كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: هي خلاصة واحدة خرج بها أبناء طرابلس أمس، بعد أن أنهى الرئيس سعد الحريري كلمته في مهرجان إعلان لائحة “المستقبل للشمال” في الدائرة الثانية (طرابلس، المنية والضنية) والذي أقيم في باحة مركز الصفدي، وهي “أن رئيس الحكومة لم يحترم ذاكرة الطرابلسيين، وأنه تعاطى معهم باستخفاف، مستخدما عواطفه الجياشة التي لا تسمن ولا تغني من إنماء، وأساليبه التحريضية التي كانت أشعلت المدينة بعد يوم الغضب المشؤوم، وأدخلت أكثرية شبابها الى السجون.
عاد الحريري الى طرابلس بعد تسع سنوات من الغياب، ليتحدث إلى أبنائها بلغة العام 2005، والتي لم تعد تنطلي على أحد في المدينة مع حلول العام 2018، بعدما إستنفد الحريري كثيرا من شعبيته في تنازلات سياسية غير مسبوقة وغير مبررة، أساءت الى هيبة الموقع السني الأول وأضعفت السنة في لبنان، وأبعدت أقرب المقربين من الرئيس الشهيد رفيق الحريري عنه، كونها تتناقض مع كل الشعارات التي أطلقها منذ إستشهاد والده.
في الشكل بدا مركز الصفدي في طرابلس تحت الوصاية الحريرية، وكان صاحبه النائب محمد الصفدي مجرد ضيف شرف، لم يتسن له حتى الترحيب بضيوفه، فكان شاهدا على إعلان لائحة لا تمت إليه بصلة، وكل ما يربطه بها هو تقديم ما تبقى من دعم إنتخابي لها مرتبط بتصفية حسابات طرابلسية، أو بوعود وزارية مستقبلية، في حين أن الحريري لم يفوّت الفرصة، فوجه التحية الى الصفدي على تبروئه مما أسماه “حكومة الصفر”، الأمر الذي إعتبره كثيرون بمثابة “المدح في معرض الذم”، خصوصا أن الصفدي كان وزيرا للمالية في الحكومة وشريكا أساسيا في الحكم، لم يستقل من منصبه إحتجاحا على “الصفر”، وكان من أشد الرافضين لاستقالة الحكومة.
في الشكل أيضا، إنتقد كثيرون الحريري على الهيمنة التي فرضها على اللائحة الى درجة طمس شخصيتها وهويتها حيث كان من المفترض أن يتحدث أحد المرشحين باسمها أقله لاعلان برنامجها الانتخابي، وذلك مراعاة لرمزية طرابلس وتأكيدا على حضورها الذي تلاشى لمصلحة حضور الحريري، فغابت النكهة الطرابلسية عن اللائحة لمصلحة نزعة تسلطية بيروتية.
أما في المضمون فبدا كلام سعد الحريري بعيدا كل البعد عن الواقع السياسي الذي يعيشه، حيث حاول إسقاط سلوكه السياسي وإخفاقاته على خصومه في طرابلس، فبعد أن إتهم اللواء أشرف ريفي ضمنا بمساعدة حزب الله ضد تيار المستقبل، ورد ريفي عليه بعنف، داعيا إياه الى “سحب أزلام النظام السوري من لوائحه”. غمز الحريري من قناة الرئيس نجيب ميقاتي على أكثر من صعيد الى حدود التجني الواضح، لكن ميقاتي سارع الى رد الصاع صاعين للحريري مذكرا إياه، بليلة 19 كانون الأول 2009 عندما نام الحريري بضيافة الرئيس السوري بشار الأسد في قصر تشرين الرئاسي، بعد جولة لهما في شوارع دمشق في سيارة الأسد، وعشاء ثنائي في أحد المطاعم الدمشقية.
يبدو واضحا أن الارباك الذي يعيشه الحريري يدفعه الى أن يتحدث الشيء ونقيضه الى درجة الانفصام السياسي، حيث يرفع الصوت تحريضا معلنا مواجهة حزب الله، بينما يجلس مع الحزب جنبا الى جنب على طاولة مجلس الوزراء وينسق ويتعاون معه، وصولا الى إعلانه لاحدى المجلات الفرنسية أن حزب الله لم يستخدم سلاحه في الداخل، وأنه لن يشكل حكومة بدونه، ثم يتحدث عن القمصان السود والوصاية السورية، بينما يرشح حليف الرئيس السوري بشار الأسد لرئاسة الجمهورية، ثم يوصل حليف حزب الله المتمسك بتفاهم “الوعد الصادق” الى قصر بعبدا.. كما يعلن العداء للنظام السوري، ثم يوقع مرسوم تعيين سفير لبنان لدى هذا النظام في سوريا.
في حين تعاطى الحريري في كلمته مع أحداث طرابلس وفق قاعدة “كاد المريب أن يقول خذوني”، حيث إعترف بشكل أو بآخر بأن الاستقرار الأمني عاد الى طرابلس عندما شكل الرئيس تمام سلام حكومة بالتعاون بين تيار المستقبل وحزب الله، فتوقفت معارك المحاور عندما عاد المستقبل الى السلطة، وهو الذي نقل كل التوترات الى طرابلس وكانت إشارة إنطلاقها في يوم الغضب بهدف إسقاط حكومة ميقاتي أو توريطها بحمام دم في المدينة. وبحسب كل التقارير، فقد حرض التيار الأزرق سياسيا وشحن مذهبيا ودعم المسلحين وحذر الجيش مرات عدة من إستخدام العنف مع الخارجين عن القانون والمخلين بالأمن، لكن عندما قدم ميقاتي إستقالته لم يعد هناك مبررا لجولات العنف، فجرى تنفيذ الخطة الأمنية”.
وترى أوساط طرابلسية متابعة: “أن ميقاتي لو قبل بوصاية أحد عليه، لكان إستمر الى الآن رئيسا للحكومة، ولما عاد الحريري الى السراي الكبيرة، لكن إنسجامه الكامل مع طائفته ومع الشارع السني، وحرصا منه على هيبة الموقع السني قدم إستقالته، في الوقت الذي تأخذ فيه رموز الطائفة وشارعها على الحريري تخليه عن الثوابت والمبادئ والشعارات للبقاء في رئاسة الحكومة”.
وتقول هذه الأوساط: “إن الحريري يعود الى التحريض في طرابلس بعد غيابه عنها وعن أهلها تسع سنوات، وبعد إقفاله حنفية المساعدات، وإغلاق أبواب كل مؤسساته الخدماتية والصحية، وحرمانها من أبسط المشاريع، في وقت تستمر فيه مؤسسات العزم بالوقوف الى جانب أبناء طرابلس والضنية والمنية وكل الشمال، بدءا بالقطاع التربوي الذي علم الآلاف من الطلاب، مرورا بالقطاع الانمائي الذي رمم الأسواق والمساجد الأثرية والمدارس، وصولا الى القطاع الصحي الذي قدم أكثر من 700 ألف خدمة صحية في العام 2017، ويستمر بوتيرة أكبر في العام الحالي، إضافة الى إنجازات القطاع الاجتماعي على كل صعيد، وسائر القطاعات الحاضرة بشكل يومي الى جانب الطرابلسيين من دون توقف، ومن دون أن يرتبط عملها بالانتخابات”.
يقول أحد القياديين في طرابلس: “إن الحريري لم يكن موفقا في إطلالته الطرابلسية، وإن علامات الارباك والتوتر والخوف من نتائج الانتخابات في هذه الدائرة بالذات، كانت واضحة عليه، ما دفعه الى توجيه الاتهامات الى خصومه السياسيين، متناسيا أن السبب الأساسي لتراجع شعبيته في طرابلس وغيرها من المناطق، هو إخفاقاته وتنازلاته السياسية أمام حزب الله وحلفائه”.
(سفير الشمال)
from تحقيقات – ملفات – شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2GljHQf
via IFTTT
0 comments: