Thursday, April 2, 2020

للأغنياء فقط: تفاصيل عودة اللبنانيين من الخارج

“ليبانون ديبايت” – صفاء درويش

‎بكثيرٍ من السهولة يتعاطى الداخل اللبناني مع مسألة إعادة المغتربين، من دون النظر إلى صعوباتٍ وأخطارٍ عدّة قد توقف هذه العملية في بدايتها أو منتصفها، أو قد تعيق تنفيذ أجزاءٍ كبيرة من الخطة الموضوعة من أجلها.
‎يومَ طلبَ رئيس الحكومة حسان دياب مهلة ثلاثة أيام لدراسةِ إمكان إعادة المغتربين لم يكن طلبه من فراغٍ، وإنّما عن درايةٍ بواقعِ حال المطارات في العالم، وكذلك أحوال اللبنانيين في الخارج، حيث أنّ الأعداد الكبيرة، ورغبة كُثرٍ منهم العودة من دون حاجةٍ مُلِحَّة، قد يُنقل بعدها الخطر المُحتمَل على قلّةٍ منهم حيث هم، إلى كارثةٍ وطنيةٍ كبيرة.

‎في البدءِ، وبالتنسيق مع وزارة الخارجية التي يتم كل العمل الرسمي اللبناني عبرها، تتحضّر “الميدل إيست” بطواقمها وطائراتها إلى الإنطلاق منذ الساعة صفر التي حددها مجلس الوزراء في اتجاهاتٍ عدة لإجلاءِ اللبنانيين. هذه المرّة، طواقم الطائرة لا تقتصر على فرق طيران الشرق الأوسط، وإنّما على عناصر الأمن العام اللبناني، والأهم الكوادر الطبية التي ستجري الفحوصات في الدول، حيث أنّ الخطة تقضي بعدم إجلاء أيٍّ من المصابين بفيروسِ “كورونا” على الطائرات نفسها التي تقلّ باقي اللبنانيين، ليُصار إلى إرسال طائراتٍ خاصة لإجلائهم فيما بعد.

هذا الأمر دونه صعوبات عديدة، حيث أنّه على الرغم من تساهل عددٍ من الدول الصديقة مع القرار الحكومي اللبناني، فإنّ دولة ساحل العاج رفضت سلطاتها السماح للمراجعِ اللبنانية إجراء الفحوصات على أراضيها، وبالتالي بات اللبنانيون أمام أمرَيْن حلوهما مرٌّ، إمّا العدول عن خطوة الإجلاء من هذا البلد الإفريقي أو إجلاء كل اللبنانيين في الطائرات نفسها.

الخطوة كانت ستصبح مُمكِنة لو أنّ عددَ طالبي العودة من أبيدجان من الجالية اللبنانية هناك شبيهٌ بمالي (120 من اللبنانيين) أو توغو (400)، ولكن في الواقع فهو يزيد عن 4670 من المواطنين اللبنانيين، وبينهم إصابات مؤكّدة بـ”كورونا”. عودة هؤلاء على الطائرات نفسها تعني أنّ كلّ عائد من هناك هو ناقلٌ محتملٌ للفيروس، ما يعني أن الآلاف هم مهدَّدون بشكلٍ فعليٍّ ومعهم لبنان وإجراءاته وسكانه.

وفقًا لذلك، على الحكومة اتخاذ قرارٍ سريعٍ وحكيمٍ بهذا الخصوص، أو التواصل مع الحكومة العاجية لبحث سبل تسهيل إجراء الفحوصات، لتجنيب لبنان ما قد يكون كارثيًا. مصدرٌ مطلعٌ على سُبلِ التنفيذِ والإتصالاتِ القائمة يكشف عن أنّ ساحل العاج ليست الوحيدة التي تمانع اجراء الفحوصات على أراضيها، ولكن أعداد اللبنانيين فيها هي الأكبر.

‎إفريقيًا أيضًا تشير الأرقام إلى أن 400 من اللبنانيين سيُصار الى إجلائهم من غانا مقابل العدد نفسه من بنين و2500 من نيجيريا و1250 من كينيا و32 فقط من تنزانيا.

ويكشف مصدرٌ لبنانيٌّ في الجالية اللبنانية في ساحل العاج عن تخوّفِ اللبنانيين من أن تمنعَ الأولويات المذهبية عنهم حق العودة إلى لبنان، في ظلّ المعوقاتِ التي تطرأ على تنفيذِ الخطة وامكان وجودِ عددٍ قليل من الطائرات التي ستقلّ اللبنانيين من دول كثيرة.

‎في نيجيريا مثلًا يكشف مصدر في الجالية أن اللبنانيين يتوجهون عادةً إلى مستشفى خصصه آل الشاغوري لمعالجة اللبنانيين قبل تخصيصهِ لأفرادِ عائلتهم فقط ما دفع اللبنانيين إلى العدول عن رأيهم من أجل عدم البقاء هناك.

‎هذا وبعد تسجيل الراغبين في العودة من نيجيريا أسمائهم لم تُعالَج حتى الساعة مشكلة هبوطِ الطائرات اللبنانية في مطار لاغوس المُقفَل، والذي يعتبر تشغيله من أجل 8 طائرات لبنانية فقط دونه كلفة باهظة جدًا.

‎علاوة على ذلك، تشكو مصادرٌ من الجاليات اللبنانية في إفريقيا أنّ ثمن التذاكر المُحدَّد من قبل “الميدل ايست” غريبٌ جدًا وغير مدروسٍ، فعلى سبيل المثال ثمن تذكرة السفر من أبيدجان إلى بيروت هو 1800 دولار للدرجة العادية و3900 دولار لدرجةِ رجال الأعمال.

في هذا الإطار، تناشد الجاليات الحكومة اللبنانية الضغط على “الميدل ايست”، كونها شركة يملكها مصرف لبنان ومن خلفه الشعب اللبناني، الرأفة بحال مئات الشبان الذين كانوا يرسلون معظم أموالهم لعائلاتهم في لبنان ويصعب عليهم اليوم دفع ثمن التذاكر المرتفع عنهم وعن عائلاتهم في ظل وقف التحويلات من لبنان. يُطرح سؤال كبير هنا “هل ستؤمن الحكومة عودة المغترب الفقير أم أن خطتها لا تشمل سوى الأغنياء من شعبها؟”.

‎ثقل الخطة اللبنانية يتركز اليوم على افريقيا، نظرًا لضعف الأنظمة الصحية فيها والأعداد الكبيرة للبنانيين هناك، ومن ثم تأتي الدول الأوروبية. فيما ما زالت غير واضحة كيفية اجلاء 40 لبنانيًا المُسجَّلة أسمائهم في السفارة اللبنانية في أستراليا، علمًا أن أعداد الجالية هناك حوالي 300 ألفًا. الغموض الدائر حول اجلائهم يتمثل بعدم وجود خط طيران مباشر بين بيروت وسيدني، فيما الخط المعتمد عادة يمر بالدوحة عبر الطائرات القطرية، وهو الأمر غير المتوفر اليوم.

‎أمّا على صعيد الطلاب اللبنانيين في عددٍ من الدول الأوروبية، الذي تمنع أنظمة جامعاتهم السفر قبل تسديد القسوطات كاملة، وهو الأمر المستحيل اليوم في ظل انعدام التحويلات أيضًا، فعلقوا بين سندان خطر “كورونا” وتفشي الفيروس في دول إقامتهم وبين عجز أهلهم عن مساندتهم في هذه الظروف الحالكة.

‎في بيروت، نُقل عن رئيس الحكومة حسان دياب، تحذيره وبصريح العبارة، أنّه وفي حال وصلت إلى بيروت حالات عديدة من المصابين بـ “كورونا” فعملية إجلاء المغتربين ستتوقف حمايةً للبنان واللبنانيين على أراضيه.

‎وبين رغبة اللبنانيين بالعودة وبدء الحكومة الإجراءات الفعلية لتنفيذ ذلك من جهة، وبين الصعوبات الممزوجة بخطر تحويل لبنان إلى إيطاليا ثانية، هل سيعود كل من يرغب بذلك إلى حضن الوطن أم أن الظروف ستُلزم بعضهم بحجرٍ اغترابي بعيدًا من ربوع وطنهم الأم؟ العبرة اليوم في التنفيذ وتحمّل المسؤوليات الوطنية والإنسانية.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2UVcjjL
via IFTTT

Related Posts:

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل