مجدداً، من أين نبدأ؟ من انشغال الجميع بـ “حصته” في الحكومة، أم من اللائحة المتضخمة للأوجاع اللبنانية المزمنة؛ لا كهرباء، لا مياه، لا اقتصاد، لا ضمان شيخوخة، لا أمان، لا صحة، محسوبيات، سمسرة، تلوث، زحمة سير، فساد، نفايات، بطالة وفقر… واللائحة تطول، أم من النجم الجديد، مرسوم التجنيس الغامض الذي وقعه رئيس الجمهورية ميشال عون وخطف الأنظار على ما عداها من مواضيع على الساحة اللبنانية، خصوصاً وأنه طرحَ الكثير من علامات الاستفهام حول ما وصف بـ”التهريب”، من دون أن يكلف أحد من الأطراف المعنية الثلاثة الذين وقعوا عليه، رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ووزارة الداخلية عناء ايضاح الأمر للرأي العام.
وحده، وزير العدل سليم جريصاتي خرق الصمت الرسمي، منتقدا من يثيرون “غباراً من سراب”، وقال إن “هذا المرسوم ليس مرسوماً جماعياً على غرار سواه من المراسيم التي غيرت في معادلات الديموغرافيا، بل هو يعالج حالات افرادية ومستجمعة الشروط القانونية (..) وهو سوف يتكرر في المستقبل كلما نشأت حالات مستحقة” وقد اعتبرت فتواه فتحاً للباب أمام المزيد من مراسيم منح الجنسية.
في المعلومات المتداولة عن المرسوم أن الرئيس عون وقع مرسوم تجنيس نحو 385 إلى 400 شخص معظمهم من جنسيات سورية وفلسطينية وعراقية واردنية وتونسية ومصرية وسعودية والمانية وفرنسية وبريطانية وإيرانية وتشيلية وأميركية وهندية مع عدد من مكتومي القيد، ويتردد أن ثلثيهم من الطوائف المسيحية، أي أن عددهم 260 في مقابل 105 من الطوائف الاسلامية. أيضاً تضيف المعلومات المتداولة بأن المرسوم صدر قبل اعتبار الحكومة مستقيلة وهو أعد خلال فترة الانتخابات لكن ارتؤي عدم نشره لئلا يربط بالانتخابات واقتصر تحضيره وادخال الأسماء على القصر الجمهوري والسرايا الحكومية ووزارة الداخلية ولم يمر على الأجهزة الأمنية التي يفترض ان تدقق في أسماء المجنسين لمعرفة ما اذا كانوا من المطلوبين أو الملاحقين أو المرتكبين. أكثر من ذلك قال إن من بين المجنسين مؤثرين كباراً في أنظمة دول قريبة، وبأن معظمهم متمولين كباراً عرب وأجانب، وحتماً حتماً من بينهم من يستحقها.. والله أعلم.
والواقع أن انفجار هذه الأزمة واحتلالها مساحة متقدمة من النقاشات العامة التي طغت على رتابة المشهد السياسي المتصل بعملية تشكيل الحكومة وأثارت أسئلة عديدة، ليس تفصيلاً لأكثر من سبب، ومنها؛
الصمت الرسمي المطبق المتمثل بإحجام الجهات المعنية عن تقديم إيضاحات رسمية عن حقيقة ما أحاط بهذا المرسوم من ظروف أملت توقيعه وتفاصيل الحالات التي أفادت من منحها الجنسية اللبنانية. وهل وقّع أو أُعدّ للتوقيع أو أنه مجمد. متى وقّع، قبل اعتبار الحكومة مستقيلة، أم بعده في اطار تصريف الأعمال، وهل لهذا المرسوم صفة الاستعجال لتبرير توقيعه خلال فترة تصريف الأعمال.
الكلام الكثير عن ملامح “صفقات وسمسرات” جعلت من المرسوم أقرب إلى عملية بيع، وليس إعادة حق لأصحابه، أو منحة لأشخاص قدموا خدمات جليلة للبنان، كما هو العرف السائد.
قبل كل ذلك، وبعده، وأهم مما سبق جميعاً، أين نذهب بسنوات من النضال والتظاهر والصراخ الذي بحّ الحناجر في سبيل إعطاء المرأة اللبنانية حق منح جنسيتها لأبنائها، أسوة بكل العالم، ماذا يقال لآلاف الاشخاص من أمهات لبنانيات، ويقيمون ودرسوا ويعملون في لبنان منذ عشرات السنين، ولا يزالون يعانون صعوبات إدارية وقانونية ومالية جراء عدم منحهم الجنسية، واضطرارهم للخضوع لنظام تجديد الإقامة! ثم هكذا، وبدفع من حسابات مصالحية أو علاقات ومن دون أن تبرير منطقي، تمنح الجنسية لمئات المتمولين؟!
دفاعاً عن العهد، وعن الصيغة اللبنانية، وعن التوازن، قبل تجنيس رجال الأعمال والمتمولين واصحاب النفوذ امنحوا المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي حق إعطاء الجنسية، دون استثناء أو عنصرية. لا يجوز خنق الأمل بالإصلاح، فكلما لاحت بادرة أمل بالتغيير عادت الأمور أميالاً إلى الوراء، ولا يمكن لبلد أن يحكم بمنطق الصفقات والتوافقات.
إن بلداً يعتبر مسؤولوه أنهم فوق المحاسبة أو المساءلة.. بلد يتخذ مجلس الوزراء فيه قرارا بشأن منع او مراقبة استيراد بعض السلع من تركيا بدل تركها للاجراءات الجمركية وانتهاج استراتيجية وطنية لحماية للإنتاج الوطني ووقف التهريب برا وبحرا وجوًا.. بلد يروّج كل الوقت مخاوف عن توطين السوريين والفلسطينيين وبلحظة يجنس المئات منهم.. بلد تدّعي سلطته أنها تسعى للنأي به عن حرائق الإقليم فيما يشتغل سياسيوه بإشعال فتائل التوتير لمصالح شخصية وضيقة.. أقل ما يقال فيه إنه على شفير أزمة كبرى. وحتى تتغير الأحوال ما على أبناء اللبنانية من أب أجنبي إلا الانتظار.
احمد الزعبي
from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2J46s8C
via IFTTT
0 comments: