من الثابت حتى اليوم أن لبنان لم يصل بعد الى مرحلة الاستقرار السياسي الثابت المستمر والذي وضعت دعائمه وثيقة الوفاق الوطني بسبب إمعان بعض القوى السياسية في ترك مفاصل الدولة تحت وطأة الاستحكام الخارجي فاتحة بذلك “شق” في باب الفوضى يتغلغل ممن خلاله عند كل فرصة، السلوك الطائفي المذهبي للانقضاض على ما تبقى من السلوك الوطني وركائزه.
فما حصل في الأيام الأخيرة وما استتبعه من قراءات ومواقف وردود أفعال أعطى إشارات الى أن صلاحية مساحيق التجميل انتهت، وعلى أي حال لم يعد هناك من حاجة لستر النوايا والمداراة. وهذا ما بدا واضحا في الجولات الاخيرة التي شهدها العهد الجديد عبر التسلل التدريجي للتيار الوطني الحر خارج سرب 8 آذار، وتجليات ذلك برزت بالاتفاقيات الجانبية التي ابرمت بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل شملت ملفات الغاز والنفط والكهرباء، الى توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري مرسوم ترقية العشرات من ضباط الجيش الموالين لعون بمعزل عن توقيع وزير المال بما له من ضلاحيات، الى تصريح باسيل عن حق شعب “العدو الاسرائيلي” بالعيش بسلام، وصولا الى تطاول محطة الـ OTV على أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على خلفية دعوته لمنع عرض فيلم ” The Post”، ومؤخرا تعرض باسيل الى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
على أهمية ما تحمله المرحلة الراهنة من دلالات تؤشر الى اهتزاز عقد فريق 8 آذار في مصير يبدو مشابها لمصير عقد فريق قوى 14 آذار، الى ان ما حصل مؤخرا بين حركة أمل والتيار الوطني الحر سواء على مستوى القيادة او على مستوى القاعدة يتجاوز بأهميته الاهمية التي قد يرتبها انفراط عقد الثامن من آذار الى ما هو مرتبط بخلط اوراق جديدة للواقع السياسي في لبنان وتحالفات القوى فيه حيث من المرجح ان تشهد الساحة اللبنانية انعطافة سياسية جديدة ناتجة عن فك ارتباط بين قوى معينة والتأسيس لتحالفات استراتيجية بمناخ مختلف ينسجم مع السياسة الاقليمية والدولية للمحيط لاسيما في رؤيتها لدول الشرق الاوسط.
وفي هذا المجال فان صفارة الانطلاق بدأت من دار التيار الوطني الحر بشخص رئيسه الوزير جبران باسيل متظللا برئيس قوي تمكن من دوزنة العديد من المحطات الصعبة منذ توليه رئاسة الجمهورية وكان آخرها استعادة “الحريري” من السعودية وسحب الاستقالة من جيبه، فتلك المحطة شكلت نقطة التحول الاساسية والمؤشر الابرز على سياسة التيار البرتقالي الجديدة كاشفة بذلك عن رؤيا مختلفة لسياستها مسترجعة بذلك حقبة التسعينات حيث شكل حينها مصطلح “الاحباط المسيحي” اللازمة التي طبعت واقع الطائفة المسيحية السياسي، فكان ذلك سببا في انقسامهم الى فريقين، فريق يجد في التحالف مع الاقليات المسلحة في حينها حماية له من القوى الاسلامية المتطرفة مدعوم من النظام السوري والاحزاب الشيعية وعلى رأسهم حزب الله، وفريق آخر جنح باتجاه القومية العربية المطعمة بالليبرالية وعلى رأسها القوى السنية المعتدلة الساعية الى تعزيز دور الدولة اقتصاديا وماليا. الا ان هذا الانقسام بقي محكوما بالهواء السوري نتيجة لاحتكام جميع القوى السياسية في حينها بالسلوك السياسي للنظام السوري وذلك ابان عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد التي تأرجحت سياسته بين المد والجزر، يحكمه في ذلك علاقته بالقوى الخارجية، حيث لم يصل حينها الى مرحلة يحسم فيها قراره بين ان يمضي في محور الانقضاض على العدو الاسرائيلي الى جانب حزب الله وحلفائه ومقاومته او الانخراط في المحور الاميركي السعودي وحجز مقعد له سيما في مرحلة فتح طاولة المفاوضات المرتبطة بالقضية الفلسطينية.
اليوم، يبدو ان رئيس التيار البرتقالي يمر في مرحلة من المد والجزر في تحالفه مع القوى الشيعية لم تتبين وجهتها النهائية بعد وإن المؤشرات الاخيرة التي حملها سلوكه توحي بمعطيات معينة قد تدفع به الى التنصل التدريجي من الالتزام بوثيقة التفاهم مع حزب الله. بالطبع هذا المناخ ليس بعيدا عن عدة تسريبات تناولت التسويات التي تحاك على المستوى الفلسطيني- الاسرائيلي والدور الذي يطلع به لبنان لهذه الناحية وذلك على حد تعبير احد المسؤولين في زيارة الى الرياض. أضف الى ذلك اعلان السلطات الاميركية مؤخرا استعدادها لدعم الجيش اللبناني ليصبح قوة منافسة ورادعة لرغبة حزب الله في توسيع نفوذه في لبنان ومنع وصول ايران اليه، وفق ما جاء في كلمة للسفير الاميركي السابق في لبنان “دايفيد ساترفيلد” في مؤتمر له في ” تل أبيب”.
(ميرفت ملحم – محام بالاستئناف)
ميرفت ملحم -خاص “لبنان 24”
from تحقيقات – ملفات – wakalanews.com http://ift.tt/2FEUaxj
via IFTTT
0 comments: