
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
كلام رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حول “بهدلة موقع الرئاسة الثالثة” من قبل الرئيس حسان دياب مردودٌ عليه. وإذا كان ما يقوله رئيس تيار المستقبل صحيحاً، فأصل “البهدلة” تُرد إلى سني حكمه، التي وعلى رأي شركائه الحاليين في نادي رؤساء الحكومات السابقين، إمتازت بأكثر فترة خسارة وضرباً لصلاحيات الموقع منذ الإستقلال!
مفهمومٌ غضب الحريري، وعلى الأرجح لا يتصل بـ”المضبطة الاتهامية” التي أذاعها دياب أمام وزرائه وفيها وصف دقيق لثلة من مرتكبي الخيانة العظمى بحق البلد واستشعاره أنه واحد منهم وحسب، بل يعود أمر الغضب إلى وجود شخص آخر في السراي، وعلى الأغلب، شخص أعادَ لموقع الرئاسة الثالثة هيبته السياسية التي افتقدها في ظل عهد الحريري.
لا يهم، إن كان رئيس تيار المستقبل يترفّع عن تولي كرسي السراي مجدداً وأمام الإعلام أم لا، فجلسات المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، الحاج حسين خليل المتتالية منذ تقديمه لاستقالته وحتى الأمس القريب، وقبلها جولات المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، علي حسن خليل لها أن تفصح عن المستور، وعن العروض “المستجدة” التي اشارَ إليها الحريري في معرض نقاشاته وقوائم الشروط التي تفوح منها روائح الصفقات، ولو أمكن لجرى ذكرها هنا.
لكن ومع ذلك، لا يجب على الرئيس الحريري أن يغوص كثيراً في السباحة في بركة السراي طمعاً في إشاحة النظر عما يسعى إلى تحقيقه داخل تياره الأزرق، المقبل على فترة حكم تتطابق أنظمتها وتلك التي رفع الحريري نفسه سقوف الاعتراض عليه بوصفها شمولية – ديكتاتورية.
ونظام حكم الشخص الواحد يرفّ بأجنحته فوق المستقبل، المقبل بكافة اجنحته على التحوّل إلى نظام رئاسي، يكون فيه الحريري شخصاً مطلق الصلاحيات، مثله مثل رئيس أي حزب في لبنان، وفي ذلك نسف للقواعد العامة التي أرساها والده الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي أرادَ لتيار المستقبل ان يكون تياراً للمستقبل، لا حزباً مستنسخاً عن الملل والأحزاب الموجودة.
ومن المؤتمر العام الثالث للتيار الازرق تبدأ الحكاية، رئيس يخشى على حضوره على رأس تيار والده من شقيقٍ جامح يزحف نحو محاولة الاستحواذ على تركة والده السياسية، فيجد ان المحافظة على الموقع لا بد وان تمر في تغيير آليات الحكم والنظام، وتحويل التيار إلى “تيار رئاسي”، يصبح فيه الرئيس هو مصدر القرار والسلطات وحده لا شريك له، وتتحول مؤسسات التيار الاخرى إلى تابعة لشخص الرئيس، على نهج تقديم البيعة العلنية التي اطلق عنانها الأمين العام الحالي للتيار، أحمد الحريري، في خطابٍ بقاعي ما زال وقعه ساريَ المفعول منذ ما قبل العام الماضي.
ولعلّ الحريري الرئيس يمتلك الحجج الكافية لتحويل تياره من حالة إلى حالة. للحقيقة، ملّ الرجل الطعنات في الظهر والاستغلال من قبل مجموعات لا هم لها سوى مصالحها الشخصية، لم تر في تيار المستقبل إلا جسراً للعبور الشخصي وكسباً لتأييد شخصي أو تجميعه، ولأجل ذلك، بات التيار اليوم يترنح، متفسخاً من داخله وفي قواعده، التي لم تعد تعرف من هو المسؤول ومن يجب عليها أن تؤيّد، ضائعة وفي حيرة من أمرها لمن تعطي ولاءها.
ومن المقترح في المؤتمر القادم ان تتحول التنسيقيات الزرقاء، إلى هيئات موضوعة تحت اشراف الرئيس، وهي باتت أقرب إلى الاضمحلال، بعد ان حوّلها مسؤولوها، بشهادة أهل البيت الأزرق، إلى شركات مساهمة خاصة ذرت الفوائد عليهم لا على مركز الزعامة الحريرية، التي اكتشفت مؤخراً أن اصل الداء يكمن في غياب الولاء.
وعلى اثر ذلك، جرى استنهاض مشروع قديم يُعد عنواناً سياسياً لكافة الأحزاب السياسية، لتسعى لإسقاطه في مؤتمر عام يحول الحزب إلى تيار بنظام رئاسي، وما على المشاركين إلا التوقيع على قرارات معلبة سلفاً.
وعلى الارجح، ان الحريري، يريد ان يجعل من تياره صورة مصغرة عن الكتلة النيابية التي أسسها، كتلة خالية من الصقور ومزدحمة بالحمائم التي لا تعترض على ما يقوله الرئيس، فيحول هذا الأخير بالنسبة إليها إلى قدوة، فينتفي الاعتراض ويصبح القرار متعلق بشخصه، ولم يكن ليصل إلى هذا الاستنتاج لولا ما جرى ويجري داخل تياره.
وفي الحقيقة، هذه الالتفافة الحريرية عمرها من عمر عودته من “المنفى الاختياري” و “المعتقل السعودي”، حين اكتشفَ أن “الزعامات الفرعية” نبت من حول تياره كالفطر، ومن رعاهم سياسياً بالأمس انقلبوا عليه اليوم، وباتوا يزاحمونه في خطه السياسي، فوعد بأن سعد الحريري الجديد يختلف عن القديم. مذ ذاك، ظهر للرجل مخالب وأسنان يحارب بها.
صحيح أن قسماً كبيراً من المحازبين الزرق من فئة “كوادر” يمتعضون من الفكرة المراد إسقاطها كلما خطرت ببالهم، لكن قسماً آخر يجد الحريري محقاً في إنتقالته النوعية هذه. فهو رجل مهدد بكرسيه ليس من الحلفاء والخصوم فقط، بل من أفراد العائلة نفسها. ونظراً إلى المخاطر المحدقة به، من واجبه حماية نفسه، لا سيما من رفاقه في ذات الخط، بعد ان أثبتت التجارب أنهم كانوا عبئاً على الرجل لا سنداً له.
في الخلاصة، تيار المستقبل مقبل على التحول إلى تيار رئاسي بزعامة حريرية مطلقة مصدر قرارها مرتبطٌ بشخص الرئيس والباقون، من مكتب سياسي وما إلى ذلك، هم عبارة عن أتباع يرفعون الأيدي بالتصويت بنعم، وقرارهم غير ملزم.
from وكالة نيوز https://ift.tt/2OAJVAv
via IFTTT
0 comments: