
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
إذا كانت “الثورة” التي بدأها رئيس بلدية الغبيري معن الخليل على نماذج الاحتكار والاستغلال ضمن نطاقه الجغرافي قد أرخت عن صنفٍ جديد من رؤساء البلديات، فعلى الأعم الاغلب أنها أيضاً أثارت نقزة لدى طبقة التجار ورعاتهم، على إعتبار أن “نموذج معن” يذر السيئات في حال جرى تعميمه، والآن لا مصلحة لأحد بشدِّ أواصر السلطة البلدية!
لدى السلطة السياسية شهية قديمة مفتوحة لـ “أكل” الموارد البلدية، تدجين البلديات مصطلح جرى تطبيقه بحذافيره في ما مضى وأفضى إلى نتائج ملموسة. أعظم نتائجه أتت على تفريخ نماذج بلدية “راضخة” كالفطر ساهمت في التحوّل إلى أداة سياسية “خانعة”، مما أثر على استقلالية البلديات وجعلها تحت وصاية القرار السياسي. بخلاف ذلك، تمتعت بلدية الغبيري بهامش واسع من الاستقلالية و أفلتت من التأثير السياسي، لكن ذلك لم يعفها من أن تكون عرضةً لصنوف الحملات من الداخل والخارج.
“معركة الأفران” مثّلت نقطة تحوّل، حينما فشلت الدولة في كبح جماح أصحاب الافران وبان وضوح رضوخها أمام قرار رفع السعر وخفض الوزن، تسللت “الغبيري” من خلف خطوط الاشتباك وأنزلت عناصرها أمام الأفران، لتفرض حالة طوارئ تَقرَّر بموجبها بيع “الربطة” على الوزن والسعر الرسميَّين، وإلّا فنصيب المخالفين الإغلاق. هو القرار الذي كان له الأثر البالغ بتثبيت السعر وجرّ أحد أباطرة المهنة إلى الاستقالة.
“فائض القوة” الذي راكمته البلدية طيلة فترة خوضها للمعارك على جبهات قمع التعديات وتنظيم شؤون الرعية وسوق “نادي الغولف” إلى الأمر الواقع، كان من جملة الدوافع إلى إصدار قرارات إقفال بحق حوالي 75 مؤسسة تقع ضمن نطاقها مارست عمليات السلب والنشل على جيوب المواطنين عبر تعمّد رفع السعر أو الإخلال بمدرجات قانون التعبئة العامة.
كانت الأمور مقبولة إلى حدٍ ما من جانب الرعاة، على إعتبار أن الردود كان تَحضر من خلال إستخدام طرق الردّ “خلف الكواليس”، إلى أن جاء القرار بإقفال “Coop – تعاونية الشياح” للأسباب المعروفة فقلبَ المواجهة من مستترة إلى ظاهرة وأصبح الضرب يوجه تحت الحزام.
هكذا وبعد يومٍ واحد سطّر محافظ جبل لبنان محمد مكاوي فرماناً أوحى بموجبه أنه موجّه إلى سائر البلديات عبر القائمقامين قبل أن يتضح أنه يقصد بلدية الغبيري حصراً، حثّهم من خلاله على ضرورة التشدد في مراقبة الإتجار بالمواد الغذائية وتسعيرها لكن “من دون أي إجراء تنفيذي آخر”، ليؤسس إلى سلب المطرقة التي تضرب فيها البلدية وتجييّرها إلى التجار، أو بمعنى أوضح التأسيس لاستئصال مخالبها.
في البداية تعامل المسؤولين عن “Coop – الشياح” بـ”نرجسية” زائدة مستمدة من فائض قوة ربما سياسي. الفيديوهات المتداولة أخفت عمليات الاستفزاز التي تعرّضَ لها رئيس وأفراد شرطة البلدية. بلغَ الامر بأحد المسؤولين إلى الاستقواء على القرار البلدي والتمرّد عليه ورفض تطبيقه وتهديد رئيس البلدية، ما أثار موجة ردود فعل كادت أن تذهب إلى إشتباك داخل السوبر ماركت لولا مسارعة دورية من قوى الأمن الداخلي للتدخل بعد الاستنجاد بها.
في المقام الثاني مارس مسؤولون في السوبرماركت عمليات “بطش” على هاتف رئيس البلدية ملوحين بانتزاع الأغلال، تعامل معها معن خليل بروية بعد رصده محاولات لجره إلى “فخ”، فوجد أن التحرك صوب القضاء المختصّ هو أفضل السبل.
كان الهدف الأساس بالنسبة إلى البلدية، إستئصال رغبات إستغلال الازمة لدى coop وإنهاء ظاهرة رفع الاسعار وإعادة السلع المسحوبة إلى الرفوف على أساس السعر القديم، وقد ربطت البلدية قرارها رفع الحظر عن التعاونية بمدى تعاون هذه الأخيرة. لكن ما حصل من تهديدات أخذ الامور إلى مكانٍ آخر بات يستدعي الاعتذار.
معلومات “ليبانون ديبايت” تشير إلى أن قرار فتح السوبرماركت صدر وشرعَ المعنيون بإعادة الموجودات إلى مكانها، لكن تنفيذه رُبط برفع كتاب إعتذار إلى البلدية عما بدر من المسؤولين عنها، على أن يحتفظ رئيس البلدية بحقه في ملاحقه المعنيين، وهكذا كان.
صدور التعميم متزامناً مع قرار الإغلاق و”قبة الباط” التي حظيَ بها المسؤولون في التعاونية و “توبيخ” الدورية الأمنية التي حضرت للمؤازرة بذريعة تدخلها بشأن ليس لها (!)، استوجبَ الشك لناحية إحتمال أن يخفي تعميم المحافظ رقم 808/2020 “رواسب شخصنة” وليس له هدف سوى “بنشرت دواليب” رئيس البلدية والاقتصاص منه بعدما بدا أنه “تجاوز الخطوط الحمر”.
يُصبح مضمون التعميم ميالاً لإثارة الشك ومفتوحاً على إحتمالات شتى بعد إكتشاف أن أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري “عنده حصة” لدى “coop”، وعلى إعتبار أن مكاوي يتقاسم الولاء السياسي مع طينة آل الحريري.
إذاً فالمسألة برمتها تجارية ملفوفة بمظلة سياسية على الأرجح. هذا يقود إلى افتراض يتمظهر بشكلٍ واضح، حول وجود رغبة بالاقتصاص من رئيس بلدية الغبيري نتيجة تراكم جملة من الاسباب “المزعجة”، وبالاستناد إليها بات البعض يعتقد ان الظروف اصبحت مؤهلة لـ”كف يده” عن المؤسسات.
لكن القرار يستدعي الإنتباه لناحية ضمه مخالفات عديدة في جوهره بصرف النظر عن توقيت صدوره. يخالف بالمبدأ مرسوم التعبئة العامة الذي أجاز للبلديات مجال تطبيقه، ضمنه المسائل الرقابية كافة بخاصة الأسعار. يتدخل في السلطة التنفيذية (البلدية) ويفرغها من مضمونها المنصوص عنه في القانون. يتعارض مع المادة 74 من قانون البلديات التي تعطي بموجبها الرئيس صلاحية اتخاذ إجراءات تنفيذية لا تسطير محاضر ضبط والاكتفاء برفعها فقط كما يطلب سعادة المحافظ.
كذلك تنص المادة نفسها على أن “لا يتعارض ذلك مع التدابير والقرارات التي تصدرها وزارة الاقتصاد والتجارة”. أما وأن وزارة الاقتصاد فاقدة للقدرة على التنفيذ نتيجة الأسباب المعلنة من قبل وزير الاقتصاد نفسه، عندها يجيز القانون للبلدية تلقائياً أن تحلَّ مكان الوزارة، هي “المعصية” التي ارتكبها رئيس البلدية حين قرّر “الدق” بتعاونية محمية، وبالتالي صدر القرار بملاحقته!
from وكالة نيوز https://ift.tt/3fmzrRD
via IFTTT
0 comments: