
“ليبانون ديبايت” – رياض طوق
حاول الجيش اللبناني فتح الطرقات يوم الأربعاء ولم يفلح. ربما لأنه لم يستعمل العنف مع المتظاهرين من جهة، ومن جهة أخرى كان هناك اصرار من قبل المتظاهرين على عدم فتح الطريق بكل الوسائل المتاحة.
فمشهد شباب وشابات يفترشون الأرض بأجسادهم لم يكن من باب الاستعراض، وهو يدلّ على تعنّت ورفض مطلق لأي مهادنة او تراجع.
لا بل ان النقل المباشر لمحاولة فتح الطرقات حرّك الآلاف من بيوتهم للالتحاق بنقاط التظاهر الساخنة. هنا، تراجع الجيش تحت ضغط المتظاهرين لأنه أدرك أن لا امكانية لتفريقهم الّا باستخدام القوّة. وفي هذه الحالة فانّ الأمر قد يؤدي الى نتائج خطيرة.
وهنا يبدو جليّاً أن الجيش قد قرّر استيعاب غضب الناس، ان كان على مستوى القيادة، أو على مستوى الجنود الذين لم يستطيع بعضهم اخفاء تعابير وجوههم الشبيهة بوجوه المتظاهرين الممسوحة بالتعب والغضب.
اذاً، فالطرقات لم تفتح، ويبدو أنها لن تفتح في الشروط الرّاهنة لثورة الشارع وتخبّط السلطة.
بالأمس شاع خبر في أروقة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أوعز الى مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان بفتح الطرقات عبر عناصر مكافحة الشغب الا أن الاخير قد رفض تحت حجة أن هذا الموضوع يتجاوز قدرات قوى الامن الداخلي وبأن هذه القوى ستكون خلف الجيش في هذا الموضوع.
اما قيادة الجيش فقد لمست أن اخلاء الطرقات سيحتاج الى استعمال القوة المفرطة وهذا أمر لن تتحمل القيادة مسؤوليته منفردةً. واراقة دماء لمدنيين عزّل يعبّرون عن سخطهم وغضبهم لما آلت الأحوال السياسية والاقتصادية والمعيشية لا يمكن لأي جهاز أمني أن يأخذها على عاتقه.
وهنا تقول بعض المصادر العسكرية أن قائد الجيش ابلغ المعنيين انه لن يفتح الطرقات الّا بتكليفه من قبل مجلس الوزراء مجتمعاً، كي يتوفّر الغطاء السياسي. وعندها سيضطرّ الجيش الى تنفيذ أوامر السلطة التنفيذية.
وفي هذا السياق بدأت رقعة الجدال تتوسع، فرئيس الحكومة سعد الحريري يعي تماماً خطورة هذا الموقف، فهو سيتحمل تبعات هذا القرار ممّا سيضاعف من غضب الشارع عليه وعلى حكومته.
وهو بات يعرف أن الطرقات لن تفتح الّا عبر تقديم استقالة حكومته المطلب الأساسي للمتظاهرين، أو عبر تكليفه للجيش رسمياً. وهما أمران بالنسبة له أحلاهما مرّ. وهو حتى كتابة هذه الأسطر يرفض رفضاً قاطعاً تكليف الجيش بحسب ما تؤكّد أحد مصادر الحلقة الضيّقة لبيت الوسط.
ومن أجل اقحام الجيش في مواجهة مع المتظاهرين لطردهم من الطرقات، تبقى هناك ورقة وحيدة وهي في جيب حزب الله.
فالحزب بدأ بدسّ مناصريه داخل التظاهرات لإثارة الشغب ومضايقة المعتصمين. وهذا ما بدأ به عصر الخميس في بيروت وتحديداً في ساحة رياض الصلح، صحيحٌ أن الأعداد التي أرسلت ليست كبيرة، كما انها ليست مجموعات أمنية محترفة. بل مجرد فتية شوارع من الذين يتقنون الترهيب والازعاج وقد أعلن بعضهم عبر التغطية الاعلامية المباشرة انهم من مناصري الحزب وأطلقوا هتافات مؤيدة لأمينه العام كما أدّوا قسم الولاء لمرشد الثورة في إيران السيد علي خامنئي علناً وأمام كاميرات التلفزة.
لم ينف الحزب هذه المرة علاقته بهؤلاء كما فعل في المرة الماضية عندما تصادم فيها راكبو الدراجات مع الجيش، وهذا لا يمكن تفسيره الّا انه انذار واضح ورسالة في عدة اتجاهات: للحريري المتخاذل في نظر الحزب، للجيش الرافض استخدام العنف، وللمتظاهرين المسالمين الرافضين للعنف والشغب.
وربما قد يكون ارسال بضع مئات من مناصريه هو جسّ نبض للمعتصمين لامتحان شجاعتهم وامكانيتهم على الصمود السلمي في مواجهة التهديدات، وربما قد يكون استطلاعاً ميدانياً قبل تحديد نوعية المجموعات التي قد ينوي ارسالها.
وإذا صحّت المعلومات التي تقول بأن الحزب قد بدأ يدرس جدياً امكانية فتح صدامات مع المتظاهرين فنكون حينئذٍ امام احراج الجيش لإقحامه في فضّ الاعتصامات كلها بحجّة حماية السلم الأهلي.
وهنا سيتضاعف حجم كرة النار في يد سعد الحريري الذي سيتحمل مجدداً تبعات تصرفات الحزب العنيفة لأنها ستكون نتيجة لتلكؤه ومماطلته في تقديم استقالته.
خلاصة القول ان شراء الوقت بالمماطلة في تقديم استقالة الحكومة لن يجدي نفعا كما يتبين من نبض ساحات الاعتصام من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
وكما يتبين من مطالب الشعب اللبناني المتمرد والغاضب، هذه المماطلة المدروسة قد تجعل الأيام المقبلة محفوفة بالمخاطر الأمنية، والرئيس سعد الحريري الذي دخل الحياة السياسية اللبنانية عبر بوابة ضريبة الدم لا يحق له أن يجازف بسلامة اللبنانيين الذين لبوا نداءاته عندما رفعوا الصوت عاليا في الساحات والشوارع والمدن والقرى وطردوا المحتل أثر استشهاد والده.
لذا بين الاستقالة ولعبة الدم لفتح الطرقات تبقى الاستقالة الفورية هي الحل الضامن لكرامة الحريري ولكرامة اللبنانيين الذين يطالبون بها ولكرامة الجيش اللبناني الذي لا يحق لأحد مهما علا شأنه أن يضعه في مواجهة أهله وناسه.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2MK1HRD
via IFTTT
0 comments: