رغم مرور 5 سنوات على حصارها، ونحو 20 يوماً من القصف المتواصل فوق المدينة التي تبعد عن العاصمة السورية دمشق بقليل- تبدو الأوضاع بمنطقة الغوطة غير مشابهة لما وقع في حلب قبل أكثر من عام.
لا تبدو الغوطة 2018 كحلب عام 2016 -التي انسحبت منها الفصائل السورية المسلحة إلى إدلب- في جوانب عدة، لكنها تبدو كالغوطة قديماً؛ فتاريخها كقلعة دمشقية للثورة ضد الانتداب الفرنسي ومركز للثورة السورية الكبرى عام 1925، وحتى كداعم للثورة الفلسطينية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي- جعل حاضرها شبيهاً بماضيها الحافل.
فيم تختلف الغوطة عن حلب حالياً؟
لم يستجب سكان الغوطة المدنيين لإعلان وزير الدفاع الروسي عن فتح ممر إنساني في الغوطة الشرقية يمكنهم المغادرة من خلاله، ورفض كثيرون منهم تكرار سيناريو التهجير بالباصات الخضراء في حلب.
لكن، هناك أسباب مختلفة تجعل الغوطة مختلفة عن حلب؛ فمساحة الغوطة الإجمالية، بقسميها المتصلين وهما الغوطة الغربية والغوطة الشرقية، تبلغ نحو 120 كم مربع، وتحيط بمدينة دمشق من الشرق والغرب والجنوب.
وتقع أغلب أراضي الغوطة بأيدي فصائل الثورة السورية، ورغم أنها مشمولة باتفاقية خفض التصعيد، فإن القصف الجوي والمدفعي المكثف لم ينقطع عنها، وفشلت محاولات التقدم التي قامت بها قوات النظام السوري مدعومة بالطيران الروسي والميليشيات؛ بسبب التحصين الشديد لفصائل المعارضة، وأكبرها فيلق الرحمن وجيش الإسلام وحركة أحرار الشام، ولم يدخل تنظيم “الدولة الإسلامية” قط للغوطة الشرقية، وسبق لفصيل جيش الإسلام أن شن حملة لإنهاء وجود النصرة “هيئة تحرير الشام” من مناطق الغوطة.
ويبلغ عدد سكان الغوطة التي تعاني الحصار منذ 2013، قرابة 400 ألف مدني، في مقابل قرابة 40 ألف مدني بحلب في أوقات الحصار الأخير، وتعد الغوطة أكبر تهديد يواجه النظام السوري بالعاصمة دمشق.
وتُغذي الغوطةَ بساتينُ خضراء، تعتمد على مجموعة من الأنهار الصغيرة المتفرعة من نهر بردي، وتتنوع طبيعة أراضيها بين الجبال والبساتين والأشجار التي تحيط بالعاصمة دمشق، وتضم مدن مثل دوما وزملكا وسقبا وعربين ومسرابا وحرستا، وكان عدد سكانها مع بداية الثورة مليونين و200 ألف إنسان.
“عرين الأسد” و”التنظيف المعاكس”.. تشكيلات الغوطة الثورية قديماً
“ولم تجد القيادة الفرنسية طريقة لسحب حملاتها التي استعصى عليها الخروج من قلب الغوطة، إلا بحرق الغوطة نفسها على طريقة (عليَّ وعلى أعدائي).
وكان قائد الثورة السورية، سلطان الأطرش، على علم بأمر الحملات على الغوطة، فأرسل نجدة ثورية لدعم مقاتلي الغوطة، فوقعت القوات الفرنسية بين نارين، وأُحيطت بنيران الثوار من الأمام والخلف، مما جعل القيادة وقد غامرت بكل أسهمها في هذه الضربة الفاشلة، أن تضحي بجنودها أيضاً لتتخلص من الثوار، وكان أن انسحبت (عقبان الغابة بعد أن خربت أعشاشها) جنوباً، لتواصل الثورة تقدُّمها”.
هكذا وصف فارس زرزور، الأديب والمؤرخ السوري، معركة الغوطة مع الاحتلال الفرنسي، في بحثه الشهير “معارك الحرية في سوريا”، ولم يكن وصف زرزور بعيداً عن الواقع؛ ففي ربيع 1925، كان تعداد الثوار الموجودين في الغوطة نحو 1000 ثائر، منقسمين إلى تشكيلات عصابية وثورية تجمعها قيادةٌ منظَّمةٌ واحدة، وعجزت التجريدات والحملات الفرنسية عن النيل من هذه التشكيلات الثورية أو معرفة طرق تموينها.
وكان أشهر هذه العصابات الثورية، عصابة الشيخ محمد الأشمر من أهالي الميدان، وعصابةحسن الخراط من أهالي الشاغور، وعصابة مسلم وردة من حي الأكراد، وغيرها، وبعد فشل التجريدات الفرنسية بدأ الاستعداد لحملة سرية على الغوطة؛ لتطهيرها من الثوار.
“الزور” الأولى والثانية.. حينما انتصر ثوار الغوطة على حملتين فرنسيتين
وبسبب عجز القوات الفرنسية عن التوغل إلى الغوطة، قامت بتطويقها بالتحصينات، وأحاطت تخومها بشبكة من الألغام “مصائد متفجرة” والأسلاك الشائكة، في حصار على المنطقة المشتعلة بالثورة.
وكانت أول هزيمة لحقت بالفرنسيين في صيف 1925، فقد أرسلوا حملة صغيرة لإخضاع الثوار، وما إن وصلت الحملة لقرية المليحة حتى انقض عليها الثوار وجرَّدوها من خيولها وأسلحتها وعتادها، ثم تركوا افرادها يعودون إلى قيادتهم سيراً على الأقدام، من دون إراقة دماء، وسُميت هذه الموقعة “واقعة الزور الأولى”.
وفي السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1925، جرَّد الفرنسيون حملة كبيرة من 8 آلاف مقاتل، معززة بالمصفحات والمدفعية، وترك الثوار هذه الحملة تتورَّط في منافذ وطرق الغوطة الملتوية، ثم انقضوا عليها بكمين، فقتلوا معظم أفراد الحملة واستولوا على أسلحتهم المتطورة، التي استخدموها لاحقاً في معاركهم، وسميت هذه المعركة “معركة الزور الثانية”، وحدثت بعد هذين المعركتين سلسلة من المعارك بالغوطة، جرت في وادي برزة وجوبر والقابون ويلدا وبيلا وداريا، كما نقل فارس زرزور في كتابه.
الحملة الأخيرة وكسر الحصار عن الغوطة
في يوليو/تموز 1926، استقدمت السلطات الفرنسية جيوشاً ومعدات جديدة للهجوم على الغوطة بعد أن فرغوا من معارك جبل الدروز. وبسرية بالغة، أخذت القوات الفرنسية في الاقتراب من نقاط متفرقة -موضَّحة بالخريطة- على هيئة 5 تجريدات عسكرية -موضَّحة بالمخطط- وفي مساء يوم التاسع عشر من الشهر ذاته، كانت قد استقرت عند تخوم الغوطة، لكن المفاجأة لم تستمر طويلاً، فقد هجم ثوار الغوطة على تجريدة برزة وتجريدتي الشفونية ودير الحجر.
وفي اليوم العشرين، بدأ الالتحام بجميع الجبهات، ونجحت المدفعية الفرنسية في حرق القرى وبساتين الغوطة، لكنها فشلت في التقدم البري، وانسحبت بخسائر كبيرة بعد أن حاصرها الثوار من داخل الغوطة ومن المدد الذي أرسله قائد الثورة السورية سلطان الأطرش.
حسن الخراط.. حارس الغوطة
يعد حسن الخراط من أهم قادة الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي على سوريا، فرغم أن أول مجموعة مقاتلة شكَّلها، كانت من حيِّه “الشاغور”، الذي كان يعمل حارساً ليلياً فيه، فإنه انتقل لحراسة الثورة الوليدة في الغوطة.
فبعد تواصل الخراط في 1925 مع نسيب البكري وعبد الرحمن الشاهبندر من وجهاء دمشق وقادة الثورة، انتقل لقتال الفرنسيين في بلدة المليحة بغوطة دمشق، وانتصر عليهم وغنم خيولاً وأسلحة في معركة الزور الأولى والزور الثانية التي أسقط ثوار الغوطة طائرة فرنسية فيها، وأصيب الخراط بكتفه.
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 1925، قاد الخراط هجوماً كبيراً ضد الجيش الفرنسي في دمشق، انطلاقاً من الغوطة الشرقية التي كانت مركز عملياته، واستمر بعدها في الإغارة على مواقع الجنود الفرنسيين حتى حاصروه في بستان الذهبي بإحدى قرى الغوطة الشرقية، وقُتل بالقصف في 25 ديسمبر/كانون الأول عام 1925.
فوزي القاوقجي.. من الغوطة إلى الثورة الفلسطينية وجيش الإنقاذ
وغير بعيد عن الخراط، جاء للغوطة فوزي القاوقجي الضابط السوري العثماني زعيم الثوار في حماة، والتحق في بداية حياته الثورية بقيادة النضال ضد الاحتلال الفرنسي من غوطة دمشق.
فبعد أن أسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة العمل في الغوطة، استطاع تحقيق انتصارات على الاحتلال الفرنسي انطلاقاً منها، لكنه اضطر إلى الانسحاب بعد خسارة الكثير من رجاله.
وبعد رحلات لعمّان والقدس وتركيا والقاهرة والسعودية في نهاية عشرينيات القرن العشرين، كلفه زعماء الثورة الفلسطينية قيادة متطوعين بالثورة الفلسطينية 1936، واستقر في نابلس وجنين، وأصبح قائداً عاماً للثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني.
وفي عام 1947، تولى قيادة جيش الإنقاذ العربي بتكليف من جامعة الدول العربية، وخاض معارك ضد القوات الصهيونية، أشهرها معركة المالكية في 6 يونيو/حزيران 1948، لكنه استقال وانسحب تدريجياً من الأحداث، وعاد لدمشق غاضباً من تباطؤ المسؤولين العرب عن مساعدته.
هاف بوست عربي | عماد إبراهيم
from تحقيقات – ملفات – wakalanews.com http://ift.tt/2FbzZev
via IFTTT
0 comments: