Wednesday, April 1, 2020

رؤساء حكومات المحاصصة في زمن “كورونا”!

“ليبانون ديبايت” – ملاك عقيل

في الوقت الذي أطلقت فيه صرخات الاستغاثة من “عُلَبِ” البؤس وجابت مسيرات الجيّاع شوارع الشمال وبيروت والضاحية، وبالتزامن مع حجب المصارف دولارات الناس عن مستحقيها، لم يجد تجمّع رؤساء الحكومات السابقين، أصحاب المليارات والطائرات والودائع الآمنة حيث هي، أفضل من خوض معركة الدفاع عن تعيين موظف يصدف أن راتبه يساوي ثروة، ومنطق “الشدّ” به ليس سوى تكريسٍ لمنطق المحاصصات من أيامهم وجرّ!

كانت الفرصة مِثالية أمام سعد الحريري وتمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة حتى يساندوا رئيس الحكومة حسان دياب في معركته المتعِبة التي يخوضها على حلبة التعيينات المالية بوجه من لا يزال يحاول فرض منطق تثبيت الأزلام في الادارات والمحاصصة. كانت فرصة لا تعوّض لتعويم شعبية “الحضيض” لرؤساء الحكومات. بأن يحمل هؤلاء، محصّنين بكمّامات وقفازات، حصص المساعدات الغذائية لناسهم وشعبهم الجائع. يسلّمون عليهم مع مسافات آمنة ويسألون خاطرهم المكسور. يقولون لهم “لا قروض سكنية لكم اليوم ولا فرص عمل. لكن علب الحليب والرز والخبز والمعلّبات بتصرّفكم. لا تخافوا نحن الى جانبكم وبخدمتكم”.

سَبَقهم الى دقّ ناقوس خطر “المسّ بالكرامات” نواب تيار المستقبل: “لن نرضى أن تكون (المواقع في مصرف لبنان) لقمة سائغة لأي جهة سياسية مهما علا شأنها، وأي محاولة للتلاعب فيها أو تقديمها هدايا مجانية لن تمرّ مرور الكرام”!

اصطفّ هؤلاء جميعًا في طابور المزايدات الطائفية واستنفار العصبيات وتكريس منطق “خود وهات” وهم يعاينون عبر شاشات التلفزة، في منازلهم المحصّنة من الوباء والعوز، كُفر اللبنانيين بغلاء الأسعار الفاحش والطوابير أمام ماكينات الصرّاف الآلي، وحالات الهياج في الأزقة المعتمة “الكورونا أهون من الجوع”!!

الحريري يخوض معركة حماية أزلامه في الادارة على رأسهم النائب الثالث للحاكم محمد بعاصيري، و”جوقة” الرؤساء السابقين تؤّمن الغطاء له ليس حبًّا بـ “المُبعد” عن جنّة السلطة بل كرهًا بـ “الحاكم” في السرايا لغاية في نفس طامحين أزليين للعودة مجددًا الى كرسيّ السلطة.

الحريري تحديدًا لا يمكن أن تغفر له خطيئة عدم ركوب الطائرة الاخيرة قبل إقفال مطار بيروت والتوجّه فورًا الى بيت الوسط محوّلًا إياه الى غرفةِ عمليّاتٍ إنقاذية لجمهوره المنكوب، وساعيًا لصنعِ زعامةٍ حقيقيةٍ من وجعِ الشارع. كيف يمكن أن “يُقبض جدّ” زعيم طائفة يغرِّد من فرنسا مهدّدًا باستقالةِ نوابهِ كرمى لحصّةٍ على شكل موظفين وينبش قبر “الصلاحيات”، عوضَ أن يهدَّ الحيطان على رأسِ حكومة دياب لتأخّرها عن سدِّ “الامعاء الخاوية”. هل من مستشارٍ واعٍ الى جانب الحريري يشرح له مغزى ردّة فعل بعض شبان حلبا على اجتماع خلية الأزمة في عكار وهبة المئة مليون ليرة من “الشيخ سعد”؟!.

اشتمَّ تجمّع رؤساء الحكومات السابقين من التعيينات “السيطرة على مواقع الدولة من دون الالتزام بالكفاءة والجدارة… والتغافل عن مطالب الانتفاضة”. في البيان نفسه، يجزمون بأنّ “لبنان لا يمكنه مواجهة الظروفِ والمخاطر الراهنة على مختلفِ الأصعدة والمستويات باستمرار ممارسات المحاصصة”.

تناقضٌ فاضحٌ يكشف زيف البيان الهمايوني المسيَّس حتى العظم. رؤساء حكومات العقود المجبولة بالهدر والفساد وتركيب دين تاريخي على اللبنانيين يعتبرون أن ما يحصل اليوم هو استمرارٌ لممارساتِ المحاصصةِ. طبعًا لم يحصل ذلك في عهودِ بوريس جونسون وجاستن ترودو أو إدوار فيليب.

قبل دياب، كان سعد الحريري (ولايتان)، وقبله، تمام سلام (ولاية واحدة)، وقبل سلام كان نجيب ميقاتي (ولاية واحدة)، ثم الحريري (ولاية ثالثة)، ثم فؤاد السنيورة (ولاية من 4 سنوات و112 يومًا)، ومجدّدًا ميقاتي… دكتور الجامعة الاميركية يحاول “الإفتاء” بالكفاءة بعيدًا من المحسوبيّةِ مدخلًا لدخول أكبر موظفٍ الى الادارة. رؤساء حكومات عقود الهدر استنفروا. ليس هكذا يورد الإبل يا حسان دياب!!

منذ بدء الحكومة الحالية مهامها، أعلن دياب التزامه بالسير بآلية التعييناتِ لاختيار موظفي الادارة. ومن أجل ذلك، عيّنت لجنة وزارية ستكون مهامها إدخال تعديلاتٍ على الآلية الحالية التي لم يَسر بها تجمّع رؤساء الحكومات السابقين مفضّلين اختيار أزلامهم وفق معيار التبعية والولاء، وإن وجدت الكفاءة “زيادة الخير خير”.

وسريعًا وجدت الحكومة نفسها أمام معضلةِ بتّ التعييناتِ المالية بسبب طابعها المُلِحّ تحديدًا نواب حاكم مصرف لبنان أعضاء هيئة الرقابة على المصارفِ وهيئة الاسواق المالية. لم يكن هناك من مجالٍ لإخضاعِ هؤلاء لاختبار الآلية، لكن بديل دياب كان جاهزًا: لا تمديد بالتعيين ولا للحزبيين والكفاءة أولًا.

في تعييناتِ نواب الحاكم علامة سوداء تطاول الطاقم السياسي كلّه بما في ذلك حكومة دياب إذا فعلًا قرَّرَت قلب الطاولة. هؤلاء هم مثالُ ذهنيّةِ التنفيعةِ الطائفيّةِ والسياسيّةِ.

عمليًا، ليس هناك دولة في العالم تلحظ وجود 4 نواب لحاكمية مصرف، وغالبيتها تكتفي بنائبٍ واحدٍ. بدعةٌ لبنانيّةٌ، بدأت بنائبَيْن للحاكم ثم ارتفعت الى 4 لدواعي “برطلة” من لا يشبعون.

وفق المادة 18 من قانون النقدِ والتسليفِ “يعيَّن نواب حاكم مصرف لبنان لخمسِ سنواتٍ، بمرسومٍ يُتَّخَذ في مجلسِ الوزراء، بناءً على اقتراحِ وزير المال واستشارةِ الحاكمِ، وهم يمارسون الوظائف التي يُعيِّنها لهم الحاكم”، ويمكن التجديد لهم وفق المادة نفسها “مرّة أو مرّات عدّة”. إذًا لا وظيفة محدّدة ولا حتى تأثير في قرار الحاكم، فقط استنسابية في منح Devoir الشغل. مواقعٌ فارغة من أيّ مضمونٍ وتأثيرٍ في القرار المالي للدولة اللبنانية تُكلِّف خزينة الدولة ثروة!

يحصل الحاكم ونوابه الأربعة على رواتب 16 شهرًا في العام. قيمة الراتب الشهري لكلِّ واحدٍ منهم 35 مليون ليرة أي 560 مليون ليرة لكلِّ نائبٍ في عامٍ. الأربعة يكلِّفون الخزينة أكثر من مليارَيْ ليرة سنويًا. أما تعويض نهاية خدمة “التنفيعة” والاستزلام، وبعضهم للخارجِ وليس فقط للمرجعيّةِ التي عيَّنَته، فهو مجموع الرواتبِ على مدى سنتَيْن.

ارقامٌ خيالية في عزّ ورشةِ مكافحةِ الفسادِ… هذا إن تكرَّمَ الحاكم “وجيَّرَ لهم الوظائف ليمارسونها”. يجدر فقط حمل الآلة الحاسبة وتقدير حجمِ الوفرِ بالاستغناءِ عن خدماتِ ثلاثةِ نواب للحاكم، والإبقاء على واحدٍ فقط!



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2wSdJDy
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل