Saturday, May 16, 2020

أفرَغَ أَثاثَ الكنيسة والمصلوب وَتَباهى

“ليبانون ديبايت” – روني ألفا

أستشهِدُ بالبابا فرنسيس إذ يستشهدُ بدوره بالكاردينال الراحل كارلو ماريا مارتيني. يقول مارتيني أن الكنيسة متأخرة مئتَي سنة عن مواكبة مشاكل العصر بسبب خوفها الفطري من التغيير. كلام بابوي.

يتابع بابا روما مشيراً إلى أن الكنيسة لم تعد تحتكر الثقافة . لم تعد أوّل مَن يَسمَع ولا أوّل مَن يُسمِع. الإيمان بتعاليم الكنيسة في أوروبا لم يعد تحصيلاً حاصلاً. غالباً ما يُلفَظ ويُهمَّش ويُتَهكّم عليه. لن أُطيل. عظة الحَبر الأعظم أُلقِيَت في الڤاتيكان منذ خمسة أشهر تقريباً إحتفاءً بعيد الميلاد. للمتبحِّر في التّوثيق أن يعود إليها كاملة. مَتنُها أكثر جرأةً مما أوردناه في مقدّمتنا.

من نافل القول الإستنتاج أن كنيستنا في لبنان معنيّة بالخوف الفطري الذي أشار إليه صاحب العصمة. كورونا والبؤس الإجتماعي المُواكب كانا فرصةً ذهبية للكنيسة في بلدنا أُتيحَت لها حتى تصنع التغيير. بدَل أن تختار التغيير اختارت الخوف.

تَعلّمنا في إيماننا المسيحي أنَّ الكنيسة مُقاتِلة ومُقاوِمة ومناضِلَة ومُستَشهِدة. تربّينا على سِنكسار شهدائها وحفِظنا عن ظهر قلب سِيَرَهم الذاتية. حلَّ ڤيروس كورونا علينا فَحُجِرنا. شَخَصَت عيونُنا نحو كنيسةٍ آمَنّا أنها لا تُحجَر فإذا بها مَحجورة.

التباعد الإجتماعي يكاد يكون سمةً مؤسِّسةً لتعاطي الكنيسة مع المأساة. في بلدنا المؤمنون قلقون ومتعبون وجائعون ومُعوَزون وضائعون فماذا فعلت لهم كنيستهم؟

بالطبع هناك جمعيات مرتبطة بالكنيسة تزورُ المرضى وتُطعمُ الفقراء وتوزّعُ الكمّامات. لكن الكنيسة ليست جمعية. لو كانت كذلك لكانت مثلها مثل أي منظمة غير حكومية. الكنيسة هي تأوهاتُ روحِ كلِّ مؤمنٍ عندما تتمخّضُ في روحٍ جماعية. الكنيسةُ هي تَوقُ ملايينِ التراتيل إلى أسماعِ اللهِ الآب. لا يمكنُ إدارةُ كنيسة كما تدارُ شركة أو مؤسسة أو هولدينغ.

يؤلمنا أن نرى التجاعيدَ على مُحيّا الكنيسة. أن نراها في سكونٍ وركودٍ وضُمور. تتلعثمُ الكنيسةُ حين نطلبُ إليها أن تذكرَ دليلاً واحِداً يربطُ بين أقوالِها وأفعالِها. ربّما يسعفها الفايسبوك. الكنيسةُ تواصلت مع أبنائها بفضلِ مارك زوكربرغ فصارت القداديسُ تُبثُّ فايسبوك لايڤ.

لا شيءَ يُنبئُ أن الكنيسةَ ستخلَعُ خوفَها. أديارُها. أملاكها. أرصدتها. جبالها. وديانها. سهولها. تُحَفُها. أثاثُها. كلُّ مقتنياتِها تتفرّجُ على دموعِ الناس. أجملُ وأرقى خوفٍ يمكنُ أن يعتري الكنيسةَ هو الخوفُ ” مِن ” أملاكها. بدلاً من هذا الخوفِ المبارك نرى الكنيسةَ تخافُ ” على ” أملاكها. يصعبُ علينا أن نقبلَ هذا الخوفَ كلما عادت بِنَا الذاكرةُ إلى حقيقةِ أن المسيحَ غلبَ العالمَ وكانَ أفقرَ مَن في الأرض.

الأرصدةُ تضحكُ والنَّاسُ تبكي. رأسُ الكنيسة الكاثوليكية خصّصَ ٧٥٠،٠٠٠ دولار منذ أيام للبلدان الأكثر فقراً لمساعدتها على مواجهة جائحة كورونا. الكنائس المحلية ستحصل على بعض الفتات. كنيستنا المحلية تعيشُ على فُتات الڤاتيكان وهي أغنى منه.

البطريرك عمانوئيل العراقي حوّلَ الانجيلَ إلى شهادةِ حياة. غلبَ ألاوقاتَ الصعبة. شاركَ شعبه الهمومَ والأفراحَ والآمال. كان مثابراً على الزيارات الراعوية للأبرشيات والرعايا، داخلَ العراق وخارجَه، للإطلاعِ على أحوالِ الكلدانِ وتشجيعهم. خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية سمعَ أنينَ وطنه العراق وشعبه المجروح. أعانَ آلافَ المنكوبين . قدَّمَ لهم المأوى في كنائسِ الموصل والأديرةِ وفي بلدات سهلِ نينوى وأطعمهم. فتحَ المدارسَ لأولادهم. أسّسَ داراً للأيتام. جادَ بسخاءٍ لمعالجةِ الجرحى والمرضى. دَفَنَ الموتى. من أجل ذلك باعَ الآثاثَ والأواني الكنسيَّة واستقرضَ المال.

البطريرك الحويك باعَ ممتلكات الكنيسةِ لإطعامِ الفقراء. البطريرك أنطون عريضة رهنَ صليبه وخاتمه عندما كان مطراناً لإطعامِ جياعِ الحرب العالميةِ الأولى.

البطريرك غريغوريوس حداد الملقّب بمحمد غريغوريوس فتحَ أبوابَ المقرِّ البطريركي في دمشق أمام المحتاجين من كلِّ الطوائف خلالَ الحرب الأولى.

مار أغناطيوس بهنام. سعى إلى تضميدِ مصائبِ الناس في الموصل عام 1880 حينما وقعوا في ضيقٍ شديدٍ لم يسبق له مثيل. وزَّعَ عليهم الصدقات المالية والطعامَ والملابسَ سداً لحاجاتهم الضرورية. عندما نفدتْ منه العَطايا استلفَ مبلغاً من الدراهم بالفائدة وباعَ أثمنَ أمتعته الحَبرية لينفقَ قيمتها على الفقراءِ عموماً من مسلمينَ ومسيحيين.

هؤلاء وغيرهم كُثُر باعوا الحَجَرَ واشتروا بثمنه كرامةَ البشر. في عزِّ التفتيش عن بطاركةٍ لكنيستنا بمختلف انتماءاتها نفتِّشُ عن بطريركٍ واحد. بطريرك المعيّة.



from وكالة نيوز https://ift.tt/2y7Yx5Z
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل