
“ليبانون ديبايت” – داني الرشيد
قبل ثورات الربيع العربي التي عمَّت العديد من البلدان العربية بسنواتٍ، انتفضَ الشعب اللبناني في الرابع عشر من آذار 2005 من خلال أرقى ثورة شعبية سلمية في العالم العربي أدَّت الى خروج الجيش السوري من الأراضي اللبنانية، واستقالة حكومة الرئيس عمر كرامي.
إنجازات ثورة الأرز، توالت الى انشاءِ لجنةِ تحقيقٍ دولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ظل معارضة حزب الله لهذه الخطوة.
وبالرغم من موجة الإغتيالات التي طاولت رموز الثورة والتهديد الأمني للمجتمع اللبناني، عاد الجنرال ميشال عون من المنفى، وخرج الدكتور سمير جعجع من السجن، وسُجِنَ أربعة ضباطٍ من لثلاثِ سنوات ونصف السنة، قبل أن تخلي السّلطات اللبنانية سبيلهم بعد صدور قرارٍ عن قاضي المحكمة الدولية ومدعيها العام بذلك لعدم كفاية الأدلة. كما حصلت انتخابات نيابيّة.
وبغضّ النظر عن التفريط بتلك الانجازات في زواريب السياسة الداخلية من قبل فريق 14 آذار، لا بدّ من الإشارة، الى أنّ ما تحققَ كان بفضل إصرار المنتفضين وايمانهم بعدالة قضيّتهم، والالتفاف الشعبي حولهم، والدعم الدولي، والاهم أنّ كلّ تلك الانجازات تحققت من دون المسِّ بحرية الفريق المناهِض لثورتهم، فلم تقفل الطرق ولم يُصار الى اذلال المواطنين، بل بقيت دورة الحياة تسير بشكلٍ طبيعيٍّ في أرقى تجسيدٍ للعمل الاحتجاجي السلمي.
بالعودة الى ما يعيشه لبنان حاليًّا، يرزح معظم الناشطين والإعلاميين في هذه الأيّام تحت حالة من الترهيبِ والضغطِ يمارسها أنصار الثورة على كلّ من يفكِّر في انتقادها، حيث أنّ الذبابَ الالكتروني جاهزٌ، وكذلك الإعلامي، وكلّه في خدمة صيانة المُحرَّم (التابو) الجديد.
وانطلاقًا، من أن لا مُحرّمات مطلقًا أمام حرية التعبير وإبداء الرأي طالما أنّ الادلاء به لا يحضّ على العنفِ، لا بدّ من تسجيل اقفال الطرقات كنقطةٍ سوداءٍ في سجلّ هذه “الثورة”، وذلك لحرمان غير الراغبين بالتظاهر من حقهم في التنقل ولفرض آراء البعض (الثوار) على الجميع (غير الثوار) في انتهاكٍ سافرٍ لحقوق الانسان التي تكفلها المواثيق الدولية ويرعاها الدستور اللبناني وينظمها القانون. والثائر لكرامته ولقمة عيشه وحريته يختلف تمامًا عن قاطع الطريق، فالأول يطالب بما هو حقٌ له أما الثاني فهو بكلّ بساطة يستولي على حق غيره.
لا أحد ينكر على المتظاهرين حقهم في معارضة السلطة التي صوتوا معظمهم لها منذ سنة ونصف وبكافة الطرق المشروعة، ولكن أصبح جزءٌ من الشعب اللبناني اليوم رهينة لهذه الثورة، تتخذه درعًا بشريًّا تتفاوض به مع السلطة، تطلق سراحه في حال استجابت لمطالبها وتُبقيه رهن الإقامة الجبرية سجين منزله في حال تعنّتت.
صحيحٌ، أنّ مطالب الثوار تشمل كل اللبنانيين تمامًا كما الإستفادة منها فيما لو حصل التغيير المنشود، ولكن من يعوِّض على كثيرين خسائرهم اليوميّة؟ هم الذين يعملون على القطعة أو بالساعة أو مهن حرّة! من يدفع بدلاتهم الشهرية أو سنداتهم؟ من يعوِّض على “شوفير الفان” الذي منعه الشبان من مواصلة سيره؟ من يعوِّض خسائر القطاع الخاص وكيف تُصرَف رواتب الموظفين في حال استمرار اقفال المصارف.
الأيّام التي يعيشها لبنان، قاتمة سوداء يترنح بها الوطن بين سندان الهموم الاقتصادية والاجتماعية ومطرقة الفلتان الأمني، فمن يتنازل إنما يتنازل لأهله وشعبه، ومن يتكبَّر إنما يتكبَّر على مصلحة وطنه، وكلّ يوم يتأخر الحلّ السياسي تزداد التشققات التي قد يتسلَّل من خلالها الطابور الخامس… حمى الله لبنان ممّا يحاك له.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2Nj9QvK
via IFTTT
0 comments: