علي منتش- لبنان 24
يحصر كثر من المحللين الإتفاق الروسي – التركي الذي توجته القمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان بملف واحد هو الملف السوري، بل في بند واحد بهذا الملف، الناحية الميدانية في محافظة إدلب، ويبنون إنطلاقاً من ذلك، عن قصد أو غير قصد، تحليلاتهم وقراءاتهم للرابح والخاسر.
إنتهى لقاء بوتين – أردوغان أمس بإتفاق واضح وعلني يرسم الخريطة الميدانية مجدداً، ويضع خطوطاً حمراء أمام الطرفين وحلفائهما في محافظة إدلب، لكن بالنظر إلى هذه التسوية بحدودها الإدلبية يمكن القول بأن هذا الإتفاق لم يكن مرضياً لأي من الطرفين، وهذا ما يؤشر إلى أن إكتمال لوحة تقسيم النفوذ الإقليمية بينهما لم تنته بعد.
لعل ما يقال عن خسارة تكتيكية تركية في إدلب بعد التسوية صحيحاً، فبكل المعايير تراجعت أنقرة عن خطابها العالي وقدمت تنازلات واضحة في الميدان، إذ قبلت بالخريطة الميدانية الجديدة التي فرضها الجيش السوري خلال الشهرين الماضيين، والتي أدت إلى تجاوز إتفاق سوتشي، حيث قضم الجيش السوري على نحو 2000 كلم مربع من المناطق التي كان من المفترض أن تكون منزوعة السلاح وفق سوتشي، كذلك قدمت أنقرة تنازلاً آخر من خلال تعهدها بسحب المسلحين إلى عمق 6 كلم شمال أوتوستراد اللاذقية – حلب ما يؤدي أولاً إلى فتحه، وما في ذلك من أهمية حيوية لدمشق، وثانياً إبعاد المسلحين عن أهم وأكبر المدن في محافظة إدلب، من جسر الشغور وأريحة والنيرب ومحمبل.
من خلال هذه البنود التي وضعت في إتفاقية حققت موسكو تقدماً لافتاً على أنقرة في هذه المفاوضات، لكن في الواقع خسرت موسكو ما كانت تطمح إليه عند بدء العملية العسكرية في إدلب وذلك بسبب التوازن الذي أرساه التدخل العسكري التركي المباشر، إذ أن الهدف الإستراتيجي لموسكو كان تحقيق إنتصار كامل على أنقرة في إدلب ما يؤدي إلى سلب تركيا هذه الورقة في المفاوضات حول الملفات الإقليمية الأخرى، إذ سعى الجيش السوري المدعوم روسيا إلى السيطرة على اوتوسترادي M5 وM4 لكنه لم يستطع إلا السيطرة على الأول، كذلك كان الهدف التقدم إلى تخوم مدينة إدلب بعد السيطرة على سرمين، ما يجعل المسلحين المدعومين تركياً يعيشون في بؤرة غير قادرة على التأثير في الساحة الإدلبية. هذا كله لم يتحقق، لكن التقدم التكتيكي لموسكو على أنقرة كان محصوراً في إدلب.
ماذا عن باقي الساحات؟
تعتقد مصادر مطلعة أن ما حقق بعيداً عن البيان كان إتفاقا على تقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة، وبدء مسار حقيقي من التواصل بين الطرفين، سيبدأ بلقاء قمة ثلاثية بين أنقرة وطهران وموسكو لتحديد قواعد العمل المشتركة، تليها لقاءات رباعية يشارك فيها ممثلون أمنيون أو عسكريون عن أربعة أطراف، روسيا، إيران (إسماعيل قآاني)، أنقرة (حقان فيدان) ودمشق (علي مملوك)، على أن تطور اللقاءات لتصبح ثنائية تركية – سورية.
هذا المسار الذي إتفق بوتين وأردوغان على البدء به يهدف إلى أمرين، الأول معالجة كاملة نهائية لخطر النزوح السوري إلى تركيا، وعلى هذا الأساس تنازلت أنقرة عن بند المنطقة الآمنة عند حدود سوريا مع لواء الاسكندرون (محافظة هاتاي التركية) والتي كانت تطالب بها منذ مدة، أما الأمر الثاني فهو ضرب وتفريغ القوة الكردية في محافظتي الحسكة والرقة، وهذا ما قد يكون بحاجة إلى آليات وإتفاقات أخرى، أو لمناورات عسكرية سورية أو تركية تؤدي إلى النتيجة ذاتها.
الحلقة الفارغة في مؤشرات الإتفاق بين بوتين وأردوغان كان الملف الليبي الذي أعتبر أصل الإنفجار الإدلبي، وتالياً فإننا سنكون أمام إحتمالين، إما بدء إنفراج في الخلافات الروسية التركية حول ليبيا وتالياً إستمرار الهدوء في إدلب أو لا إتفاق في ليبيا، وتالياً إحتمالات الإنفجار العسكرية ستكون واردة في المرحلة المقبلة في غير جبهة سورية.
المهم أيضاَ ما حاول الطرفان إشاعته، بين كل رسائل العتب والغضب والإستنكار في الشكل والمضمون، فقد أصر الفريقان على الإيحاء بأن الخلافات في غير ملف بينهما لن تتحول إلى صراع إستراتيجي، إذ إن إستراتيجية كل من روسيا وتركيا هي زيادة حجم التقارب والتناغم الإقتصادي والسياسية، خصوصاً أن أنقرة تعلم أن كل الكلام الأميركي المعسول لا يمكن صرفه ولا يهدف إلا إلى إعادتها بالكامل إلى حظيرة حلف شمال الأطلسي، وكذلك موسكو ومن خلفها طهران لا يرغبان أبداً بالتفريط بما حققاه من تمايز بين أنقرة وواشنطن، ومن تقارب بينها وبينهم وذلك لأسباب قد تبدأ بالإقتصاد ولا تنتهي بالجغرافيا السياسية.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2TBKWdC
via IFTTT
0 comments: