Friday, March 2, 2018

كلام الأرقام غير كلام السياسة

لم يغيّب ضجيج الحملات الانتخابية من تصاعد الآمال المعقودة على مؤتمرات الدعم الدولية تستضيفها تباعاً باريس وروما وبروكسل لدعم لبنان مادياً وعسكرياً، بالتوازي مع سعي لبناني حثيث لإقرار الموازنة قبل منتصف الشهر الجاري. بيد أن الصورة عن قرب لا تَشي بكثير من التفاؤل.

السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون أنّ مؤتمر “سيدر” لدعم لبنان سينعقد في موعده في 6 نيسان المقبل في العاصمة الفرنسية، على ان يعقد الاجتماع التحضيري له على مستوى الموظفين الكبار في 26 الجاري في باريس.

تأكيد السفير الفرنسي يأتي حسماً لما تردد قبل فترة عن اتجاه لتأجيل مؤتمر “سيدر” بسبب ضغط التواريخ والمهل والانتخابات النيابية، خصوصاً انه ليس مُنتظراً منه ان يدرّ أموالاً على لبنان، إنما سيؤسّس لمؤتمرات الدعم في المرحلة المقبلة، بعد ان يكون لبنان قد وَفَى بالتزاماته وبإجراءات اصلاحية جدّية سيُطلب منه التزامها خلال هذا المؤتمر شرطاً أساسياً لأي دعم مالي واستثماري، وهذا ما فسّر الضبابية السابقة في تحديد موعد انعقاد المؤتمر.

لكن، وخلافاً لذلك، تفيد المعلومات المتداولة أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي كان يعتزم زيارة لبنان مطلع نيسان ثم عاد وأرجأها لموعد آخر، حريص على عزل لبنان عن انعكاسات ما يجري في محيطه، ومساعدته على تثبيت استقراره الأمني والاقتصادي، لأن باريس تعتبر أن هذا الاستقرار ليس مفيداً للبنان فحسب، بل لمحيطه أيضاً. وهنا يندرج الحرص الفرنسي على الموتمرات المرتقبة والتي من شأنها تعزيز الدعم الدولي للبنان واستقراره الداخلي، وهي: مؤتمر دعم القوى المسلحة في 15 آذار المقبل (روما 2) لتعزيز قدرات الجيش ودعم المؤسسات الامنية، مؤتمر دعم الاقتصاد اللبناني (سيدر 1، مؤتمر اقتصادي للتنمية) في 6 نيسان المقبل، ومن المقرر أن يشارك فيه نحو 40 دولة ومنظمة دولية، أما المؤتمر الثالث فهو مؤتمر “بروكسيل 2” المقرر عقده منتصف نيسان لدعم النازحين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم، ويأتي في سياق مؤتمري لندن 2016 وبروكسيل 2017.

هذا في الجانب الدولي، لكن ماذا عن الجانب اللبناني، وتحديداً فيما يتصل بإنجاز الموازنة والاصلاحات الموعودة؟

يقول وزير المالية علي حسن خليل لـ “رويترز” إن الحكومة قد توافق على ميزانية العام 2018 قبل منتصف آذار الجاري. ومن المعلوم أن لبنان المثقل بالديون، لا يستطيع طلب مساعدات قبل أن يقر ميزانية 2018 لإظهار أن بيروت جادة في الإصلاح، ذلك أن إقرار الموازنة وانعقاد مؤتمر “سيدر” من شأنه أن يوفر فرصاً لإطلاق إصلاحات لبنان بأشد الحاجة إليها.

لكن صندوق النقد الدولي قال الشهر الماضي، إن التقديرات تشير إلى أن الدين العام اللبناني تجاوز 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017. ومن المتوقع أن يزيد بسرعة في ظل عجز في الميزانية يتجاوز العشرة في المائة في الأجل المنظور. نعم إن نسبة دين لبنان إلى ناتجه المحلي الإجمالي من أعلاها في العالم ونموه الاقتصادي ضعيف جدا بفعل التوترات السياسية المحلية والحرب في سوريا المجاورة.

ثمة وجهة نظر ترى أن كل مؤتمرات الدعم لا تعدو كونها مجرد “مراهم” لا تعالج أساس المشكلة المتجذرة (السياسات المالية، العجز، الفساد والهدر، المحاصصات) بقدر ما تخفيها لفترة. ويرسم أصحاب هذه النظرة أسئلة جوهرية تتصل بإمكانية تنفيذ السياسة المالية التي يجري الإعداد لها حالياً بعد الانتخابات، اي هل ستسري التفاهمات القائمة وتظل قابلة للاستمرار بعد الاستحقاق الانتخابي، وما هي التوازنات التي ستحكم الحكومة العتيدة؟ ثم هل ستكون الاصلاحات الادارية والاقتصادية والمالية قابلة للتنفيذ، ووفق أي وجهة نظر؟ هل ستعود دول الخليج إلى الانخراط في دعم الاقتصاد اللبناني متجاوزة الاعتبارات السياسية التي دفعتها إلى الاحجام عن ذلك لسنوات؟ هل من يضمن استمرار اعتماد التزام لبنان سياسة النأي بالنفس إذا ما أعطت الانتخابات “حزب الله” وحلفاءه أكثرية مريحة في المجلس المقبل؟ وقبل كل ذلك، هل ستؤدي قروض المؤتمرات إلى تحسين المالية وتخفيض العجز وتعزيز التنمية أم ستكون مجرد أرقام إضافية على الدين العام وخدمته؟

من خلال المعطيات المتوافرة، هناك صعوبة كبيرة في تقليص العجز من خلال خفضِ أرقامِ الإنفاق، أما تأمين وفرٍ صغير من خلال تخفيض موازنات بعض الوزارات والصناديق لن يكون كافياً لتغيير المشهد السوداوي الذي رسَمته أرقام العجز التي بلغت 6,3 مليارات دولار.

انطلاقاً من كل ذلك، الاصلاح المبني على رؤية شاملة وليس خطوات منفصلة، ضروري جداً لاستنقاذ البلد، فهل تصدق النوايا فعلاً في إقرار الإصلاح والسير به؟ أم أن كلام الأرقام غير كلام السياسة؟

احمد الزعبي



from تحقيقات – ملفات – wakalanews.com http://ift.tt/2CRZknV
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل