

يبدو أن المال السعودي قد وصل مؤخراً للموقع الإستقصائي المعروف بإسم “تاكتيكال ريبورت” ليورد تقريراً يخالف كل الوقائع والشواهد حيث زعم الموقع الإستقصائي أن التقارير الواردة من الرياض تشير إلى أن العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبدالعزيز” يرفض ربط أي صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة الأمريكية بخطة السلام الأمريكية المزعومة للشرق الأوسط “صفقة القرن”، بما في ذلك صفقة تتعلق بمقاتلات “إف-35”.
وأضاف “تاكتيكال ريبورت” في تقريره الذي يستهدف تبييض صفحة النظام السعودي إلى أن أن ذلك يأتي ردا مباشرا على ما أسماها بالشائعات التي ترددت مؤخرا بأن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لن يوافق على بيع “إف-35” للمملكة قبل قبول السعوديين خطة السلام الأمريكية وكأنهم يملكون حق الرفض.
ونقل التقرير عن الملك “سلمان” قوله إن القوات الجوية الملكية السعودية هي أقوى قوة جوية في الشرق الأوسط، ومن ثم يمكن للمملكة الانتظار وتقرر فيما بعد أي من مقاتلات الجيل الخامس التي تقتنيها بدون مواجهة ظروف أو ضغوط سياسية.
كما واصل الموقع الإستقصائي نقلاً عن الملك “سلمان” تأكيده على أنه سيرفض “وثيقة القرن” وأي صفقة مماثلة طالما لم يتم اقتراح عادل لحل القضية الفلسطينية.
يريد التقرير ان يظهر الملك سلمان بمظهر الواعي المدرك لما يدور حوله وأنه الراعي الرسمي للقضية الفلسطينية وكأن دعوات التطبيع مع الكيان الصهيوني وشيطنة الفلسطينيين والقضية الفلسطينية والتي تعج بها مواقع التواصل من اعلاميين و كتاب سعوديين محسوبين على النظام السعودي لا تعطي انطباعاً ان الملك سلمان ينظر الى القضية الفلسطينية بالطريقة التي يحاول التقرير ابرازها لا سيما وأن اصحاب هذه الدعوات لا توجه لهم الحكومة السعودية اي تساؤل او استدعاء كما نفعل مع من يطالبون بنصرة الفلسطينيين ناهيك عن المعتقلين الفلسطينين المنتمين للمقاومة الفلسطينية في سجون النظام السعودي.
والجدير بالذكر ايضاً أن مقالأ نُشر في صحيفة “بوليتيكو” بتاريخ 28 أيار 2020 ينسف صحة ما ورد في تقرير “تاكتيكال ريبورت”, إذ افاد المقال الذي كتبه آرون ديفيد ميللر المفاوض السابق في المحادثات الإسرائيلية- الفلسطينية، والزميل البارز حاليا بوقفية كارنيغي للسلام العالمي، إلى أن العالم العربي يدير علاقاته مع “إسرائيل”، ويصنع معها سلاماً بدون الحاجة لاتفاقية سلام.
وقال المقال إن عددا من دول الخليج تبدو راضية عن هذا الوضع وألا حاجة لحل القضية الفلسطينية كشرط للتطبيع مع دولة “إسرائيل”.
وتحدث “ميلر” في بداية المقال عن رحلة الطيران الإماراتي الأولى المباشرة من مطار أبو ظبي إلى مطار بن غوريون في تل أبيب محملة بإمدادات طبية للفلسطينيين، الذين رفضوها بغضب. وقال إن الرحلة غير المسبوقة يجب ألا تفاجئنا، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية ازدهرت العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية والبحرين. وأضاف أن الأمثلة على ذوبان الجليد العظيم متعددة وتحدث في فضاء سياسي متجمد.
وعدد ميللر عددا من مظاهر الاتصالات، مثل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته ومدير مخابراته إلى عُمان، واستقبال السلطان الراحل قابوس لهم. كما والتقى نتنياهو وزراء خارجية كل من عُمان والإمارات والبحرين في الولايات المتحدة. وزارت وزير الثقافة الإسرائيلية، الإمارات، واستقبلت البحرين إسرائيليين بمن فيهم حاخام القدس وطلبت المنامة مساعدة إسرائيل لمواجهة كوفيد-19.
وشارك لاعبو الجودو الإسرائيليون في مباريات بالإمارات حيث عزف السلام ورفع العلم الإسرائيلي هناك. وتقدر قيمة التجارة السنوية المتبادلة بين إسرائيل ودول الخليج بمليار دولار. ووقّعت شركة إسرائيلية “إي جي تي إنترناشونال” عقدا بقيمة 800 مليون دولار مع الإمارات لتوفير أجهزة رقابة حدودية.
ويعلق ميللر أن هذه القائمة الجزئية تقدم فقط الإشارات الواضحة، فهناك علاقات سرية وتعاون أمني في مجال الاستخبارات، وأكثر مما هو ظاهر.
ويضيف الكاتب أن التقارب المدهش هذا بين إسرائيل ودول عربية يجري تحت سمع وبصر رئيس وزراء متطرف لا يؤمن بحل الدولتين، بل يعمل كل ما بوسعه لمنع ظهور دولة فلسطينية من خلال ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وكل القدس.
فعلى خلاف تحذير المحللين والساسة ودعاة السلام من تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة لو لم تتوصل لتسوية مع الفلسطينيين، تحقق إسرائيل خطوات كبيرة في التطبيع مع الأنظمة العربية دون الحاجة لعقد صفقة سلام. بالتأكيد لا تؤشر هذه التطورات إلى أن دول الخليج تقف على حافة تطبيع مع إسرائيل، ولم يتخل العالم العربي بعد عن ارتباطه العاطفي بالقضية الفلسطينية ومعاداة إسرائيل، و”لكن المراقب المتشكك يعترف أن شيئا قد تغير، فماذا يفسر إذا هذا التحول؟”.
ويرى ميللر أن هناك عددا من العوامل المهمة التي دفعت للتغيير، منها صعود إيران والجماعات الجهادية السنية التي نشرت الإرهاب في كل أنحاء المنطقة، كل هذا خلق تزامنا ضيقا ومهماً في المصالح بين إسرائيل والعالم العربي. وكذا التعب والإحباط من القضية الفلسطينية التي لم تحل بعد، بشكل فتح المجال أمام الدول العربية لمتابعة مصالحها.
ولكن العامل الأهم في كل هذا هو غرام البيت الأبيض بالمال وبيع السلاح للدول العربية والاستثمارات العربية في أمريكا ورغبة البيت الأبيض في حشد العرب لدعم الأجندة المعادية لإيران والمؤيدة لإسرائيل.
وبدا هذا في محاولات دفع دول الخليج لدعم الأجندات هذه، حيث أعطى دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر بطاقة مفتوحة لمتابعة سياسات كارثية بدون تدخل. ولهذا وجدت الدول العربية فرصة في دعم الرئيس الصديق المستبد واتبعت ما يقوله لها.
ومن المنظور الإسرائيلي، فسبب التقارب ليس من الصعب فهمه، وهو جزء من محاولة نتنياهو تقديم صورة إسرائيل الدولية عبر زيارات تاريخية إلى الهند وأمريكا اللاتينية وآسيا وجنوب آسيا وأفريقيا. وتحظى إسرائيل باعتراف دولي أكبر مما كان عليه بعد إنشائها. وفي الشرق الأوسط، تهدف عمليات التقارب لإظهار أن إسرائيل تستطيع التعامل مع الدول العربية الرئيسية بدون أن تقدم تنازلات في القضية الفلسطينية، إضافة لحشد دعم الدول العربية في الحملة ضد إيران.
وتعتبر السعودية والإمارات إيران هي القضية المستعصية لها وتهديدا أمنيا أكثر من القضية الفلسطينية. وعليه ترى دول الخليج في إسرائيل شريكا في جهود احتواء إيران وطموحاتها الإقليمية. وبدأت الشراكة بالتبلور مع توصل إدارة باراك أوباما لاتفاقية نووية مع إيران، ونظر إليها بأنها محاولة أمريكية لإضفاء الشرعية على الجمهورية الإسلامية.
ويرى الكاتب أن زيادة زخم العلاقات بين إسرائيل ودول عربية جاء لأنها نبعت من احتياجات محلية، ولكن إدارة ترامب أمسكت بالكرة وقررت إدارة اللعبة. بالإضافة إلى أن ترامب الحريص على تفكيك سياسات سلفه أوباما، والشعور بأنه نفّر إسرائيل والسعودية، جعل منهما مفتاحا رئيسيا لسياسته في المنطقة.
ويقول الكاتب إن جارد كوشنر أخبره في لقائه الأول معه عام 2017 بوضوح عن تصميم ترامب على بناء علاقات استراتيجية مع البلدين. ولم تكن مصادفة أن تكون زيارة ترامب الأولى للسعودية، حيث أحضر معه وفدا كبيرا من كبار الأسماء في مجال التجارة والمال وتحدث عن صفقات السلاح وملايين الوظائف للأمريكيين.
ثم أتبع زيارته للسعودية بتوقفٍ في إسرائيل. وكان أول رئيس أمريكي يزور حائط البراق في القدس. ورتب الزيارة جارد كوشنر الذي أقام علاقة قوية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهو شخصية متهورة سيكون اسمه بارزا في الكثير من الكوارث في اليمن واختطاف رئيس الوزراء اللبناني، وقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وخطّط كوشنر للتسوية في الشرق الأوسط، وفي قلب كل هذه الجهود كان الترويج للعلاقات العربية- الإسرائيلية لتقوية المواجهة مع إيران وبناء ورقة نفوذ تدفع بالفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. ولعبت دول الخليج الورقة الإسرائيلية، حيث اعتقدت أن الطريق إلى واشنطن يمر عبرها. وتقارب السعوديون تحديدا مع إدارة ترامب التي رفضت التخلي عنهم حتى بعد الدور الكارثي لمحمد بن سلمان في جريمة قتل خاشقجي.
وفي عدد من المناسبات الرمزية التي ظهر فيها مسؤولون سعوديون إلى جانب نتنياهو مثل قمة وارسو الأمنية عام 2019، ظل السعوديون إلى جانب ترامب، حيث خففوا من ردهم على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وفي ذلك العام، استقبلت المنامة بإذن من السعودية ورشة نظمتها أمريكا حضرها ممثلون عرب وإسرائيليون. وتساءل ميللر هل سيستمر شهر العسل بين الدول العربية وإسرائيل؟ والجواب نعم، لأن ما يدفع العلاقات هو المصلحة الذاتية، فالتهديد الإيراني لن يختفي فيما تمر العلاقات الأمريكية – السعودية في مرحلة من التوتر بسبب حرب أسعار النفط.
وطالما اعتقد السعوديون والإماراتيون أن رضى ترامب يخدم مصالحهم فسيستمر تعاونهم. ولمَ لا؟ فالسعودية لديها عدد قليل من الأصدقاء في واشنطن أكثر مما لديها في البيت الأبيض الذي تجاوز الكونغرس وأعلن حالة الطوارئ لكي يمرر صفقات سلاح للسعودية والإمارات. وبالنسبة لنتنياهو فطالما لم يتوقع الكثير من أصدقائه العرب الجدد ولم يفلس البنك بضمه الضفة الغربية ووادي الأردن فسيظلون معه كما فعلوا عندما نقل ترامب السفارة من تل أبيب إلى القدس. وهذا ليس سلاماً لأنه لم يكن مطروحا على الطاولة، وفي شرق أوسط غاضب ومحطم وعاجز، فمن يريد أكثر من هذا؟
المصدر: الواقع السعودي
from وكالة نيوز https://ift.tt/2XlM1JH
via IFTTT
0 comments: