دعيت إلى عرس لبناني في مونتريال – كندا لم يخلُ من النكهة اللبنانية المطعمّة بالمناخ الكندي، ولم تغب عنه “الزفة” والطبل والمبارزة بالسيف والترس والأغاني اللبنانية، وكأن المشهد يجري في لبنان وليس في بلاد تبعد عنه ما يقارب الخمسة عشر ألف ميل.
وعلى رغم ما ميزّ هذا العرس من دقة في التنظيم فإن ثمة ما نغصّ علي هذه الفرحة، إذ أن الصالة المستأجرة لإقامة حفل الزفاف كانت في الأساس كنيسة لا تزال اللوحات الدينية في مكانها تشهد لمرحلة كانت تقام فيها الإحتفالات الدينية، وحلّت مكانها إحتفلات من نوع آخر، ومن بينها حفلات الأعراس.
وردًا على إستفساراتي عن سبب تحوّل هذه الكنيسة إلى صالة حفلات، أتاني الجواب غير المقنع، وهو أن تكاليف الصيانة أصبحت باهظة، وأن المؤمنين الذين يؤمون الكنائس للصلاة في تراجع مضطرد، مع إنعدام الدعوات الكهنوتية، لذلك بدأ القيمون الروحيون على الكنائس يعرضونها للبيع، حتى أن عددها ناهز الف كنيسة، وهو رقم يبدو للوهلة الأولى مستهجنًا، ولكن الواقع هو بحدّ ذاته صادم ومحزن في آن.
وهذا الأمر يطرح أكثر من علامة إستفهام حول مفهوم الدين من وجهة نظر غربية وحول إبتعاد الناس عما له علاقة بالطقوس الدينية، مع تزايد طغيان موجة التخلي عن القيم التي لها علاقة بالتعاليم السماوية، إلى درجة أن ما يُسمّى بالعلمانية الإلحادية باتت هي المسيطرة، بعدما تحوّل المجتمع الكندي إلى مجتمع إستهلاكي بحت مرتبط بالماديات، وبعد السماح العلني لتعاطي “الماريجوانا” في الأماكن العامة وإجازة زراعتها في شكل محدّد ومحدود في حدائق المنازل الخاصة، أي بمعدّل ثلاث شتلات لكل بيت.
في المقابل تشهد الكنائس الشرقية المهاجرة إقبالًا لافتًا من قبل المهاجرين المنتمين إلى جنسيات عربية متعدّدة، وإن كانت الجنسية اللبنانية هي الطاغية، حيث تقام الإحتفالات الدينية في أوقاتها المعتادة ووفق طقوس كل كنيسة، حتى أن بعض الكنائس تضطّر إلى إقامة أكثر من رتبة للقداس الالهي أيام الآحاد والأعياد، وذلك لكثرة المؤمنين الذين لا يزالون متمسكين بتقاليدهم وعاداتهم الدينية، من منطلق إيماني بحت، وهذا ما يميزهم عن غيرهم من المسيحيين بالإسم فقط، الذين يستهترون بالشعائر الدينية، حتى أن بعض الشتائم البذيئة مستوحاة من بعض الرموز الدينية، كمثل كلمة TABARNAK، وهي شتيمة تهكمية ومستوحاة من كلمة Tabernacle، وهي تعني الكأس الشعاعية التي يوضع فيها القربان المقدس، وهي تمثل رمز سر التجسد.
وعلى رغم إضطرار الكثير من المغتربين، لبنانيين وعربًا، للتأقلم مع العادات الكندية في حياتهم اليومية، إلاّ أنهم لا يزالون محافظين على ما أكتسبوه من تعاليم وعادات دينية، وهم يمارسونها عن قناعة وعن إيمان عميق بالمبادىء الإيمانية وإحترامهم لشعائر أبناء بلدهم من غير طوائف، الذين يمارسونها على أفضل ما يكون كتعبير راقٍ عن تمسكّهم بما يؤمنون به حتى ولو في بيئة لا تشبه بيئتهم الأصلية. وهذا ما يميز العلاقة القائمة بين مختلف اللبنانيين المتواجدين في كندا، وهي علاقة قائمة على الإحترام والثقة والتفاهم بما يخصّ الثوابت الإيمانية، في مقابل عرض نحو ألف كنسية للبيع على إمتداد الأراضي الكندية الشاسعة.
اندريه قصاص
from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2Po7QCC
via IFTTT
0 comments: