
عبود زهر – جريدة الجمهورية –
يغيّر النّفط مرّة أخرى السياسات العالمية. وتعيد ثورة النّفط الصخري الأميركية بسبب تأثيرها في هبوط أسعار النفط عالمياً، تشكيل توازن القوى.
تشير الدراسات الى أنّ متوسط الإنتاج اليومي للنفط الخام في الولايات المتحدة سيبلغ 12.1 مليون برميل سنة 2019، أي بنسبة 28٪ أعلى ممّا كان عليه عام 2017 وسيوازي بذلك انتاج المملكة العربية السعودية، أي أكبر دولة منتجة للبترول في العالم. وقد أضرّ الإنتاج المرتفع في المبدأ أسواق الطاقة العالمية.
تُعتبر روسيا من بين الدول التي تأثّرت سلباً بهبوط الاسعار، إذ يشّكل النفط مصدراً رئيساً للإيرادات بالنسبة إلى الروس.
لكن ازدهار انتاج النفط الصخري لم يؤثّر في مدخول روسيا من النفط فحسب بل يعارض استراتيجياتها في السياسة الخارجية. وقد طمحت روسيا دائماً إلى السيطرة على أسعار النفط العالمية واستخدام تلك القوة لتعزيز ثقلها الدبلوماسي. فيلجأ الرئيس بوتين إلى طريقتين للتأثير على سعر النفط.
وأوّلها، عن طريق زيادة التوترات الجيوسياسية، فإن هدّدت أوكرانيا أو زادت التوتر في سوريا ترتفع أسعار النفط. أمّا وسيلة الرئيس بوتين الثانية فهي التعاون مع منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك) لتثبيت الأسعار.
ويساهم بناء علاقة أوثق مع المملكة العربية السعودية حول اهتمامهما المشترك في صعود أسعار النفط ويؤدي إلى توتّر في العلاقات الأميركيّة- السعوديّة ما يخلق مناخاً ملائماً لصفقات تجارية، من ضمنها الأسلحة.
غير أنّ تصاعد الانتاج النفطي في الولايات المتحدة يعطّل النهجين. ومع وفرة الإمدادات نسبياً، لا يمكن لأسواق الطاقة أن تتغاضى عن الصدمات الجيوسياسية.
كما أنّ تزايد انتاج النفط والغاز الأميركي يقلّل من فوائد التعاون بين أوبك وروسيا. وتستطيع روسيا وأوبك رفع الأسعار عن طريق خفض الإنتاج، لكن هذا يجعل مشاريع التنقيب الجديدة أكثرَ ربحيّة لشركات النفط الأميركية.
وبفضل الضغوط السابقة من منظمة أوبك وتحسين الإنتاجيّة التي فرضتها على صناعة النفط، فإنّ العديد من الآبار في الولايات المتحدة أصبحت مربحة حتى لو بلغ سعر النفط 30 دولاراً للبرميل.
وقد تأثرت مداخيل دول الخليج بعد النجاح الأخير في إنتاج النفط الصخري الأميركي. ومع انخفاض مداخيلها، تضاءلت سيطرتها على أسعار النفط في العالم. وفي الوقت الذي تنخفض تدريجاً أهميتها بالنسبة إلى الولايات المتحدة يزيد اعتمادها عليها عسكرياً.
أما إيران فقد أضرّ هبوط أسعار النفط كثيراً بها، فالفوائد الاقتصادية التي كانت إيران تأمل في الحصول عليها من صفقة الرئيس أوباما النووية قوبلت إلى حدّ كبير بهبوط أسعار النفط.
وقد ساهم ارتفاع الإنتاج الأميركي في السماح للولايات المتحدة بفرض عقوبات صارمة على إيران دون المخاطرة بارتفاع حاد في أسعار الطاقة العالمية. ويساعد انخفاض الأسعار على خفض مداخيل إيران من النفط.
أمّا بالنسبة إلى الاقتصاد الصيني المبني على استهلاك الطاقة والذي يستفيد بشكل كبير من انخفاض أسعار النفط فالوقع مغايرٌ، فقد أصبحت بكين في وضع أفضل لتخوض حرباً تجارية.
فعندما بدأت طفرة النفط الصخري، قلّل الدبلوماسيون والسياسيون من أهميتها. لكن في الواقع استعادت الولايات المتحدة المركز الذي فقدته في عام 1973 كأكبر منتج للنفط في العالم، والذي من المرجّح أن تحتفظ به على الأقل حتى العام 2040. فتؤدّي حقول نتاج النفط والغاز الواقعة في جنوب غرب الولايات المتحدة دوراً يفوق دور وزارة الخارجية في تغيير العالم.
إنّ ثورة النفط الصخري ابتكار يفوق بقدرته قوة اميركا الدبلوماسية التي تحكم السياسات العالمية.
from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2DV9x73
via IFTTT
0 comments: