استلزم البيان الذي صدر عن رئيس الجمهورية بالأمس مروحة واسعة من المشاورات، وهو أتى نتيجة وصول الأزمة إلى حدّها الأقصى من التشنج السياسي المترافق مع تحركات على الارض كان من الممكن أن تقود البلاد إلى المجهول لو لم يتدخل الجيش والقوى الامنية بفاعلية للجم تفاقمها ومنعاً لدخول طابور خامس على الخطّ.
وقد جاء البيان الرئاسي مدروساً بدقة وعناية، بحيث تُحفظ كرامة الجميع من دون كسر هيبة رئاسة الجمهورية وتكريساً لمبدئية التوازنات القائمة في البلاد، والتي لا يمكن لأحد المسّ بها من دون تعريض البلاد لخضّات غير محسوبة النتائج في وقت تبدو الإستحقاقات الكثيرة داهمة، ومن بينها الإنتخابات النيابية، التي يعوّل عليها الجميع لنقل البلاد من ضفة إلى أخرى، وإفساحًا في المجال أمام فرصة تسجيل نقلة نوعية على صعيد الوضع الإقتصادي، الذي بدأت تداعياته تهدّد مستقبل جميع اللبنانيين من دون إستثناء، ومواكبة لما يجري في المنطقة، بحيث يكون لبنان حاضرًا على طاولة المفاوضات بقوة، وذلك خوفًا من أن تأتي الحلول على حسابه، في حال لم يكن اللبنانيون موحدين حول رؤية واضحة لأزمة النزوح السوري على أرضه.
هواجس كثيرة أملت على رئيس الجمهورية التريث وتوسيع مشاوراته قبل إصدار أي موقف، وهو ضمّنه ما يشبه الإعتذار عندما تحدّث عن إساءة قابلتها إساءة أخرى، داعيًا الجميع إلى ممارسة فعل التسامح، وهو بدأ بنفسه عندما قال بأنه يسامح الذين أساءوا إليه وإلى عائلته، بعدما تخطّت الشعارات واليافطات الخطوط الحمر، وقد تم التداول بها عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وهي شعارات لم تكن من ضمن الأدبيات اللبنانية حتى في زمن الحرب القذرة، التي لا يتمنى أحد عودتها، مع ما خلفته من مآسٍ وويلات.
وفي رأي المتابعين أن بيان رئيس الجمهورية، وبعيدًا عن التشنجات القائمة، يُفترض أن تُقابل بمدّ اليدّ، مع تشديد جميع العقلاء على أن الكرامات يجب أن تكون مصانة ومحفوظة، من قبل الرئيس نبيه بري، ولو بعد حين، وهو الحريص على الوحدة الوطنية أكثر من غيره، وهو الذي كان ولا يزال صمّام الأمان للإستقرار، وهو مهندس تدوير الزوايا والتسويات الإيجابية، التي لم تكن في المفاصل المصيرية لتبصر النور لولا تدخله وبحكمة لوصع الأمور في نصابها الطبيعي والواقعي.
وفي إعتقاد جميع الغيارى على الوحدة الوطنية أن ما يتهدّد الوطن وما يحيطه من مخاطر قد تعرّض كيانه لإنتكاسات لا يُستهان بها تفرض على الجميع التعالي عن الحساسيات والشكليات، التي قد تبدو مقزّمة مقارنة بما يُمكن ان تنجرّ إليه البلاد، في الوقت الذي تتزايد فيه تهديدات العدو الإسرائيلي، متزامنًا مع ما يتهدّد الإستقرار الداخلي، الذي لا يزال ممسوكًا.
فمع ما سجّله رئيس الجمهورية من حرص أكيد على ما تحقّق من إنجازات وما يأمله اللبنانيون بعد الإنتخابات النيابية يمكن القول أنه بات على الجميع العمل في إتجاه التهدئة بدلًا من صبّ الزيت على النار، وتبريد الرؤوس الحامية، وذلك قبل خراب البصرة، وهذا ما لا يتمناه ولا يريده أحد، وبالخصّ عدم إستخدام الشارع كوسيلة ضغط، لأن المستفيدين من الفوضى كثيرون وهم يتحينون أي فرصة سانحة لزعزعة الإستقرار وإدخال البلاد في المجهول المعلوم.
اندريه قصاص
from تحقيقات – ملفات – wakalanews.com http://ift.tt/2DZW2Uh
via IFTTT
0 comments: