Thursday, February 22, 2018

بعد ضريبة الدم الباهظة: أهالي دمشق يستعجلون الجيش حسم معركة الغوطة الشرقية

لم يعد أهالي دمشق يطيقون تحمل فاتورة الدم الباهظة التي تدفع يومياً من أجساد أطفالهم. القصف الهمجي للمدارس والشوارع المزدحمة على مدار الساعة ساهم في ارتقاء عدد كبير من الشهداء والجرحى. الباحثون عن لقمة عيش أطفالهم يجدون أنفسهم لقمة سائغة أمام وحش الإرهاب الأعمى الذي يفتك على غير هوادة يمينا وشمالا، ما جعل الأهالي يرفعون الصوت مطالبين الجيش السوري بالحسم السريع وإعادة الأمور إلى مربع الأمان الأول.

أمطار دمشق السوداء

على غير عهدها تبدو دمشق هذه الأيام، فالمدينة التي اعتادت الحياة بين ألغام الموت المتفجرة على غير موعد، تبدو وكأنها قد استعادت “رهبتها الأولى” حين أقفل الناس على أنفسهم البيوت في الأيام الأولى للأزمة خوفاً من “المجهول” القادم، على جناح ما يبيّته الغرب والعربان حينها للبلد المقاوم.

في الآونة الأخيرة وبعدما دأب الإرهابيون على استهداف العاصمة بعدد غير مسبوق من القذائف على مدار الساعة، عاد الناس إلى امتهان “اليقظة الشديدة”، ولم يعد بإمكان وزارة التربية أن تكابر أكثر، فأصدرت التعليمات بتعطيل المدارس اثر ارتقاء عدد من الطلاب أثناء خروجهم من الصف في لحظة الاكتظاظ الشديد التي جاءت على مقاس “شهوة الدم” لدى الوحوش الكاسرة في الغوطة.

“كتيبة نسائية” ظهرت في فيديو عرضته إحدى القنوات التابعة للمجموعات المسلحة، أظهر قيام ما يسمى بـ “المجاهدات في الغوطة الشرقية” باستهداف “الحواجز العسكرية” في دمشق، ليتبين لاحقاً بأن هذه الحواجز العسكرية لم تكن سوى دار الأسد للثقافة والفنون “الأوبرا السورية”. بدا الأمر منطقياً للغاية، فاستهداف المؤسسات الثقافية يليق بالإرهابيين.

دخلنا إلى دار “الأوبرا” حيث طغى مشهد الدم على كل شيء وفاحت رائحته أقوى حتى من رائحة الدخان المتصاعد نتيجة صواريخ الإرهابيين. قد تتعجب لدى رؤية موظف يداوم مرتدياً “بيجامة رياضة”، لكن سرعان ما يختفى هذ الانطباع حين تراه يهرع لإنقاذ مديرته في العمل التي أصابها صاروخ مزق جسدها وهي تهم بالدخول إلى مكتبها. لحظة عودته من الإسعاف اكتشف أحمد كمية الدم الهائلة على ثيابه، فبادر إلى خزانة مكتبه ليخرج بيجامة المناوبة بعدما غسل ثيابه من دماء لم “يغسل المجرمون”، بل “لم تغسل المجرمات” أيديهن منها بل تباهين بذلك وعلى شاشات التلفزة.

الأهالي يناشدون: ليحسم الجيش المعركة

لم يخرج أحمد من صدمة الجريمة، هرع إلينا كمراسلين صحافيين، غاضبا ومطالبا بأن نوصل صوته “صوت الجميع هنا”. وليقول للقيادة “لم يعد الأمر محتملاً، يجب على الجيش أن يحسم، فهل يعقل أن تبقى مجموعة من الإرهابيين المرتبطين بالسعودية و”اسرائيل” على مقربة منا في الغوطة كي يتحكموا في حياتنا اليومية!”. وكأن الشاب الغاضب قد مس بكلامه هذا الوجع الكامن في نفوس زملائه فراحوا جميعاً يخرجون من نفوسهم حمماً متفجرة. “يجب اقتلاع إرهابيي الخليج من هنا” يقول أحدهم. ويضيف آخر “نحن لا نخشى على أنفسنا ولكننا نخشى على أطفالنا الذين يستهدفهم الإرهابيون لحظة خروجهم من المدارس”. ولقد أصاب هؤلاء، فلم نكد نخرج من دار “الأوبرا” حتى كانت الأنباء قد وصلت عن قيام الإرهابيين باستهداف مدرسة “دار السلام” وسط العاصمة دمشق حيث أصيب عدد من الأطفال هناك.

كان ذلك قبيل قيام وزارة التربية والتعليم في سوريا بتعليق الدوام في اليوم التالي، ما انعكس على المدارس الخاصة التي عممت الأوامر ذاتها لحين “اتضاح الصورة وهدوء الأوضاع”. لكن هدوء الأوضاع يحتاج إلى “ضجيج المدرعات العسكرية السورية المتوجهة نحو الغوطة” تقول ميساء، طالبة الجامعة التي سقطت قذيفة الهاون على مقربة منها حين كانت تنتظر صديقتها ميرنا.

في أحياء العمارة والقصاع وباب توما وحي الامين بدمشق، تبدو الأوضاع أكثر مأسوية. حتى تحرك المواطنين داخل غرف بيوتهم بات يحسب له حساب. الناس هناك افترشت الأقبية أو الصالونات الضيقة كي تنجو من القذائف. يروي بولس لـ موقع “العهد” كيف فرش الصالون في البيت الضيق وألزم زوجته بأن تجلس ابنها الرضيع في حجرها وألا تذهب به خارج الكاريدور الضيق الذي يشكل أكثر مناطق البيت الصغير أمانا. تضجر زوجته ليلى قليل ، لكنها سرعان ما تستعيد هدوءها حين يستحضر بولس أمامها ما جرى: “ألا تذكرين ما جرى مع الياس حين خرج للحظة واحدة إلى شرفة المنزل كي يطعم العصافير؟ ألا تعتبرين بحال جبور وزوجته كاترين الذين رضخا لرغبة طفلهما جورج بالخروج للعب قليلاً في الحديقة حين اعتقدا أن الإرهابيين قد اكتفوا بما أطلقوه من صواريخ على باب توما؟ هل تريدين أن نعيش حياتنا في مناحة دائمة وحزن لا ينقضي؟”. وقبل أن يسترسل بولس في سردياته المفجعة تومئ ليلى بعيونها موافقة ومعتذرة عن “احتجاجها السابق” الذي كان يمكن أن يكلف العائلة الكثير.

تعيش دمشق اليوم على حافة الترقب. لكنه الترقب المفتوح على الأمل باستعادة مستدامة للهدوء والسكينة رغم اليقين بأن الأيام التي ستتزامن مع العملية العسكرية المرتقبة للجيش السوري في الغوطة ستكون صعبة ومكلفة، لكنها وكما يقول الدمشقيون “ضريبة القلق” التي لا بد من دفعها للوصول إلى الإستقرار النهائي.



from أخبار رئيسية – wakalanews.com http://ift.tt/2F0ZPkN
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل