
يشهد اليسار العربي اليوم تراجعًا ملحوظًا لدرجة أننا نسينا أن هناك أحزابًا يسارية عربية كان لها دور فاعل أحيانًا في النضال ضد الاحتلال أو الإطاحة بحكومات إما عن طريق ثورات أو انقلابات لعبت دورًا فاعلًا في المنطقة العربية بمرحلة من المراحل.
لكن لماذا كل هذا التقهقر الذي بات يهدد وجوده على الساحة العربية؟
في حين نرى أن اليسار على المستوى العالمي لم يفقد بريقه كما في الساحة العربية على عكس ذلك فقد وصل في دول أوروبية عدة إلى الحكم عن طريق الانتخابات مثل الحزب الاشتراكي الفرنسي بزعامة فرانسوا هولاند سابقًا وحزب سيريزا في اليونان، حتى إن لم يصل للحكم ستسمع ضجيج تلك الأحزاب التي لا زال لها ثقل وتخوض معركة مصيرية في أوروبا ضد اليمين الشعوبي، في حين نرى أن اليسار العربي بمختلف أطيافه وبالأخص الشيوعي هو عاجز عن إدخال مرشح واحد للبرلمانات العربية إلا في حالات نادرة جدًا.
بل أن المواطن العربي بات يستهجن فكرة اليسار ويعتبرها جزءًا من الماضي الأسود بالأخص بعد صعود القوى الإسلامية التي كانت أكثر قدرة على مداعبة عواطف الجماهير، فشعارات الحقبة الماضية من مقاومة الإمبريالية وجنة العمال قد عفا عليها الزمن، ولعل ما غفل عنه قادة اليسار العربي أن هذه الشعارات بالذات كانت سببًا رئيسيًا في انهيار المعسكر الاشتراكي لجمود النظرية وعدم تجديدها حسب احتياجات النظام العالمي الذي كان أذكى من الشيوعية والتمترس خلف شعار محاربة رأس المال.
بعكس اليسار الغربي الذي قام بأدلجة بعض المفاهيم وتجديدها ليتناسب مع احتياجات المجتمع والاقتصاد العالمي. صحيح أنه خلق نماذج هجينة من الأحزاب اليسارية. لكنها استطاعت البقاء على توجهاتها في سبيل منع احتكار رأس المال لأنظمة الحكم على الدول الغربية وضياع حقوق الطبقات الأخرى.
أما الحالة العربية فهي صعبة جدًا، لأننا استوردنا اليسار السوفييتي دون مراعاة خصوصية المجتمع، فالنموذج السوفييتي مخصص للحالة الروسية وليس للعرب، ببساطة لا يمكنك مقارنة المجتمع الروسي بالعربي فهناك اختلاف جذري اجتماعي، اقتصادي.
والخطورة الأكبر الافتقار للكوادر الشبابية في مراكز صنع القرار والتي بدورها تمنح الأحزاب دم الشباب والحيوية، فالكوادر الحالية أغلبها ينتمي للأجيال سابقة، لا تستطيع فهم عقلية الشباب الحالي أو حتى الاقتصاد العالمي الآن بشكل واضح دون التحيز لأفكار قد أكل الدهر عليها وشرب.
هذا بدوره أثر على استخدام الأحزاب لوسائل الإعلام الحديثة وأدى لتراجعها بشكل حاد فالحديث النخبوي وشعارات القرن الواحد والعشرين هي نفس شعارات القرن العشرين، مجرد بيانات وكلمات مبهمة بالنسبة لجيل التسعين عامًا فما فوق، يقتصر فهمه لمن عايش حقبة الاتحاد السوفيتي، دون أي محاولة جدية لكسب الطلاب أو الطبقات المسحوقة.
التي تزداد يومًا بعد يوم واضعة الكرة في ملعب هذا اللاعب الكهل لكنه أضعف من أن يقوم حتى بأي مناورة. أو بالنزول عن عرشه الطوباوي المنعزل عن الواقع المأساوي للبروليتارية العربية.
ناهيك عن حالة الانشقاقات الحزبية إذ شهد الحزب الشيوعي السوري اللبناني الانقسام الأول، بعد أن أعلن الجناح اللبناني في الحزب انشقاقه من طرف واحد، بسبب بيروقراطية بكداش وتفرده بقيادة الحزب، وذلك في عام 1964، ثم انشقاق قدري جميل الذي أسس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين عام 2003، والتي عرفت فيما بعد باسم حزب الإرادة الشعبية، لتتبعها سلسلة انشقاقات.
أما إذا أخذنا الحالة الفلسطينية ستجد أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مثلًا قد حدث أول انشقاق في الجبهة الشعبية، في شباط عام 1969 بقيادة نايف حواتمه، تأسست الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين، التي تغيرت فيما بعد إلى الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وحصل انشقاق آخر بقيادة أحمد جبريل وأسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة.
ناهيك عن انشقاقات حركة فتح التي قسمتها لثلاثة كيانات حيث أول انشقاق كان سنة 1974 انشق مسؤول الحركة في العراق، صبري البنا (أبو نضال) مؤسسًا حركة فتح، المجلس الثوري. ثاني انشقاق كان سنة 1980حيث انشق عدد من أعضاء الحركة تحت قيادة عبد الكريم حمدي (أبو سائد) مؤسسين حركة فتح، مسيرة التصحيح. في مايو 1983 تشكلت مؤسسة فتح، الانتفاضة.
هذا فقط على مستوى الأحزاب اليسارية السورية والفلسطينية، ناهيك عن باقي الأحزاب اليسارية في العالم العربي.
إن أقرب وصف لحالة اليسار العربي الآن هو الموت السريري، فلم يعد ينفع شيء مع هذا العجوز الكهل سوى انتظار الموت المحتوم، إلا في حال قيام جيل جديد يقوم بتبني مفاهيم يسارية تراعي الواقع العربي الاقتصادي والاجتماعي والأهم برؤية مستقبلية تكون واعدة تلبي احتياجات الطبقات المسحوقة ويحمل رايتها الشباب المهمش، من خلال برنامج جديد واقعي بلغة بسيطة ومفهومة لعموم الطبقات ليست حكرًا على طبقة دون أخرى.
فالعيش على أطلال الماضي ليس سوى أفيون للهروب من واقع هذه الأحزاب التي تتلاشى شعبيتها يومًا وراء يوم ببساطة لأن النظر للخلف لن يجعلك تعرف كيف ستضع خطوة للأمام تلو الأخرى.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
المقال كاملا من المصدر اضغط هنا
نوار بكسراوي
from بانوراما – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2CwSxn7
via IFTTT
0 comments: