Monday, March 19, 2018

ميقاتي وطرابلس.. معركة انتخابية بأبعاد وطنية

لأسباب عديدة تكتسب معركة طرابلس الانتخابية أبعاداً مهمة تتجاوز في رمزيتها المقعد النيابي لتطال أموراً أكبر وأوسع دلالة ورمزية. في إعلان الرئيس نجيب ميقاتي أمس لائحته لخوض الاستحقاق النيابي عن دائرة الشمال الثانية التي تضم طرابلس والضنية والمنية والمقرر إجراؤها في 6 أيار المقبل وفي كلمته بالمناسبة ما يعبر عن هذه الأبعاد، ويرتقي بالمعركة من مزايدات شعبوية مكررة إلى جعلها برامج تحاكي هواجس الناس وتطلعاتهم وأحلامهم.

ميقاتي: السياسة تساوي القيم

لا يفصل الرئيس ميقاتي في ممارسته للعمل السياسي والعام، بين تفاصيل الملفات والقضايا والمسائل التي يضجّ بها المشهد الداخلي، وبين القيم الكبرى التي اعتاد أن يقارب بها الشأن الوطني، فالسياسة والشأن العام عنده التزامٌ وثبات وتأسيسٌ قبل أن تكون مناورات وردات فعل وخطاب عاطفي، وهو ما عكسته كلمته خلال إعلانه “لائحة العزم” والتي تشكل في مجموعها عناوين ضرورية لمقاربة رؤيته للمعركة الانتخابية ونتائجها المرتقبة.

وبانتظار أن يكتمل المشهد الانتخابي، تحالفات ولوائح، وفي ظلّ تعاظم مؤشرات العجز والفشل في كلّ الملفات والقضايا والاستحقاقات لقوى السلطة، وإمعان هذه القوى في إغداق الوعود بحلول سحرية إذا ما أعيد انتخابها، وسط هذه الصورة بدت لافتة مجموعة المواقف – الرسائل التي أطلقها الرئيس ميقاتي في المناسبة.

معركة استعادة القرار

ولأن طرابلس في رمزيتها وتاريخا وحاضرها في الأساس، ولأن الذاكرة الطرية جداً لم تنس بعد، ذكّر ميقاتي بما “عانيناه لسنوات من وضع القرار الطرابلسي تحت وصاية المركزية السياسية التي لم تكن طرابلس والمنية والضنية في سلم أولوياتها، قررنا هذه المرة ان نقلب المعادلة”، ‪مع ما يتطلبه ذلك من تصويت جدي، صادق وفاعل يمكّن من “تكوين قوة، فاعلة، متجانسة، قوة تغييرية.. ولنمد يدنا الى كل من يشبهنا في كل لبنان من أجل التعاون لاستنهاضه من أزماته وللسير به إلى بر الامان”.

تغييب طرابلس عن المشهد الوطني قد يكون في أساس المعركة، وهو أمر ليس بالتفصيل الهامشي قياساً على الحراك الذي شهده لبنان خلال السنوات الأخيرة من خلال سعي أحزاب وقوى سياسية لتعزيز مركزية مدن ومناطق والعمل على جعلها مراكز اقتصادية وسياحية وخدماتية، فكيف بمدينة هي “عاصمة” بكل المعاني والمعايير، وتتمتع بكفاءات ومقومات في الماضي والحاضر. هنا يفهم قول ميقاتي إن “رؤيتنا هي العمل على تبديل الواقع لاعادة طرابلس عاصمة الوطن الثانية قولا وفعلا بعدما تعرضت لتهميش ممنهج وتعطيل مقصود واستعمال في بازارات سياسية محلية وساحات غضب مشؤومة بوجه فتنوي تحريضي لعب على إثارة الغرائز مما تسبب بادخال الكثيرين من ابنائنا الى السجون”. إذن، ثمة حقّ جرى التنكر له والمطلوب العمل سريعاً وجدياً لاستعادة، لطرابلس وأهلها “الحق في الحرية والكرامة، الحق في تأمين التعليم والخدمات الصحية وفرص العمل، الحق في العدالة والمساواة”، وبحسب ميقاتي لتحصيل هذه الحقوق “نخوض معركة إثبات الذات التي لا تحتاج وصيا ولا كفيلا ولا مقررا من خارج المدينة”.

تهميش المدينة لسنوات، وبقرار مركزي يستدعي استنفاراً بحجم المعركة، وتحديداً وبـ “العربي المشبرح” قال ميقاتي أمس لأهالي طرابلس والضنية والمنية “يلي بحق لغيرنا بدو يحقلنا والمشاريع يلي عم تتنفذ بغير مناطق بدها تتنفذ عنا، ولح روح ابعد من هيك وقول طرابلس والشمال مش صندوق اقتراع منستعملو غب الطلب. طرابلس لأهلا وهيي بقلبنا وعقلنا. هيدا قرارنا وبهل البلد ما حدا احسن من حدا”، وليس أوضح من هذا الكلام ليفهم من كان له عقل أن الكيل طفح، وأنه ما عاد مسموحاً استخدام المدينة في بازارات السياسية ثم التنكر لها عند تقسيم المغانم وتوزيع المشاريع.

خيار الوسطية والاعتدال

وكما في كل مفصل واستحقاق، لا يكلّ الرئيس ميقاتي من إعلان التمسك بالثوابت التي ارتضاها عنواناً لسلوكه السياسي، وباتت تشكل عنواناً لعمله الوطني، حتى وإن كانت من النوع الذي لا يستثير الغرائز. وهنا كانت إشارته إلى “أن لائحة العزم لائحة الوسطيّة القويّة المُناهضة للمزايدة أو الشعبوية. إنها لائحة الرؤية الثابتة المنطلقة من قناعة تجنيب لبنان دفع فاتورة صراعات المنطقة”. وليس أصدق من نهج “النأي بالنفس” الذي “تردده السلطة كلازمة وحيدة تشكل منطلقا أساسيا لسياستها”، بحسب ميقاتي “بعدما قبضنا على الجمر لحماية لبنان ورغم تعرضنا لكل انواع الظلم والافتراء فاذا بالظلم والافتراء يرتد عليهم، في حين كان مطلوبا من الجميع العمل على ارساء نهج الاتزان في التعاطي الذي نادينا به والقائم على التبصر والحكمة تحت سقف اتفاق الطائف واحتساب الخطوات وتأثيرها بدل رفع السقوف ثم التدحرج نزولا إلى ما دون كل السقوف”.

عن طرابلس القضية

لذلك تألفت “لائحة العزم” بعناية ودقّة، “لتجمع “العزم” والخبرة والقدرة والالتزام في كافة الاختصاصات والحقول والمجالات التي تحتاج اليها وتستحقها عن جدارة”، وهي بشهادة ميقاتي “تجمع حكمة الكبار وعزم الشباب ونبض طرابلس، وعزة طرابلس، وشموخ الضنية وعنفوان المنية”. تستحق طرابلس فريق عمل نيابي يحمل برنامج إصلاح وتنمية متكامل، في الاقتصاد والخدمات والصحة والبيئة، تستحق سريعاً تحريك ملف شركة “نور الفيحاء” الموضوع في الأدراج بقرار سياسي كيدي، وتستحق السعي لتشجيع الاستثمار وتفعيل المرافق كافة”.

باختصار تستحق طرابلس، كما أعلن الرئيس ميقاتي أن “نناضل من أجل قيام مشروع سياسي نهضوي حقيقي قائم على: الوسطية بدل التطرف، الحوكمة بدل التحكم والفساد، العمل المؤسساتي بدل الشخصنة، التنمية بدل الهدر والانكماش الاقتصادي وتنامي الدين، المواطنة بدل التقوقع والتشرذم، النأي بالنفس الفعلي عن صراعات المنطقة الهدّامة بدل الالتحاق بنيرانها وتداعياتها السلبية لقد حان الوقت لوقف مفاعيل حقبة انحلال دولة الاستقلال لصالح دولة المذاهب والميليشيات ودولة المحاصصة المبنية على التوافقية الواهمة”، والمدخل لكل ذلك قرار قد يكون صغيراً في شكله، لكنه كبير، وكبير جداً في دلالاته وتأثيراته وهو الاقترع بكثافة لايصال فريق عمل متجانس إلى الندوة النيابية، لا مجال في هذه المعركة للحسابات الخاطئة، أو التقاعس أو الاتكال، فمن يقصر اليوم لا يحق له غداً أن يلقي باللوم على هذا أو ذاك.

طرابلس ما كانت يوماً، في أهلها ومزاجها وثقافتها وبيئاتها، بيئة للإرهاب أو الرفض أو الانفصال، بل حاضنة للوسطية وللعروبة ومنشدّة للقضايا الوطنية والقومية، وواحة للعلم والتقوى، وهي تستحق الأفضل. تستحق الوفاء والإخلاص، وتستحق كباراً يعملون لأجلها. وإذا كانت الحقائق تؤكد، وفق المتنبي، بأنه “على قدر أهل العزم تأتي العزائم”، فإن ترجمة ذلك أنه “على قدر الكرام تأتي المكارم”، وموعد 6 أيار لناظره قريب.

احمد الزعبي



from تحقيقات – ملفات – wakalanews.com http://ift.tt/2pnsaIR
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل