حبس أنفاس عاشتها وما زالت تعيشها دول المنطقة، خاصة تلك الواقعة على خط زلزال الأزمة السورية، بعد التهديد الاميركي الأخير بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري بعد الهجوم الذي تعرضت له مدينة دوما وقيل انه استخدمت فيه أسلحة كيميائية. المفارقة أنه أتى بعد أيام قليلة من إعلان أميركي عن نية واشنطن الانسحاب من سوريا والذي قوبل بقلق خليجي باعتبار ان هذا الانسحاب سيسمح بزيادة النفوذ الايراني هناك، فكان رد ترامب بأنه “عليهم ان يكونوا على استعداد للمساعدة في منع ذلك من خلال دفع ثمن الاستقرار السوري”. الامر الذي يشير الى ان التواجد الاميركي في سوريا يحمل طابعا استثماريا، يرفتع ثمنه مع ارتفاع الحاجة لدى الدول صاحبة المصلحة والعكس صحيح. وربما ما يؤكد ذلك طريقة تعاطي السياسة الاميركية مع حلفائها غير المستقرة والمصحوبة بمناخات مقلقة مما تخفيه الاجندة الاميركية من مفاجئات، وهذا ماحصل فعلا مع الانعطافة الاميركية الكبيرة باتجاه قطر واللقاء الذي جمع الرئيس الاميركي ” دونالد ترامب” وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في واشنطن والذي وصف بالممتاز وما نتج عنه من توافق في عدة ملفات ابرزها موافقتهما على توقيع صفقة بقيمة 300 مليون دولار اميركي لبيع برامج صاروخية متطورة لقطر، هذا عدا عن اثارتهما لملف الارهاب ومقاربة واشنطن لهذا الملف التي جاءت مختلفة عن مقاربة السعودية والامارات التي أُعتبرت مفبركة، بما لذلك من اشارة الى ان ملف احداث 11 ايلول مازال قيد النظرالاميركي وان” قانون جاستا” مازال مطروحا للنقاش.
من هنا يمكن القول ان التهديد الاميركي بتوجيه ضربة للنظام السوري لا يعدو كونه عرض عضلات لبيع خدمة في بورصة الدول اللاعبة على حلبة التوازنات. اذ ان واشنطن تدرك حجم وكلفة الاقدام على هذه الخطوة وتداعيتها في حال اتسعت رقعهتا، من هنا جاء حشرها لحلفائها الغربيين لتقدم صفوف المواجهة الى جانبها وتقليص الكلفة، واضعة اهداف هذه الخطوة في اطار حشر اللاعب الروسي لتبديل قواعد اللعبة في سوريا في حال حصول هذا الاصطفاف، طارحة في الوقت عينه أهداف آخرى بديلة – في حال امتناع تلك القوى عن المضي معها في هذا التهديد- وهي تحقيق نوع من انواع الضغوط الاقتصادية على الدول المواجهة لها وعلى رأسها ايران وروسيا. وهذا ما حصل فعلا مع الانخفاض الذي شهدته الاسهم الروسية في البورصة العالمية مؤخرا عدا عن انخفاض سعر العملة الايرانية الكبير بعد التهديدات الاميركية الاخيرة.
بالطبع فهم الدب الروسي مضمون الرسالة فجاء تحركه سريعا على جبهتين، الجبهة الاولى كانت مع العدو الاسرائيلي عبر اتصال اجراه الرئيس “بوتين” برئيس وزراء العدو ” نتنياهو” محذرا من عدم الانجراف خلف اي خطوة من شأنها زعزعة استقرار سوريا وتهديد أمنها، غامزاً في ذلك من قناة تشريعه لفتح جبهة ايران وحزب الله في وجهه دون ان يردعها، والجبهة الثانية كانت مع ايران عبر ارسال المبعوث الخاص للرئيس الروسي في شؤون سوريا للقاء مسؤولين ايرانيين في رسالة واضحة الى ان فكرة سلخ روسيا عن طهران غير واردة في الوقت الحاضر والتنسيق مستمر. لاشك ان الزخم الروسي لم يتم بمعزل عن اجواء ايجابية اشتمتها الاستخبارات الروسية سيما مع عدم توصل ترامب حتى الساعة الى اقناع حلفائه الغربيين في المضي بخطواته العسكرية في سوريا هذا مع الاشارة الى انه من المتوقع ان يزور الرئيس الفرنسي موسكو الشهر المقبل. هذا عدا عن التطور الذي شهدته العلاقات الروسية الالمانية خاصة بعد القرار الالماني الاخير بدعم خط انابيب الغاز الروسي بالمقترح “نورد ستريم 2” على ما يحمل ذلك من دلالات .
(ميرفت ملحم – محام بالاستئناف)
from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2GWwiug
via IFTTT
0 comments: