Friday, May 11, 2018

انتخابات وهذه الفظائع.. “دونت ميكس”!

مرّت الإنتخابات النيابية التي جرت الأحد الفائت كصورة على “سنابشات”. عملياً، لم يكن “وهجها” قوياً، ولا كان ما أسمي بـ”العرس الديمقراطي” صاخباً. نصف اللبنانيين لازم البيوت إيماناً منه بأن القدرة على التغيير كذبة سمجة، بل استحالة. بقيت الأحزاب السياسية التقليدية طيلة النهار في الخفاء، بانتظار النتائج. طال الليل، وما أتت الحسابات على قدر التمنيات. بقيت الأحزاب في الخفاء، بانتظار توّقف هطول المطر ليكون الاحتفال في الساحات.

هذا ما أوحت به الصورة الكبرى من بعيد. لكنّ تلك الانتخابات جرت تحت وطأة العنف. كان العنف، ولا يزال في كلّ مكان. المشكلة أنه تمّ نفث ضباب كثيف حوله حتى يصبح خفياً، أو على الأقلّ، عابراً كمطر في صيف ملتهب.

كان العنف الذي رافق استحقاقاً يُفترض أنه ديمقراطيّ وسلميّ، يتنقل من بقعة إلى أخرى كمندوب متجوّل. من انتدبه ومن وظفّه؟! هذا سؤال ينبغي إيجاد إجابة عليه في أسرع وقت ممكن.

تجوّل العنف قبل نهار الانتخابات طبعاً. بدأ يكشف عن عضلاته مع اقتراب الموعد، فكمش اللبنانيون قلوبهم وضغطوا عليها. في بلد مثل لبنان، يحتاج إجراء الانتخابات النيابية في خلال 24 ساعة إلى عطلة قبل يومين من موعدها وبعد يوم من انتهائها. لافتٌ هذا الأمر، لكنّ اللبنانيين ما جرّبوا الاستفسار ولا التعليق خشية أن تضيع “الفرصة” في الضباب.

شحذ السياسيون هممهم وخاطبوا الناس بلغات متعددة: ثمة من أضاف عليها سمفونيات التخوين. ثمة من قرع طبول الحرب أو ذكّر أو هدد بها. ثمة من رفع شعارات جميلة ورنانة لكنه كان يحمل في اليد الأخرى مسدساً جاهزاً للقتل.

عندما فُتحت صناديق الاقتراع في اليوم الُمنتظر منذ 9 سنوات، لم تكن أوراق الاقتراع التي طبعتها وزارة الداخلية سلفاً، في سابقة نوعية، تعرف أي ناخب سيحملها. أي ناخب هو هذا الذي لم تر وجهه منذ سنين طوال، عاش في خلالها أكثر الأوقات عنفاً مبطناً…مُتخفيّاً؟! ناحبٌ عاش القتل العشوائي على الطرقات. والموت المجانيّ أيضاً على الطرقات. وعاش ليحيا على كومة نفايات وموجة أمراض. عاش الإجهاد اليوميّ ورحلة البحث عن عمل إضافيّ أو بديل، حتّى لو كان في حفر القبور. عاش ليرى بأم عينه كيف تُعقد الصفقات وكيف تُدار البلاد بالفساد. عاش قلقاً مُتفرجاً أو مشاركاً في حرب مجنونة خارج البلاد. عاش ليكون رقماً. وهماً. أو ناخباً مؤجلاً!

جاء من يُحطّم أقلام الاقتراع. ومن يتجرأ على تعنيف كرامات الناس عبر شرائها بحفنة من المال. ومن يتضارب في وضح نهار “العرس”.

في الأثناء، كانت هيئة الإشراف على الانتخابات والجمعيات وكل حارس للديمقراطية يُسجّل جملة من الانتهاكات للقانون. لم يكف ذوو الاحتياجات الخاصة أنّ دولتهم لا تعيرهم اهتمامات بالغة في الأيامات العادية، فشعروا بعنف الإهمال والتقصير في اليوم الانتخابي أيضاً.

في التقرير الأوّلي الذي أصدرته الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات، ورد في المخالفات أنّه قد تمّ”تسجيل حالات من التحرش بالمندوبات والناخبات من قبل هيئات القلم او القوى الامنية او المندوبين”. فظيعٌ هذا الأمر! فظيع وخطير ويجب ألا يمرّ مرور الكرام من دون التحقق منه ومحاسبة الفاعلين متى ثبت الأمر.

فظيعٌ هو هذا العنف الذي يلحق بالمرأة في لبنان. في البرلمان، لن يكون هناك إلا ست سيدات من أصل 111 مرشحة إلى الانتخابات. في خارجه، ستظلّ أشباح العنف والذكورية تحوم فوق رؤوس اللبنانيات.. وغير اللبنانيات!

لا حصانة لهنّ. أينما وجدن، يبقين عرضة للتهميش والتسخيف “والاغتصاب” المتمثل بفرض الشروط وسلب الحقوق.

لم يكن لإعلامية انتدبتها مؤسستها لتغطية الانتخابات في الجبل، أي “حصانة”. تجرأ المرشح على إهانتها مباشرة على الهواء، فقط لأنها طلبت منه الالتزام بلغة رصينة تقبلها الشاشات. في معمعة الانتخابات وفوضاها، مرّ المشهد كأنه فيلم. في المساء، وعلى شاشة أخرى، يُطلّ المرشح مجدداً فيحاول الإعلامي أن يسأله عما حدث بلغة استنكارية “هشّة”. الاستنكار يكون في عدم استضافة هؤلاء مجدداً!

لا تمضي 24 ساعة على انتهاء الاستحقاق إلا وتكون “الموتوسيكلات” قد اجتاحت المناطق. رصاص عشوائي يُسقط ضحايا على الشرفات. ومُقعد لا يقوى على الاختباء، فيجد نفسه يواجه النار باللحم الحيّ!

تجتاح مجموعات متفرقة الشوارع في مسعى واضح للاستفزاز. تُمزق الصور وتُحطّم السيارات.

العنف يتجوّل كوحش مفترس. يقلب صندوقة اقتراع على الطريق فتتطاير أصوات الناس، ويمزق بمسمار سام إطارات السيارات ليعيد دولاب الحرب.

يسقط قتيل. في عيد ميلاده تحديداَ. لن يكون في منزله احتفال.

كلّ هذا ولا تزال احتفالات الأحزاب والمنتشين بفوز واهم، على وشك أن تُقام.

ربما من الأفضل أن نتريّث قليلاً. من الأفضل أن نعيد النظر في مشهدية هذا الأسبوع، وإلا لن يكون من سلطة وحكم في المستقبل سوى للمرشح الناجح بأصوات بعض السياسيين والمواطنين…أي العنف!

ربيكا سليمان- خاص “لبنان 24



from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2KQrrce
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل