دأبت سميرة، وهي بائعة خضراوات تبلغ من العمر 46 عاماً، على السفر يومياً مسافة 90 كلم من المنوفية إلى القاهرة في شاحنة مزدحمة بـ15 شخصاً آخرين، والآن هي لا تلتزم بإرشادات التباعد الاجتماعي الخاصة بفيروس كورونا التي تطالب الناس بالبقاء في المنزل قدر المستطاع.
أرملة تعول 4 أطفال
ومثلها مثل ملايين آخرين من المصريين، فالبقاء في المنزل ليس خياراً لسميرة، وهي أرملة لديها أربعة أطفال. فإذا التزمت بالبقاء في منزلها ستعجز الأم المعيلة عن توفير المأكل والملبس والمأوى لأسرتها، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني.
فرضت الحكومة المصرية في مارس/آذار الماضي في إطار استجابتها لتفشي فيروس كورونا حظر تجوال ليلي في أنحاء البلد، وأغلقت المدارس والجامعات والمقاهي والملاهي الليلية وأماكن الترفيه. حظرت الحكومة أيضاً تحركات الأشخاص بما في ذلك استخدام وسائل النقل العامة والمركبات الخاصة على كل الطرقات العامة من الساعة الثامنة مساءً حتى السادسة صباحاً يومياً.
لم تكن مصر منذ بداية ظهور المرض بهذه الصرامة في استجابتها لجائحة “كوفيد-19″، إذا فندت إلى حدٍّ كبير في بداية الأمر الخطر باعتباره مشكلة تواجهها بلدان أخرى.
الحكومة لم توفر سبل التباعد الاجتماعي
لكن لاحقاً، مع ارتفاع أعداد الإصابات، بدأت الحكومة في إلقاء لوم انتشار المرض على المواطنين، في حين لم توفر السُّبل الضرورية للتباعد الاجتماعي وأدنى مستويات الأمن الاجتماعي.
فضلاً عن هذا، تسببت القيود في صعوبات اقتصادية لملايين المصريين الذي يعيشون في فقر بالفعل، بما في ذلك العمالة غير المنتظمة، التي تمثل 30% من القوة العاملة في البلد.
تبيع سميرة منتجاتها في الغالب لزبائن عشوائيين ممن يمرون بالشارع الذي تفرتشه ونساء يعملن بوزارة الزراعة في منطقة الدقي بمحاظفة الجيزة. وقالت سمير لموقع Middle East Eye البريطاني: “إذا لم آتِ إلى القاهرة يوماً واحداً فقط، سأعجز عن توفير الطعام والادخار من أجل الإيجار ومصروفات المدرسة”.
“الأمر سيان”
تختلط سميرة، التي لا تضع قناعاً للوجه أو ترتدي قفازات، مع نحو 120 شخصاً مختلفاً بما في ذلك زبائنها، وفقاً لتقديراتها. وتقول: “إذا أُصبت بالفيروس سأموت، وإن لم أعمل سأموت أنا وأطفالي أيضاً، لكن في هذه الحالة من الجوع. لذا فالأمر سيان”.
تقول سميرة إنه في قرى محافظة المنوفية “لا يوجد ما يسمى حظراً. الورش، والمصانع ومواقع الإنشاء وغيرها من أماكن العمل مستمرة في عملها لتقليل خسائرها نتيجة انخفاض المبيعات”.
في الأيام التي تعجز فيها سميرة عن السفر إلى القاهرة لبيع منتجاتها، تعمل في تنظيف المنازل لتعويض العجز في دخلها.
“للأغنياء فقط”
يقول زين عوض، وهو واحد من الباعة المتجولين يعمل في منطقة عين شمس التي تقطنها الطبقة العاملة، لموقع Middle East Eye إنه لم يسمع أو يرَ حملات عن طريقة التعامل مع الفيروس، ولا يمكنه الوصول إلى الإنترنت أو التلفزيون. يقول الرجل الخمسيني إن أصدقاءه فقط نصحوه بعدم تدخين النرجيلة.
يستظل زين بشجرة مورقة من أشعة الشمس الحارقة في انتظار زبائنه لكي يشتروا منه العسل والفطير. ويقول متحدثاً عن إجراءات الحظر والإغلاق: “البقاء في المنزل هو أمر للأغنياء، لن أقدر أبداً على تحمُّل تكلفته”.
ويقول مشيراً إلى باعة آخرين في الشارع وطابور من الأشخاص ينتظرون خارج مؤسسة حكومية: “لولا الفقر والجوع، لبقى هؤلاء الناس في منازلهم في هدوء”.
إعانات الدولة
في قرية كرداسة بمحافظة الجيزة، قال أحمد عبدالله الذي يعمل حارساً لبناية خاصة إنه ملأ استمارة الحصول على الإعانة المؤقتة للعمالة غير المنتظمة التي أعلنت عنها الحكومة وتصل إلى 500 جنيه شهرياً، لكنه اضطر إلى دفع رشوة تبلغ 100 جنيه لموظف حكومي لمساعدته في إدخال بياناته عبر الكمبيوتر.
قال موقع Middle East Eye إنه تواصل مع شخصين آخرين قدما أيضاً طلبات للحصول على الإعانة، وكلاهما أكد أنهما اضطُرَّا لرشوة إما حارس أمن مكتب البريد أو موظف به لمساعدتهما في إدخال بياناتهما.
وقال أحمد: “أغلب هؤلاء الناس لا يقرؤون ويكتبون جيداً. كيف سيستطيعون استخدام حاسوب متصل بالإنترنت؟”.
ومن بين فئة المنسيين الذين ليس بمقدورهم تحمل تكلفة التباعد الاجتماعي والمعروف عنهم أنهم يعيشون في ظروف قاسية لا يمكن تحملها؛ مجندو قوات الأمن.
قناع طبي لمدة 40 يوماً
يقول مجند شرطة من محافظة أسيوط يخدم في مديرية أمن السويس، لموقع Middle East Eye، إن الضابط المسؤول عنه أعطاه هو وكل فرد في فرقته قناعاً واحداً وزوجاً من القفازات وقال إنه سيكون عليهم الاحتفاظ بها لمدة 40 يوماً.
وبدلاً من الأقنعة والقفازات، اضطر المجند وأصدقاؤه إلى استخدام الأوشحة والمناديل لتغطية وجوههم عندما يكونوا خارج الخدمة، حتى أنهم صنعوا أقنعةً من الورق المقوى والبلاستيك.
وقال المجند، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، إن الضباط أخبروهم بأن يبقوا أيديهم نظيفة و”أن يتعاملوا مع الفيروس كما لو أنه نزلة برد”.
ومع ذلك، أشار المجند إلى أنه ينام مع 39 آخرين على مقربة من بعضهم البعض في غرفةٍ واحدةٍ بأسرَّة من طابقين، ولا يمكنهم غسل أيديهم لأن أغلب خدمتهم تُلزمهم بحراسة مكان محدد لفترة تتراوح بين 6 إلى 8 ساعات في المرة الواحدة، وعادة لا تكون هناك مياه جارية لاستخدامها.
وقال: “اعتدنا استخدام مرحاض أقرب جامع، أو مستشفى أو مقهى محلي، لكن كل هذه الأماكن مغلقة الآن”.
مجندو الشرطة والجيش
وقال مجند آخر يتبع مديرية أمن الجيزة، حيث يعمل سائقاً لضابط شرطة يحمل رتبة رفيعة، إنه وثمانية آخرين من زملائه يقيمون في غرفة واحدة صغيرة حيث لا توجد إمكانية لممارسة التباعد الاجتماعي، إذ يحتاجون جميعاً لنيل قسط من النوم قبل الذهاب إلى الخدمة في اليوم التالي.
وفي الجيش حيث ظهرت تقارير عن وجود العديد من الإصابات إضافة إلى حالتي وفاة، قال مجند يعمل طبيباً في معسكر تدريب في الجيزة، لموقع Middle East Eye، إن “المجندين الميسورين يستطيعون تحمل تكلفة شراء أقنعة ومطهرات، لكن الآخرين لا يقدرون” على تحمل تلك التكلفة، مشيراً إلى أن المشكلة الأكبر التي قد يواجهها الجيش في مواجهة الجائحة هي تكدس المنشآت التابعة له، يليها الافتقار إلى التدريب.
تهديدات وعواقب
لم يكن المصريون من أصحاب الوظائف المستقرة نسبياً والعاملين لدى الحكومة بمنأى عن معضلة الاختيار بين الانصياع لتوجيهات الإدارة أو مواجهة التسريح المحتمل.
مع تزايد التصريحات الوطنية والمؤثرة من رجل أعمال مصريين عن الحاجة لمواصلة الإنتاج ولـ”ازدهار الاقتصاد”، أكد عدة عمال مصانع وعاملين آخرين أنهم أُجبروا على العمل إما لنوبات إضافية دون مقابل، أو تلقوا تهديدات بتسريحهم في حال لم يأتوا إلى العمل.
أخبر ثلاثة عمال في مصنع إسمنت بمنطقة العاشر من رمضان موقع Middle East Eye بأن مديريهم هددوهم بالاقتطاع من رواتبهم إذا لم يحضروا إلى العمل.
وقال أحدهم إن إدارة المصنع وعدت العمال بصرف “250 جنيهاً كمكافأة” لعملهم أثناء جائحة كورونا لكنها لم تصرفها لهم، وبدلاً من ذلك أصدرت قراراً بوجود خفض مستقبلي في المرتبات.
ويخشى محمد سالم، وهو ناشط اشتراكي من المحلة، من أن تتعاون الحكومة مع أصحاب المصانع لاستخدام المادة “7” من قانون التظاهر، وهو ما قد يعني تغريم أو سجن المنتهكين، بحسب ما قاله لموقع Middle East Eye.
وتنص المادة “7” من قانون التظاهر على أنه “يحظر على المشاركين في الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو الدعوة إليه أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذائهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البري أو المائي أو الجوي أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو تعريضها للخطر”.
from وكالة نيوز https://ift.tt/2RNYPpe
via IFTTT
0 comments: