
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
تتجهَّز فرنسا لإرسالِ “فرقاطةٍ سياسيّةٍ” ومن المتوّقعِ، أن ترسو في بيروت بقيادةِ أحدِ كبارِ دبلوماسييها وعلى جدولِ أعمالها هناك هدفٌ وحيدٌ يتمثَّل في “إنقاذِ سعد الحريري”.
الرئيس الحريري، إختارَ للمرّة الثانية تقديم استقالته، وفرنسا تجد نفسها مضطرّة بل معنيّة للمرة الثانية أيضًا في مدِّ يد العون لحليفها الذي يتخبَّط سياسيًّا في بيروت، وهو بالكاد نجا من محنتهِ الأولى “بالتدفيشِ”.
لا شك أن فرنسا تجد صعوبات في مهمّتها هذه المرّة على إعتبار أن “أزمة الحريري” هي إنعكاس صريح عن أزمة لبنان، وأنها تتداخل هذه المرة بشكل أقوى بين الداخلي والدولي وسط وجود رغبات أميركية جامحة تفرض على الحريري تمرير سياسات مُعيّنة تجاه حزب الله تخشى فرنسا أن تُطيح بالاستقرار اللبناني.
بالنسبة إلى فرنسا، الاستقالة الجديدة التي تقدَّم بها الرئيس الحريري تقريبًا ليست منفصلةً من ناحية الأسباب والخلفيات والدوافع عن “الأولى” التي اعلنها من السعودية في الرابع من تشرين الثاني ٢٠١٧ والتي كان من دوافعها تغيير ميزان القوة السياسيّة لصالحِ حزب الله وحلفائه وإخراج سعد الحريري من التسوية الرئاسيّة، لكن المفارقة يومها كانت، أنّ الحريري تقدَّم باستقالتهِ في ظروفِ اعتقالٍ سياسيٍّ صريحٍ، أما اليوم، فقد أعلن استقالته “مطوقاً مأسورًا” من شارعٍ غاضبٍ ودول أعلنت الحرب على شركاء الحريري.
وبالتالي، فإنّ الأسبابَ هي نفسها تعود وتتكرَّر اليوم: خللٌ في ميزان القوة ومحاولة صريحة لإخراجه من التسوية. وكما كان الحريري يومها مغلوبٌ على أمرهِ، هو كذلك اليوم لكن مع هامشِ حريةٍ أكبر.
في تلك المرحلة، تأهَّب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لانقاذِ الحريري من بين فكيّ كمّاشةِ السعودية، إذ قادَ “انتفاضة دولية” نجحَ من خلالها في تأمين مخرجٍ يضمنه الأميركيّون ويقومون بموجبه بـ “إجبار السعودية” على إخلاء سبيل الحريري في إطار صفقة سياسية كانت ترمي إلى تعديل في الميزان السياسي اللبناني. و بموجبِ ذلك، يعود “الشيخ سعد” رئيسًا من البوابة الفرنسيّة – المصريّة مع هامشِ حركة أكبر داخل السلطة يمنحه إيّاها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحليفه حزب الله.
مرَّت تلك الحكومة بخيرٍ لتعود المشكلة من جديدٍ في الحكومة الحالية التي جرى تركيبها وفق نتائجِ قانونٍ انتخابيٍّ أعادَ التركيبة الماضية هي نفسها مع تعديلٍ هامشيٍّ في المواقعِ بين حلفاء ٨ آذار ما منحهم الأكثرية و الثلث الضامن أيضًا. وطوال أشهرٍ، لم يستطِع الرئيس الحريري خلق معيارٍ يجمع بين متطلّبات حزب الله وحلفائه والغرب والخليج وحلفائهما، وعند حلولِ ضغطِ الشارع اختارَ الرحيل.
وبدل أن يدعو رئيس الجمهورية لاستشاراتٍ نيابيّةٍ مُلزِمة تعيد تكليف الحريري مرّة اخرى وفق شروطٍ جديدةٍ يقدّمها، عمد عون، إلى فتحِ ورشةِ مشاوراتٍ جانبيّة محتجبًا عن الدعوة واضعًا شرط تأمين اتفاقٍ مسبقٍ على الحكومة قبل الدعوة، سانده في ذلك الثنائي الشيعي و”التقدمي الاشتراكي”.
وقد اعتُبِرَت خطوة عون، على أنّها تأتي ردًا فُسِّرَ على خطابِ الحريري زمن التكليف بُعَيْد الانتخابات، يومَ استغرقَ تشكيل الحكومة ٩ أشهر، وكان حين يُسأل عن الأسباب ويهدّد بسحبِ التكليف نظرًا لتلكؤه، كان يجيب بأنّ التكليفَ من صلاحيّاته ولا مهل زمنيّة له ولا أحد يستطيع أن يملي عليه مهلة محدّدة أو يسحب منه التكليف!
صحيحٌ، أنّ الرئيس الحريري يلمِّح من خلال تسريباتِ أوساطه، بأنّه “لا يريد العودة إلى السرايا”، لكن المطلعون على موقفه يؤكدون، أنّه “عايز وليس مستغنيًا”، وأنّ ما يقدم على فعله سياسيًّا يندرج تحت خانةِ المناوراتِ التي يريد عبرها تعزيز موقفه، والمعنى، أنّه “رايد السراي” لا محال لكنه ينتظر ظروف لفرض شروطه.
لكن المشكلة التي وقعت أخيرًا وابلغ الحريري بها، بأنّ شروطه التي يريد العودة من خلالها، أي منحه هامش حريةٍ أوسع في التسوية والتحرّر من الالتزامات السياسيّة من ثم فرض حكومة تكنوقراط لا مشاركة للسياسيين النافرين فيها على رأسهم الوزير جبران باسيل ومن دون حزب الله، لا تمرّ أبدًا، ما جعل الموافقة على طلباته محالة. كذلك وضع نفسه في موقع لا يحسد عليه، فهو يريد العودة للحكومة ولا يستطيع في ظلّ الشروط نفسها خاشيًا من الأميركي وغيره، ثم انه لا يستطيع الرفض بفعل الفيتو الفرنسي المرفوع والذي يعتبر أن لا رئيس حكومة في لبنان في هذه المرحلة سوى الحريري و”سيدر” مرتبطة به، وليس في وسعه الخروج من ضغطِ بري – حزب الله اللذان يريدانه رئيسًا للحكومة “غصب عنه” لأسبابٍ ترتبط بلعبة “لي الذراع” القائمة بين واشنطن والحزب وحلفائه، وحاجة الفريق الأخير إلى الحريري سياسياً.
على هذا الأساس، كان لا بدّ من عمليةِ إنقاذٍ فرنسيّةٍ يقودها الموفد، مدير دائرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية، السفير كريستوف فارنو، المكلَّف إعادة ترتيبِ أولويّات الحريري السياسيّة في الداخل.
وفي المعلومات، أنّ الموفد الفرنسي الجديد سيقود حملة “تحرير الحريري” عبر محاولةِ إرساءِ تفاهماتٍ سياسيّةٍ في الداخل تعيد “الشيخ سعد” إلى السرايا ضمن “صفقةٍ” سياسيّةٍ تتولّى فرنسا إدارتها كما حصل بُعَيْد عودته من الرياض.
ويبدو، أنّ خطوةً من هذه النوع، لن تمرّ إلّا عبر تأمين ضمانات الأميركي والخليجي الذي يدفع الحريري نحو التشدّد والتهوّر والاستقالة ورفض العودة ضمن الشروط ذاتها بل وإنشاء قاعدة هجوم “سياسي – إقتصادي” متقدّمة ضد حزب الله تأتي متلازمة مع “حرب العقوبات”، لذلك نحن اليوم أمام “سيناريو فرنسي جديد” من أجل فرض أو تركيب حل. وفي تقدير المتابعين سيمنح الحريري بطاقة عودةٍ مكفولة بتوفير حماية سياسيّة من حلفاء الحريري.
وقبل أن تبادرَ فرنسا الى “انقاذِ الحريري”، كانت عملية الاجلاء قد بدأت بالفعل في بيروت على خطِّ الصروح المعنيّة، من بعبدا الى الضاحية فعين التينة مرورًا ببيت الوسط، حيث كان اللواء عباس ابراهيم يتولى ادارة دفةِ المفاوضات لفترةٍ تاركًا السّاحة لـ”الخليلين”، ثم يعود محمّلًا باقتراحاتٍ، كانت جميعها تدور حول مخارجٍ ذات علاقةٍ بحكومةٍ متوازنة تأخد التوازنات بعين الاعتبار وتنقحها تكنوقراطيًّا، وهذا الجوّ ينسجم مع المتطلبات الفرنسيّة الساعية الى انتاجِ نسخةٍ حكوميّةٍ جديدةٍ في لبنان تقود على أسس ادارة حلول الازمات الاقتصادية.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2pZ992M
via IFTTT
0 comments: