
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
من الواضح، أن السّاسة جهدوا في محاولة ترتيب الأرضية اللبنانية لزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بحيث تظهر، وفي مقدارٍ ما، خالية من الشوائب. لكن وبشهادة مراقبين، ما فعله هؤلاء يشبه محاولة شخص ما إخفاء الأوساخ المبعثرة على الأرضية من خلال كنسها إلى أسفل السجادة!
الوضع اللبناني، بالنسبة للودريان أو غيره، بات معروفاً ومعلوماً بتفاصيله الصغيرة ولا حاجة لعراضات من هذا القبيل.
عملياً، “أمر الترتيب” معمّم على كافة المستويات، لا سيما لدى الحكومة، الداخلة في “ورشة” ترتيب داخلية وبهدوء ومن خلف الكواليس وتحت طبقة من الضجيج. حراك مدير عام الأمن العام يوحي بذلك. نهار الاثنين، صودفَ وجوده صباحاً في السراي الكبير ولوقتٍ طويل قبل أن يتوجّه لاحقاً إلى بيت الوسط للقاء رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من ثمّ يعود أدراجه إلى السراي!
وبينما أدرجَ حراك اللواء إبراهيم المكثّف تجاه المقار في خانة المساعي الحثيثة المبذولة لإرساء هدنة سياسية تمهّد لزيارة لودريان، أو هي أبعد من ذلك عملاً بمبدأ تجهيز الارضية لترتيب الوضع الداخلي بالكامل حتّى يتسنى الحصول على مساعدات، تتوافر معلومات متعددة المصادر، من ان الحكومة غير بعيدة عن جو “الشدشدة” ولو ان مصادر مطلعة على موقف رئيسها تنفي لـ”ليبانون ديبايت” وجود أي حراك ذات صلة بالتمهيد إلى إرساء تغييرات حكومية، بل تحيل الرواية إلى المجهول السياسي.
إلى أن الكلام شيء والواقع شيء آخر. أحد الوزراء، لم يخجل خلال لقاء خاص استضافه مؤخراً، في مصارحة الموجودين بأنّ الجو داخل الحكومة لا يحمل على الطمأنينة. وفي إعتقاده، حسبما نُقِلَ لـ”ليبانون ديبايت”، أن الامور سائرة إلى المجهول. وإزاء تجمهر التعقيدات على المسار، يبدي اعتقاده أن وجوده في السراي كوزير “لن يطول”، وهذا الكلام يُخالف ما صرّح به رئيس الحكومة حسان دياب من أمام مدخل الديمان، أنه “لن يستقيل لأنه في حال الاستقالة البديل لن يكون موجوداً بسهولة وتصريف الاعمال لفترة طويلة جريمة بحق اللبنانيين”، ليُفهم أن دياب قد يكون وجه رسائل بنية وضعها في صناديق بريد محددة.
واساساً، لغة تقديم الاستقالات ليست بعيدة عن جو الحكومة. في ما مضى، لوّح الوزراء المنتدبين من قبل حركة أمل وزملائهم في تيار المردة مرّتين على الأقل بالاستقالة، على خلفية اعتراضات على آداء رئيس الحكومة، جاراهم في ذلك رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان مرّتين، ولو أنهما أتتا من خارج الأسباب التي اسداها حلفائه.
في المرة الاولى، جاء إعتراض أرسلان ومن ثم تهديده بالانسحاب على خلفية التلكؤ في تعيين العميد ماهر الحلبي رئيساً للشرطة القضائية، قبل أن تعود الحكومة وتمنحه التعيين بعد تسوية الأمور بينهما لاحقاً.
في المرة الثانية، أتت من وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرّفية، من خارج أسباب تقف خلفها خلدة كإعتراضات على رئيس الحكومة، حين حضرَ إلى السراي الحكومي وفي يده كتاب إستقالته موقعاً منه، ليضعه أمام رئيسه معلناً عزمه على الاستقالة. كانت هذه المرة الاولى والوحيدة التي يشعر فيها حسان دياب أنه أمام خطر حقيقي من خلال عزم وزير يُعد من المحسوبين عليه ايضاً على الاستقالة.
السبب الذي قادَ مشرّفية نحو هذا الخيار، يعود إلى حالة الاعتداء التي تعرضَ لها المحامي الناشط واصف الحركة من قبل محسوبين على “دار الامارة” في خلدة. الوزير مشرّفية أبدى أمام الرئيس دياب عدم علاقته أو علمه بالحادث، رغم أن مجموعة أدلة تؤكد توافر معلومات لديه حول نية من حوله في الاعتداء. وفي تبريره، أن المعتدين ليسوا من ضمن فريقه الأمني المولج حمايته، بل أنهم خمسة، ثلاثة منهم من أنصار الديمقراطي اللبناني، اي الحزب الذي سمّاه للوزارة، واثنان آخران موظفان في وزارة السياحة.
رغم ذلك، اعتبرَ مشرّفية أنه يتحمل المسؤولية المعنوية عما وقع من إعتداء وما وفّره من أجواء وآثار سلبية على الحكومة. ولكونه استوطن نفسه على صون حكومته ولا يضمر تجاهها أي سوء، اتخذ القرار بالاستقالة، وهو ما رفضه دياب مطلقاً، طالباً منه البقاء على رأس اعماله و “نزع هذه الفكرة من رأسه”.
وهنا طبعاً لـ “دياب” بصفته رئيساً للحكومة تبريراته. بصرف النظر عن الوقائع التي قدمها مشرفية حول الحادث وبخلاف وجود علاقة له من عدمها، يعتقد دياب وفريقه التشاوري، ان حصول إستقالة من هذا النوع سيكون لها أثر سيء وسلبي على “الائتلاف الحكومي” واستطراداً صورتها أمام الشارع، الشارع نفسه الذي كرّس نفسه مراهناً على إسقاطها، وبالتالي، إستقالة من هذا النوع قد تفرض نمطاً جديداً من التعاطي مع الحكومة، وترفع من معنويات كل الفرق المتربصة بها شرّاً، الدافعة صوب محاولة تفشيلها واسقاطها، سواء في النادي السياسي والمراهنون فيه كثر، ام من خارجه حيث وصمت الحكومة منذ اليوم الأول لولادتها على أنها فاشلة.
في النتيجة، تمكّن دياب من تفكيك إحدى أكثر المخاطر التي تسللت إلى حكومته، لكن ذلك لا يعني أن المخاطر اندثرت، بل ما زالت تستبطن نفوس بعض الوزراء الخاضعين للإملاء السياسي وربما أبعد من ذلك.
from وكالة نيوز https://ift.tt/3jzQlOy
via IFTTT
0 comments: