
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
“الغارة السياسية” التي أُريدَ شنّها على حزب الله على خلفيات قرار “المحكمة” انتزعت مخالبها، بدليل عدم رغبة الأطراف الرئيسية المعنية بها، أقله حتى الآن، استثمارها في المجال السياسي، وهذا الكلام أُبلغَ إلى من يعنيهم الأمر، من دون وجود ضمانات فيما لو جرى الاستثمار في زمن آخر أو منطقة أخرى، وطبعاً هذا لا يعفي المستفيدين من قرار المحكمة من إحتمال استغلاله لاحقاً.
على الأرض، لا ظواهر تبعث على إحتمال وجود قرار في التصعيد “الشوارعي” من قبل تيّار المستقبل، يبقى الاحتمال ضئيلاً فيما لو كان ثمة وجود لـ”أوامر داخلية” لدى فئات سنية ما لتحرك معين. الاجواء الامنية توحي بذلك ايضاً، ولو أنها وضعت على درجة عالية من الحيطة عملاً بمضمون “خطة طوارئ” كان قد جرى وضعها سابقاً للتعامل مع “إحتمالات ٧ آب”، وذلك قبل ان يبعثر إنفجار ٤ آب الاوارق.
لغاية الآن، لا معلومات دقيقة حول إحتمال حصول تحركات، ولو أن الحيطة تأخذ في الاعتبار إمكان تحريك “المجموعات البهائية” المنتشرة في بعض الاحياء والازقة، سواء بأوامر مباشرة أم غير مباشرة. تبقى الحيطة والحذر واجبين في ظل تطاير الاشاعات من هنا وهناك.
ليس سراً، أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أبلغ قائد الجيش العماد جوزاف عون في آخر لقاء جمعهما، أنه ليس في وارد التصعيد في الشارع تعقيباً على قرار المحكمة بل سيمارس الهامش العريض من الهدوء. هذه المعلومات أكدتها مصادر مطلعة على موقف قيادة الجيش لـ”ليبانون ديبايت”، مضيفة عليها أن “القطعات العسكرية جاهزة للتصرف مع اي طارئ تبعاً لمقتضيات قانون الطوارئ في بيروت، الذي يجيز لها حفظ الأمن ومنع أي وجه من وجوه الفوضى”.
في الجهة المقابلة، المعنيين بقرار المحكمة يلتزمون منذ نهاية الأسبوع المنصرم الصمت. عممَ صمتهم على المباحثات الحكومية كونهم يصنفون من ضمن المعنيين الاوائل بها، وقد نقلت حالة الصمت هذه “مروحة الاتصالات” إلى “جمود مرحلي”. ينسحب ذلك على زيارة الموفدين الدوليين التي منحت العاملين على خط الحكومة “فترة هدوء وراحة” تسبق العاصفة المتوقعة.
باختصار، رفعَ قرار المحكمة بعد إنفجار مرفأ بيروت، من قرار كانت وظيفته العملانية “تسخين” الشارع اللبناني، إلى قرار موظف للاستثمار بمفعولٍ رجعي متى ارتأى الظرف السياسي ذلك. ثمة من يجد أن غاية البعض من وراء المهمة الوظيفية للقرار قد توفرت بفعل إنفجار المرفأ، وعلى هذا الأساس تبلورت فكرتان، الأولى قائلة بتأجيل المكتسبات الصادرة عن القرار، لظرفٍ لاحق يصلح لمزيد من الاستثمار مقابل أخرى تريد الاستفادة من نتائجه الآن سعياً وراء ممارسة مزيد من الضغط على حزب الله. هنا بالضبط، يجب ان نبحث عن موقع الرئيس سعد الحريري بصفته “ولياً للدم”.
يريد هؤلاء ربط المسارات بين القرار الدولي وتفجير المرفأ وتشكيل الحكومة العتيدة، بمعنى إستجرار وصاية دولية معطوفة على تحقيق دولي وتدويل كامل للازمة من بوابة المرفأ لهدف واحد، “لي ذراع حزب الله داخلياً وانتزاع منه تنازلات تظهره بمظهر الضعيف”. حتى الآن، يتعامل حزب الله مع الأمر بشيء من الترفّع. هو ينتظر بهدوء مرور عاصفة المحكمة كي يعيد تثبيت قواعده مرة جديد ووفقاً لنفس الأسس.
يُدرك حزب الله في سرّه، أن الرئيس سعد الحريري ونزولاً عند الظرف الراهن، لن يجد مصلحة في استثمار قرار المحكمة بما هو خلاف التقني منها، بل سيحوّله إلى فرصة سياسية تعزز من شروطه السياسية، اي بمعنى آخر سيبيع المخاطر الامنية الناتجة عنه بنية شراء التهدئة السياسية التي تخوله دخول جنة الحكم على حصان أبيض، سبقه إلى ذلك شقيقه الأكبر ومنافسه الاقوى، بهاء، الداعي إلى التهدئة ولو أن دعوته تلك يملؤها الغموض والمزايدة على موقف شقيقه الاصغر، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الزمن الراهن هو زمن إستثمار في السياسة، لكن ذلك لا يعني ان الاستثمار في الأمن اضحى بعيداً عن المتناول أو غير مرغوبٍ فيه.
يُشاع في أكثر من صالون سياسي، أن الاجواء التي وفّرها إنفجار مرفأ بيروت على المستوى الدولي، أتاحت وظائف لم يكن قرار المحكمة في وارد توفيرها. الآن، ثمة وجود لأساطيل اطلسية، ولجان تحقيق شبه دولية وحضور دولي واضح في المشهد اللبناني، هذا كله يعد من المكاسب التي أمّنها انفجار المرفأ! نعيد التذكير ان الغرب هنا يصنف كأكثر فئة مستفيدة من التفجير الذي حصل.
بالنسبة للاجواء السياسية الداخلية، وفّر إنفجار المرفأ اجواءً كان يفترض بقرار المحكمة ان يوفرها. المراهنون عليه، سكن بالهم قبل الانفجار وطيلة فترة ليست بقصيرة، ان “القرار الاتهامي البدائي” سيكون بمثابة عاصفة ستحمل الحكومة على الرحيل وتعيد إدخال مسألة التدويل إلى عمق القرار السياسي، وستجلب معها الظروف المناسبة لـ”ردة إجر” قدامى الرابع عشر من آذار إلى البيت السياسي، اي ان آثارها السياسية ستكون على شكل تعديل وتغيير في نموذج الحكم. الآن، ثمة من يقول أن كل ذلك قد تحقق، أي أن البلاد دخلت في فترة إنتقالية، لذا لا بد أن يكون البحث الحالي يدور على شكل نموذج الحكم المقبل في السنتين المقبلتين كتمهيد لعملية الانتقال السياسي بعد سنتين.
from وكالة نيوز https://ift.tt/3iW8wNz
via IFTTT
0 comments: