Monday, October 22, 2018

صفقة القرن الثانية- ديّة خاشقجي تدفعها السعودية لتركيا وأمريكا

 

 

 عصام نعمان

اعترفت السعودية، بعد مماطلة محسوبة، بالقضاء على جمال خاشقجي غيلةً.. كيف؟ خلال “شجارٍ” معه داخلالقنصلية السعودية في إسطنبول. لكن القاتل، أو القتلة، ظلّوا مجهولين وكذلك كيفية القتل ومصير الجثة!

لم يصدر تعليق رسمي عن أنقرة عقب البيان السعودي، لكن وسائل إعلامية عدّة ذكّرت العالم بأن الملك سلماناتصل هاتفياً بالرئيس أردوغان قبل ساعاتٍ معدودة من صدور البيان. هل بحثا في صفقةٍ للفلفلة الجريمة المدوّية،وفي ديّة الإعلامي السعودي المغدور؟ لعل صفقة القرن الثانية تأكّدت أو كادت بمسارعة الرئيس الأمريكي إلىامتداح “وثوقية” البيان السعودي وتمنّيه على الكونغرس بألاّ يقسو في معاقبة الرياض تفادياً لخسارة صفقة سلاحٍمعها تربو قيمتها على 110 مليارات دولار.

كم تبلغ قيمة ديّة خاشقجي التي ستتقاسمها تركيا وأمريكا؟ من السابق لأوانه تحديد المبلغ الإجمالي، لأن أبوابالتحقيق الجنائي في تركيا لم تُغلق بعد، ولأن أبواب المساومة السياسية والمالية لم تغلق أيضاً بين أطراف الصفقةالثلاثية. أيّاً ما كانت طريقة القضاء على خاشقجي فإن لتصفيته الوحشية ذيولاً ومفاعيل سياسية واقتصادية و…وجودية. أبرز المفاعيل السياسية المرجَّحة انشقاقٌ في الأسرة الملكية السعودية. قد ينجح الملك سلمان في احتواءذيول الجريمة على حساب بضعة مستشارين في ديوانه وضباطٍ وادواتِ تقتيل وتقطيع أوصالٍ في إدارةاستخباراته، وقد لا ينجح، فيتعمق الانشقاق في الاسرة الملكية بعديدها الكثيف وبتاريخ صراعاتها العنيف. أبرزالمفاعيل الاقتصادية تداعي السمعة المالية الشاهقة للمملكة، وربما ملاءتها ايضاً. بوادر التداعي ساطعة: غالبيةُوزراء المال والاقتصاد في دول الغرب الكبرى، المدعوون إلى المشاركة في مؤتمر “دافوس في الصحراء” المخصصللبحث في مجالات الاستثمار والتنمية في المملكة، أعلنوا امتناعَهم عن الحضور، وكذلك ممثلو وكالات أمميةومصارف وشركات عالمية طامحة إلى تنفيذ مشروعات استثمارية كبرى.

احتمالُ ‬تطور ‬ردود  ‬الفعل ‬على ‬تقطيع ‬أوصال ‬خاشقجي ‬ــ ‬في ‬حال ‬ثبوته ‬ــ ‬إلى ‬تصدّع ‬كيان ‬المملكة ‬وربما ‬تقطيع ‬أوصالها ‬جغرافياً ‬وسياسياً

أبرز المفاعيل الوجودية وأخطرها احتمالُ تطور ردود الفعل على تقطيعأوصال خاشقجي ــ في حال ثبوته ــ إلى تصدّع كيان المملكة وربما تقطيعأوصالها جغرافياً وسياسياً. متابعو المشهد السعودي عن كثبٍ محيطونبالمخططات والسيناريوهات التي طالما ارتسمت عناوينها وترددت أصداؤهافي أروقة واشنطن السياسية وقاعات مؤسسات الأبحاث والدراساتالكبرى Think Tanks المعنية بشؤون الشرق الاوسط والقريبة من البيتالابيض وكبار اعضاء الكونغرس ومسؤولي وزارتي الخارجية والدفاع. حدّة ردود الفعل على الحدث الجلل فيعواصم الغرب الأطلسي توحي بأن لها مرامي تتعدى الانتصار لحقوق الإنسان والحرص على احترام أحكام القانونالدولي. فقد ايقنت عواصم القرار أنه يتعذّر عليها احتواء مفاعيل الجريمة النكراء بوسائل وتخريجات تقليدية،وأنه يقتضي اتخاذ تدابير سياسية غير عادية ذات ابعاد استراتيجية لمواجهة تحدياتٍ قد تنشأ عن استحقاقاتٍ آتية:

*أولاً، الانتخابات النصفية الامريكية مطلعَ شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وحرص الرئيس ترامب وحزبهالجمهوري على الحؤول دون انعكاس تصفية خاشقجي سلباً على حظوظهما الانتخابية، واحتمال تطورها لمصلحةالحزب الديمقراطي المعارض المتربص بترامب والراغب في عزله أو، على الاقل، الحؤول دون انتخابه لولاية ثانية.

*ثانياً، حملة العقوبات الامريكية على ايران المقرر تعزيزها بعقوبات جديدة أشد قسوة مطلعَ الشهر المقبل. فإدارةترامب حريصة على الاستمرار في شنّ حملتها العقابية تلك، ويهمها تالياً عدم إضعاف السعودية لتفاديانعكاسات تصفية خاشقجي على دورها المالي والنفطي في دعمها.

*ثالثاً، دور ايران وسائر أطراف محور المقاومة في التصدي لسياسة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في عالمالعرب، ولاسيما في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين المحتلة، حيث تدعم واشنطن بعض التنظيمات الإرهابيةالناشطة ضد قوى المقاومة المساندة لحكومات سوريا والعراق ولبنان، الحريصة على وحدة بلادها وعلى مواجهةتحركات “اسرائيل” العدوانية والتوسعية.

*رابعاً، دور روسيا في منطقة غرب آسيا، ولاسيما بعد تفاهمها مع إيران بشأن مواجهة التنظيمات الإرهابيةوالمحافظة على وحدة سوريا والعراق، ونزوعها إلى توظيف جهود سياسية وتسليحية وازنة في تركيا لحملها علىالتخلي عن حلف شمال الأطلسي.

*خامساً، حرصُ الولايات المتحدة على مواصلة مجابهة روسيا اقليمياً وعالمياً للحدّ من جهودها الرامية إلى تقليصوحدانية أمريكا القطبية، ابتغاء بناء تعددية قطبية مفتوحة، كما نزوع ترامب إلى مواصلة الحرب التجارية ضدالصين بغية الحدّ من نموّ اقتصادها العملاق وامتداداته في شتى انحاء العالم، ولا سيما في افريقيا وامريكاالجنوبية، ناهيك من استكمال متطلبات مشروع طريق الحرير الممتدة من الصين عبر بلدان شرق آسيا وغربهاوصولاً إلى أوروبا. ما يجري حاليّاً بين عواصم القرار المعنية باحتواء تداعيات تصفية خاشقجي هو هندسة إخراجقانوني وإعلامي يكون مقبولاً من الرأي العام العالمي، والتوافق على تسوية سياسية وعملانية ضمنية بين الأطرافالمعنيين تكفل حصول أقويائهم على المكاسب المالية الوازنة، وتعزيز مصالحهم الاقتصادية، وتحصين مواقعهمالأمنية في السعودية خصوصاً، والمنطقة العربية عموماً. لئن كانت الولايات المتحدة وربيبتها “اسرائيل” وسائرحلفائها من العرب المحافظين هم الفريق الاكثر تضرراً من جريمة تصفية خاشقجي وملابساتها وتداعياتها، فإناطراف محور المقاومة والممانعة هم المستفيدون من الحدث الجلل بمقادير متفاوتة. على أن إفادتهم تلك تبقىمهددة بما تدّخره الولايات المتحدة و“اسرائيل” من تحركات، وحتى هجومات، ضد ايران وسائر اطراف محورالمقاومة والممانعة، لمنعها من الكسب والاستقواء على الخصوم والأعداء الاقليميين.

العيون شاخصة حالياً نحو السعودية، تترقب بقلقٍ وشغفٍ في آن معاً ما يمكن أن تتكشف عنه تداعيات الحدثالجلل داخلها. ذلك أن ما جرى ويجري وسيجري في السعودية سيكون ترجمةً لمواقف اللاعبين الكبار وإرهاصاًبالمتغيرات المقبلة والمؤثرة في الخريطة السياسية لمعظم بلدان شبه جزيرة العرب.

*كاتب لبناني

 



from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2Sakg2i
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل