Saturday, May 26, 2018

عن حزن طرابلس: شهيدان في لائحة القتل العشوائي.. من المسؤول؟

الحزن والصدمة اللذان عاشتهما مدينة طرابلس هذا الأسبوع بفعل سقوط شابين شهيدين من دون أسباب مبررة، لا ينفصل عن أحزان مشابهة لا تكفّ تتنقل بين منطقة وأخرى، ومن أسبابها استسهال إزهاق الأرواح بعبثية وطيش وتسرّع واستهتار، من دون مراعاة قيمة الحياة وعظمتها.

في حزن طرابلس التفاصيل والملابسات باتت معلومة، العسكري الشهيد “علي مصطفى” سقط برصاص مطلوبين خلال السعي لتوقيفهم وتخليص المجتمع من شرورهم، أما الشاب “نزيه حمود” فتجاوز حاجزاً أمنياً وسرعان ما عاجله عنصر يفترض أنه مدرب على أساليب أكثر حرفية لتوقيف المتجاوزين، بطلقات كانت كفيلة بإزهاق روحه، في مشهدية مؤلمة سجلتها كاميرات مراقبة فبدت وكأنها عملية قتل متعمدة استجلبت ردود فعل غاضبة ليس من محبيه فحسب بل من مختلف أطياف المدينة وشرائحها وناشطيها. وكما في مصائب سابقة تعالت المدينة على جراحها مفضلة الاحتكام للقانون ومنطق الدولة على متاهات الانزلاق نحو الغرائز وردود الأفعال.

لائحة تطول

الجندي والشاب ليسا أول اثنين في سلسلة القتل العشوائي، و/ أو عبثية إنهاء الحياة.. وللأسف، لن يكونا. قبلهم أسماء عديدة كتبت في السجل الأسود أرقاماً اضافية في سلسلة نتمنى أن تنتهي لكن دون جدوى. فمدينة الشويفات كانت نجت قبل أقل من أسبوع من فتنة عمياء بعد قتل شاب على خلفيات انتخابية… واللائحة تطول؛

من يذكر جريمة زقاق البلاط التي هزّت لبنان (تشرين أول 2017) وراح ضحيتها 3 قتلى وعدد من الجرحى على يد مراهق أقدم على إطلاق النار على والده، ثم صُدمَ بمشهد الجريمة والدماء وبدأ بإطلاق النار عشوائياً على كل من صادفه في الحي!! قبلها بأيام كانت مراهقة في مدينة الميناء ترمي بنفسها من الطابق السابع منهية حياتها، تاركة رسالة مؤثرة تودع فيها العالم وتشتكي بلغة سوداوية ضيق الكون في عينها، بدل أن يكون رحباً وردياً مفعماً بالأمل!.

من يذكر ريم شاكر (18 عاماً) التي خطف رصاص الابتهاج روحها في عكار (أيلول 2017)، روي حاموش الذي قتل على أيدي عصابة مستهترة (حزيران 2017)، وهناء حمود ضحية رصاص الابتهاج أيضاً (آب 2017)، وكل من خليل القطان وطلال حميد ضحايا فنجان نسكافيه (نيسان 2017)، وسارة سليمان ضحية الخلاف على أفضلية المرور (أيار 2017)، وجورج الريف وقصته المؤثرة في تموز 2015، والشاب ايف نوفل في كانون الثاني 2015 وغيرهم؟!

إنهم ضحايا فوضى السلاح، وثقافة اليأس، واحتقار الحياة. ضحايا الاستهتار والخفّة والعبثية والطيش والتفلت من كل الضوابط والقيم الأخلاقية والإنسانية، وكل ذلك يضع المجتمع، مؤسسات رسمية ومجتمعاً مدنياً، أمام ظاهرة تستحق التأمل والمبادرة للعلاج على أكثر من مستوى.

مجتمع متأزم وسكينة مفقودة!

في لبنان ثمة قلق واضطراب عميق أَخرجَ المجتمعَ عن سكينته المعهودة، وسواء اعتبرنا ما يحصل حوادث فردية كسائر بقاع الأرض، وربما أقل نسبة إلى حجم لبنان، أم ظاهرة تزيد عن المعدل الطبيعي ولا تنحصر بالضرورة بجرائم القتل بل تشمل التأزم في العلاقات الإنسانية ومنظومات القيم والمنطق السويّ.. لا يمكن تجاوز أن الظواهر السلبية في ازدياد لافت!

وفي لبنان لا تربية وطنية علمية ومنهجية وخلاقة في المناهج التعليمية، ولا اهتمام رسمياً بالأمن الاجتماعي، وثمة تقصير من الجهات الدينية في تعزيز سلوكيات السكينة ومنطق التعايش بين الناس.. ولا مجتمع مدنياً يعمل لهذه الأهداف بمعزل عن معزوفات التغيير الجذري والجندرية وسواها.. المجتمع في أزمة حقيقية حتى العمل العام بات ملازماً لمقولات الفساد والسمسرات وانتهاب المال العام وتجاوز القانون!! التربية، رفقاء السوء، الإدمان على أنواعه، تفشي السلاح واستسهال اقتنائه واستخدامه، تساهل القضاء وطول فترات المحاكمات، التفلت الأمني، تفشي مجتمع رديف إلى جانب المجتمع اللبناني بعادات وسلوكيات مختلفة، ضغوطات الحياة المعاصرة ولامبالاة السلطات السياسية الحاكمة في لبنان بمسألة الأمن الاجتماعي.. كل ذلك يجعلنا أمام أزمة مكتملة العناصر والأسباب والتداعيات وتحتاج تأملاً دقيقاً ونقاشاً علمياً ونفسياً وصحياً وفوق ذلك سياسات تطبيقية للحل، وتقتضي مسارعة من قبل المعنيين لبحث أسباب ما يجري للوقوف عليها، ثم تبني سياسات وبرامج تعيد للمجتمع أمنه المفقود.

لا يخلو مجتمع من جرائم ومآسي وتجاوزات، لكن المجتمع اللبناني عاش لسنين طويلة مستقراً متفائلاً ومتماسكاً، رغم التعثرات الاقتصادية والأزمات الحياتية، حتى في فترات الحرب، حافظ على تماسكه وتقاليده وقيمه الروحية، ولا يجوز أن تهدد ظواهر مقلقة أمنه الاجتماعي وتحتقر قيمة الإنسان فيه.

أجمعت الأديان على اعتبار حق الحياة وصيانة الأنفس والعقول قيماً كبرى لا يجوز بأي حال المساس بها أو انتهاكها أو التقليل من شأنها في أي مجتمع يريد الاستمرار والبقاء. لأجل ذلك لا يمكن القبول بواقع أن من لم يمت برصاص طائش تكفّل يأسُهُ بدفعه لإنهاء حياته!!

 

احمد الزعبي



from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2GS37Uf
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل