
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
مهلة الأيام الخمسة التي وعدت الدولة إنجاز التحقيقات في إنفجار مرفأ بيروت ضمنها، إنتهت منذ أكثر من أسبوع، لغاية الآن لا رواية رسمية واضحة للأسباب التي أسفرت عن “زلزال 4 آب” رغم كل المساعدات “الأممية والاطلسية” رغم كل الكلام والروايات، وهو شيء ينم عن “أزمة ثقة” تعيشها الدولة.
حتّى اللحظة، لا معطيات واضحة حول ما توصلت إليه الفرق الدولية المساهمة إلى جانب القضاء اللبناني في التحقيقات. العيّنات التي أخذت من التربة قبل مدة من قبل الفرق الروسية والفرنسية تحديداً لم يفصح عن نتائجها بعد. ثمة تكتم شديد حول مصيرها، هل جرى الانتهاء من تحليلها في مختبرات في الخارج أم لا؟ هل تمتلك تلك الاجهزة الاجنبية المعطيات وتحجبها عن التحقيق المحلي اللبناني أم لا؟ هل يُراد توظيفها في تحقيق آخر بديل أم لا؟
أزمة الثقة هذه بدأت مع عصف التفجير، حين ساد التشكيك في أسباب الانفجار مكان الوقائع التقنية، وهو ما أرخى عن قصورٍ في فهم الدولة ومن يحيط بها، وأتاح للبعض تسويق روايات ونظريات متنوعة باتت تحتل العقول بوصفها “تبريرات منطقية” روجت ووزعت بناء على مواقف سياسية قبل أي شيء آخر. هي الدولة نفسها التي تورّطت في إعلان الموعد وهي تعلم مدى الخطر المحدق بها، فأتى “عصف المرفأ” على الحكومة المسؤولة عن استيلاد المهلة وطيّرها. يُتردّد أن موجبات التأخير تعود لعدة أسباب، منها ما هو تقني ويتصل بعدم الانتهاء من التحقيقات والتأخّر في توكيل الجهة الصالحة أعمال القضاء، ومنها ما هو سياسي ويتصل بغياب الحكومة عن أداء الدور بفعل استقالتها. هنا، تحسب أوساط أن إستقالة الحكومة قد اطاحت بالمهلة ووضعتها في المجهول.
وفي الحديث عن المجهول ترتفع الحملة على قادة الاجهزة الامنية لتُنسب إلى مجهول سياسي كأنه يستنسخ الحالة من أزمنة غابرة، 2005 وما أدراكَ ما 2005 ، حين رمي الثقل القانوني في “جريمة العصر” على ثلة من ضباط الاجهزة الامنية، لا من شيء سوى للثأر، واليوم في 2020، تُستعاد نفس المشهدية، حين تنطلق حملة توزيع مسؤوليات ذات طابع سياسي لتُدرج بعض قادة الاجهزة على جدول إتهاماتها على قاعدة الـ6 و 6 مكرّر. ولو ان التعلّم من دروس التاريخ ينفع، لكان جهابذة الاتهام أفضل من قرأ في مصير الضباط الاربعة وكيف خرجوا من الاتهام عام 2009 محمولين على الأكتاف الشعبية والسياسية.
والمجهول نفسه، يقود اليوم إلى إحتمال رمي لبنان بين فكي ذئب! مع إتساع رقعة إستهداف القضاء اللبناني وتفريغه من مضمونه تحت مسمى “التقصير في متابعة شحنة الموت في المرفأ” والحؤول دون انفجارها. هؤلاء الجهابذة، لا يعلمون مدى اقتران الحالة الراهنة بعناصر المراقبة الدولية، التي تبحث عن ثغرات تبيح لها المحظور، في التسلّل إلى العنق اللبناني من بوابة “عدم أهلية القضاء وعدم الثقة به”، تماماً كما حدث عام 2005، حين تولت آلية الدعاية “تهشيل” القضاء اللبناني من التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الحريري واستبداله بلجان تحقيق دولية نأكل الآن أصابعنا ندامة عليها.
والمفارقة، ان من هم قائمين “إفتراضياً” على الدولة ومؤسساتها، يشنون اليوم الحملة على القضاء ومؤسساته، أغلب الظن أنها نتاج لخلافات نابعة من خلفيات شخصية وسياسية، ولو أن هذا القضاء غير منزّه عن الأخطاء وتشوبه الكثير من علامات الاستفهام لكنه يبقى أفضل الممكن مقارنةً بغيره.
هنا، لا بد من طرح الاسئلة ووضع علامات استفهام، حول الأسباب التي تدفع بالتيار الوطني الحر تحديداً، إلى التصويب بهذا الشكل على القضاء منذ مدة، وفي ذروة السعي المحلي المدفوع بهامش دولي إلى إخراج القضاء من تحقيقات المرفأ واستبداله بلجان تحقيق أو تقصي حقائق دولية. هل يعلم “التيار” أنه يوفر أجواءً تدعو للريبة وقد تستثمر في مسألة إسقاط تهمة عدم الاهلية على القضاء تمهيداً لسحب الملف منه، سواء من خلال تدويل كامل عبر مجلس الآمن أو من خلال قرار موضعي صادر عن جهة أممية من بوابة إستدعاء وظائف “تقصي الحقائق”؟ هل أن الخلاف سببه ضابط برتبة مدير عام فقط أم أن الاسباب تتجاوز ذلك بكثير وصولاً إلى خلافات ذات جذور سياسية اقترنت سابقاً بتفاهمات سقطت مع سقوط تفاهمات سياسية؟
هل ينم هذا التحضير السياسي عن وجود مسعى إلى توفير خصائص تفيد في إستجلاب تحقيق دولي أملاً في تسديد فواتير سياسية مطلوبة من التيار البرتقالي إنقاذاً له من “عاصفة عقوبات آتية”، أم أنه ينم عن ضعف في تناول حلقات المواجهة ومن جهلٍ في تفسيرها؟ ما موقف قيادة من حملة بعض كوادره وقادته، هل هي منسقة معهم أو ذات ميول شخصية؟ ما موقع الحلفاء في تفريغ الساحة القضائية أمام العناصر الدولية؟
from وكالة نيوز https://ift.tt/32350di
via IFTTT
0 comments: