وصلت الأزمة التربوية إلى طريق مسدود، واستعر الخلاف بين نقابة المعلمين من جهة والمؤسسات التربوية من جهة ثانية، فدفع الطلاب ثمنه تعطيلاً لمدة ثلاثة أيام متتالية بدءاً من اليوم، في حين أنّ ذويهم يشكّلون الحلقة الأضعف والضحية الأكبر في الكباش التربوي، بحيث يتكبدون الأثمان في جميع الحالات، ففي الخلاف يُحرم أولادهم من التعليم، وفي حال الإتفاق يدفعون الثمن زيادةً في الأقساط، وهم العاجزون عن تحمل نفقات إضافية.
مَنْحُ المعلمين حقوقهم بالدرجات الست المنصوص عنها في القانون رقم 46 شكّل محور التباين بين نقابة المعلمين والمدارس الخاصة، التي اعلنت عدم قدرتها على تحمل عبء هذه الدرجات. عمق الأزمة التربوية دفع بكركي للبحث عن مخرج ينقذ العام الدراسي، فدعا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي للقاء تربوي موسع، وبنتيجته صدر بيان ختامي بإلتزام ادارات المدارس الخاصة بتطبيق سلسلة الرتب والرواتب وفق الجدول 17 من دون الدرجات الست، مطالبين الدولة بتحمل كلفة هذه الدرجات.
اللقاء كما بيانه الختامي استفزّ نقابة المعلمين التي استُبعدت عنه، واعتبر رئيسها رودولف عبود أنّه تمّ الأخذ بوجهة نظر واحدة ممثلة بإدارات المدارس الخاصة، وكان ردّ المجلس التنفيذي للنقابة بتأكيد الإضراب لمدة ثلاثة أيام، والطلب من المعلمين عدم توقيع أيّ بيان رسمي لا يتضمن الدرجات الست، واعتبرت النقابة أنّ البيان الصادر عن لقاء بكركي أتى مكملاً للبيانات السابقة الصادرة عن اتحاد المؤسسات التربوية وإنّما بغطاء ديني وطائفي موسّع، مشيرة إلى أنّ إدارات المدارس ومنذ خمس سنوات تزيد الأقساط بحجة الزيادات التي ستترب على سلسلة الرتب والرواتب.
تفاقم الأزمة بين أركان الجسم التربوي بات يهدد العام الدراسي، فهل التعويل على على الدولة في محلّه ؟ وهل سيتمكن لقاء بكركي من دفع الحكومة لعقد جلسة تربوية وهي الغارقة بصراع لا يقل وطأة بين مكوناتها؟
أمين عام مدارس “العرفان التوحيدية” الدكتور الشيخ سامي أبي المنى وفي اتصال مع “لبنان 24” أوضح أنّ لقاء بكركي هدف إلى إطلاق نداء حيال حجم الأزمة التربوية، علّ الدولة تستشعر خطورتها لاسيّما وأنّها الجهة التي أوجدت المشكلة بإقرار قانون غير عادل وغير مدروس، وأوجز أبي المنى جوهر الأزمة قائلاً “الزيادة التي أقرّها القانون وفي عام واحد تجاوزت قدرة المؤسسات التربوية على تحمّلها، ولو أنّ الزيادة اقتصرت على سلسلة الرتب والرواتب مع غلاء المعيشة لكانت نصف مصيبة، ولكن أن تترافق السلسلة مع إعطاء ست درجات ففي الأمر معضلة كبيرة، ونحن ندرك وجوب تحسين وضع المعلمين بما ينعكس إيجاباً على وضع التلاميذ، ولسنا بحاجة إلى محاضرات من هذا أو ذاك في هذا المجال، ولكن المشكلة أنّ نقابة المعلمين تسلّحت بالقانون من دون الأخذ بالإعتبار تداعياته السلبية، رافضة محاولات استيعابه عبر التجزئة، وقَبِل المعلمون بوضع السيف على رقاب المؤسسات التربوية وعمدوا إلى محاربتها، ووضعوا أنفسهم بموقع المنتصر،في المقابل تحمّل أعباء السلسلة سيؤدي إلى زيادة في الأقساط، في حين أنّ الأهالي وعند صدور قانون السلسلة كانوا قدّ سجّلوا أولادهم، وبالتالي يتعذر عليهم تبديل مدارس أولادهم في منتصف العام الدراسي، وكذلك يكون قد حصل الإرتباط مع الهيئة التعليمية ويتعذر حل أيّ عقد”.
وزير التربية كان قد دعا الحكومة مراراً لعقد جلسة حكومية تربوية، وقاطع الجلسة السابقة اعتراضاً على عدم تخصيص جلسة للملف التربوي من دون أن يلقى تجاوباً، فهل من معلومات عن الجلسة الموعودة؟ وأي دور يفترض أن تؤديه الحكومة؟
يجيب الشيخ أبي المنى “قمنا بجولة على المرجعيات، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون أشار إلى وجوب أن تتحمل الدولة جزءاً من المسؤولية، وتفاءلنا بإمكان عقد جلسة للقطاع التربوي بحيث تساهم الدولة بتحمّل التكلفة المالية، وكذلك كان رأي غبطة البطريرك الراعي الذي عقد سلسلة اجتماعات على مدى أيام مع مكونات الأسرة التربوية، وكانت الدعوة لتتحمل الدولة تكلفة الدرجات الست”.
وعن تصوره للحل رأى أبي المنى أنّ الدولة خلقت مشكلة بالقانون 46 وعليها أن تساهم بالحل، فيتحمل كلّ فريق معني جزءاً من المشكلة “فنحن مع إعطاء الأساتذة حقوقهم ولكن من خلال مساهمة الدولة، وبينما نتشاور في المشكلة بأسلوب هادىء وراقي يردّون بالإضراب والصوت المرتفع”.
وعن المعلومات حول عقد هذه الجلسة أوضح أبي المنى أنّهم كانوا قد وُوعدوا بها قبل نهاية الشهر الماضي، ولكن الظروف السياسية حالت دون البحث بالموضوع، “ونأمل أن تعقد في المدى القريب وأن تثمر مشروع قانون يُرفع إلى المجلس النيابي لتعديل القانون الجائر أو تنفيذه، بطريقة تمكّن المؤسسات من تحملها وفي الوقت نفسه لا تحرم المعلمين من حقوقهم ولا تظلم الأهالي”.
وعن مسألة تقسيط الدرجات أوضح أن وزير التربية كان قد طرح مسألة التقسيط على مدى ثلاث سنوات، “ومطلبنا ألا يرفق تقسيط الدرجات بمفعول رجعي، وإلا يبقى العبء نفسه”.
أبي المنى أوضح أنّ مدارس العرفان غير معنية بالإضراب، كما أنّها لم تواجه هذه المشكلة بعد، وكذلك معظم المدارس في الشوف غير ملتزمة بالإضراب، أمّا في بيروت وسائر المناطق فعلم “لبنان 24” أنّ الإلتزام بالإضراب تفاوت بين المدارس، ففي حين إلتزمت بعض المدارس، فتحت أخرى أبوابها كالمعتاد، وأوجدت مدارس أخرى حلّا وسطياً بالإلتزام بالإضراب في اليوم الأول منه فقط، مع الإشارة إلى أنّ بعض المدارس بدأ بتنفيذ القانون 46 وفرض بالمقابل زيادات على الأقساط.
يبقى الخوف ألاّ تشكل الأزمة التربوية أولوية حكومية رغم خطورتها، في ظل تخبّط المكونات الحكومية بأزماتها، وحاجتها كما مكونات الجسم التربوي إلى من يعالج خلافات أركانها التي تتخطى البعد المادي إلى أبعاد أكثر خطورة.
نوال الأشقر- خاص “لبنان 24”
from تحقيقات – ملفات – wakalanews.com http://ift.tt/2Ei5B0U
via IFTTT
0 comments: