذا ما في عندن أوادم بهالدولة يروحوا يهاجروا”. هذه العبارة سواء تم تأويلها أم لا، أو تفسيرها على غير حقيقتها أم لا، الّا أنها أطلقت الشرارة التي أشعلت نقمة المتظاهرين الذين اعتبروا أنه من غير الجائر أن يصدر مثل هذا الكلام عن رئيس الجمهورية في بلاد تشكو أمهاتها وآباؤها من هجرة اولادهم وعائلاتهم الى البعيد.

عاد الشارع الى المربّع الاول، الى شلّ الدورة الحياتية التي يعتبرها المتظاهرون السلاح الوحيد والأجدى في مواجهة السلطة التي ما زالت تناور وتنكر وتكابر وتنصب الكمائن لمحاصرة الثورة واجهاضها. وربما الدعوة الى عقد جلسة تشريعية مفخّخة بقانون عفو عام ملتبس وخبيث القصد منها وضع اللبنانيين في شوارع متقابلة هي احدى الخطط التي أفشلتها الاحتجاجات الشعبية ولكن مخاطرها لا تزال قائمة. وقد يكون حديث الرئيس عن امكانية صدام لبناني- لبناني اذا لم يخرج المحتجون من الشارع بمثابة تهديد مبطّن يصبّ في الحديث عن شارع مقابل شارع.

المقابلة التلفزيونية تسببت في اشعال الشارع من جديد، وأعادت كل محاولات التهدئة لايجاد حلول الى نقطة الصّفر. وفي هذا الصدد يتساءل العديد من المراقبين ما المقصود من جدواها ان لم تحمل جديداً وان لم تبدّد هواجس وان لم تلبِّ تطلعات وان لم تستجب لأوجاع شعب. اذ لا يكفي أن يقال للناس نحن نحبكم ونشعر معكم وانتم محقون في عدم ثقتكم بمن يتولون شؤونكم. ومن يطلب منهم الخروج من الطرقات والشوارع يريد أن تعود المعالجات السياسية والاقتصادية التي ألفناها الى سابق عهدها.

ولكن أصحاب هذه الدعوات قد فاتهم أن اللبنانيون قد تعبوا من الكمائن التي تنصبها القيادات السياسية لبعضها البعض ومن الرسائل المشفّرة التي يطلقها المسؤولون وهم يخاطبون شعبهم والتي تبدو دون أي أفق. من هنا سيكون أمام اللبنانيين أيام شاقّة ومحفوفة بالمخاطر الأمنية والاقتصادية طالما بقيت الذهنية السياسية في لبنان على هذه الحال من العناد والمكابرة والرتابة والشّبق الى السلطة.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/34VA4LH
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل