علي منتش- لبنان 24
في اللحظة الذي إتخذ فيها “حزب الله” قراره بالذهاب إلى الحكومة بمعزل عن مشاركة قوى الرابع عشر من آذار فيها، كان يدرك جيّداً إلى أي رمالٍ متحركة سيقع فيها، وهذا ما دفعه إلى المحاولة مراراً وتكراراً مع الرئيس سعد الحريري ليتولى رئاسة الحكومة، لكن رفض الحريري إضافة إلى ظروف وحسابات إقليمية كثيرة دفعت الحزب إلى خيار الحكومة الأحادية التي يمتلك وحلفاؤه فيها السلطة الكاملة بعيداً عن شكلها المتعصرن مع شعارات الحراك.
زاد “حزب الله” حجم إحاطته المعلوماتية بالوضع المالي والإقتصادي والإداري في لبنان منذ ما بعد الإنتخابات النيابية الماضية مستخدماً وسائل وأدوات مشروعة وغير مشروعة، وقد أسس لذلك بنية داخل تنظيمه مهتمة بمعرفة نقاط ضعف النموذج الإداري والقضائي والإقتصادي اللبناني، والإعداد لمشاريع قوانين تؤّمن الذهاب إلى إغلاق الثغر التي يتسرب منها الفساد قانونياً. فبنظر الحزب غالبية الفساد اللبناني مقونن.
من هنا كان الحزب يدرك إلى أي فخّ يذهب بقدميه في ظل حالة الإمتعاض الشعبي التي قد تُصب على أي طرف يستلم الحكومة ولا يُحقق إنجازاً ملموساً وسريعاً، وهذا ما يُدرك الحزب نفسه أنه مستحيل.
خلال الأيام الأولى من تشكيل الحكومة، إتضح ما كان يلفه الضباب أيام التشكيل، إذ لا مساعدات دولية وإقليمية لحكومة حسّان دياب، وأن الوعود القطرية والفرنسية دونها عقبات وتعقيدات، لكن الحزب أدرك شيئاً آخر أيضاً، باباً تركه المجتمع الدولي للبنان هو صندوق النقد الدولي، الذي لا يجد الحزب نفسه معه في مشكلة أيديولوجية، لكن على قاعدة ما تريده أميركا لنا يجب تجنبه، فبدأ الحزب سياسة التراجع خطوات إلى الوراء في موقفه من صندوق النقد، إذ ألزمت قيادات الحزب في الصفّ الأول نفسها بمواقف معارضة بشدة لأي مساعدة من الصندوق.
يقول البعض أن الحزب قد يغض النظر عن مساعدة صندوق النقد الدولي في مرحلة مقبلة، لكن شرطه الأساسي هو القيام بإصلاحات حقيقية وجذرية داخلية تجعل الحاجة إلى مساعدة هذا الصندوق محدودة مما يحدّ أيضاً من شروطه السياسية والضريبية.
لكن في إنتظار لحظة طلب مساعدة صندوق النقد التي قد تسبقها تسوية إقليمية تحلّ الأزمة الإقليمية، ينظر الحزب إلى الأزمة في لبنان على أنها أزمة داخلية بنسبة عالية جداً، وأن حلها ممكن حتى وإن بقيت الضغوط الأميركية على لبنان، وكذلك يرى أن لبنان ليس دولة مفلسة ولن تكون، إذ إن التقديرات الحقيقية لممتلكات الدولة تصل إلى مئات من المليارات من دون إحتساب قيمة موجوداته من الذهب، كما يعتقد الحزب أن الضغوط الأميركية مستمرة إلى ما شاء الله.
هكذا أصبح الحزب أمام إحتمالين، الأول إنفجار شعبي جديد في وجه حكومته قد تكون بيئته جزءًا منه، خصوصاً في ظل التركيز الإعلامي الواضح على أي تحرك في مناطق نفوذ “حزب الله”، وتالياً دخول لبنان في نفق معيشي بالغ الصعوبة يستلزم إستسلاماً كاملاً للشروط الدولية قد يكون أقلها كلفة شروط صندوق النقد الدولي، أما الإحتمال الثاني فهو قيادة معركة بخطاب إقتصادي متكامل، والقيام بإجراءات جذرية والدخول في معارك حقيقية مع النظام المصرفي وكسر الإحتكارات وعدم مراعاة الخصوم السياسيين.
كوّن الحزب تصوراً جيداً عن نظرة قوى الحراك إلى الحلول من خلال لقاءات مكوكية تكررت مع عشرات المجموعات والشخصيات الناشطة، أقله بات يعلم ما هي الإجراءات التي تفعّل الشارع والإجراءات التي ترضيه.
دفع “حزب الله” الحكومة اللبنانية ورئيسها إلى وضع خطّة إقتصادية ومالية متكاملة مستفيداً من علاقته الجيدة النامية مع حسان دياب، الذي يستمع بجدية إلى نصائح الحزب ويأخذ بها، غير أن الخطة الموضوعة بحاجة إلى أشهر لتبدأ مفاعيلها بالتطبيق، هكذا سعى الحزب إلى أمرين: الأول، منع أي حراك من النهوض في ساحته مع عزل نفسه عن أي تأثير للتحركات الشعبية في مناطق أخرى، وثانياً الوصول إلى تفاهمات واسعة بين حليفيه، حركة “أمل” و”التيار الوطني الحرّ”، حيث يعمل الثنائي فضل الله (النائب حسن فضل الله والخبير الإقتصادي عبد الحليم فضل الله) على تدوير الزوايا بين الحليفين في الإجتماعات الدورية التي يحضرها النائب علي حسن خليل ووزير المالية غازي وزني والخبير الإقتصادي شربل قرداحي.
قد تكون التشكيلات القضائية التي ستظهر إلى العلن قريباً أولى تجليات جهود الحزب مع حلفائه وأولى الأهداف التي يضعها أمام عينيه، إذ سعى الحزب إلى إعطاء رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود بطاقةً خضراء من الثنائي الشيعي بضرورة التصرف بالتعيينات بما يراه مناسباً، وأن لا “فيتوات” على أي عملية مناقلة قد يقوم بها بالتعيينات الجديدة، شرط أن تشمل الحملة جميع المحسوبين على القوى السياسية وألا تقتصر على المقربين من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وتوحي المؤشرات الحالية إلى أن الحزب مرتاح للتشكيلات المرتقبة.
لكن طموح الحزب يشمل إجراءات قاسية يجب أن تتخذ في وجه المصارف تحملها جزءا أساسياً من الدين العام وزيادة الضرائب على الأرباح، إضافة إلى “هيركات” على كبار المودعين والبدء مباشرة بمعامل التغويز والإنتهاء منها في مهلة مئة يوم، كذلك البدء بتنفيذ خطة كهرباء والإنتهاء منها قبل بداية العام المقبل بعد تذليل الخلافات بين حلفاء الحكومة الواحدة. يضيف الحزب إلى طموحاته إقرار سلسلة واسعة من مشاريع القوانين التي بدأت في تشريع زراعة الحشيشة (لم يصوت الحزب عليه لأسباب دينية)، وفي قانون رفع السرية المصرفية، والتي ستستكمل في مهلة أقصاها 3 أشهر بقانون إستقلالية القضاء.
ساعة الصفر لهذه الإجراءات أو جزء منها ستكون مع إعلان الحكومة عدم دفع مستحقات اليورو بوند، حيث ستنتقل إلى مساعي جدية بهدف إعادة هيكلة الدين العام، أي شطب جزء منه، وليس فقط جدولته، غير أن هذه الإجراءات سترافقها إجراءات أخرى قد تأخذ طابعاً سياسياً، إذ إن إحدى الأهداف المقبلة ستكون مثلاً، إلغاء إمتياز الإسمنت.
كما يسعى الحزب إلى التطبيع الحكومي مع سوريا، لكن الأمر لم يدخل بعد حيّز التنفيذ الفعلي في إنتظار حسم الموقف من قبل دول الإقليم والدول الأوروبية في مسألة مساعدة لبنان، عندها قد تذهب الحكومة إلى تواصل سياسي جدي مع سوريا يقوده وزير الخارجية ناصيف حتي بالتزامن مع إحتمال عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2TEeOGg
via IFTTT
0 comments: