Saturday, March 14, 2020

يوم غابت الدولة وحضر “ميزان الحرارة”

“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني

بدأت القصة بمزحةٍ، “كورونا صيني يعني تقليد ما بيعدي”، قبل أن تتحوَّلَ إلى رعبٍ في النفوسِ والقلوبِ. فيروس يدخل في ليلةٍ ظلماء فيها الكثير من الاستهتار يصل الى حدِّ التلاعبِ بصحةِ شعبٍ بأكملهِ، لا لشيءٍ إنما خوفًا على شعور دول إقليمية لها في الموت عادة وتحمل شهادات عليا بالتلاعب بمصير الشعوب وتحديدًا “المُستضعَفة” منها.

مسؤولون يُفترَض أنهم الجهة المؤتمَنة على حياة شعبها وصحته، لكنها بدل أن تصدَّ الباب بوجهِ رياحِ الأمراضِ والأوبئةِ التي حدفتها الينا المصالح الإنتخابية طمعًا بزيادةِ نسبةِ المقترعين خوفًا على ما تبقّى من مظهرٍ خارجيٍّ لنظامها أمام بقيّةِ الدول، راحَت تشرّعه أمام احتمالاتٍ وصلت إلى “البيئةِ الحاضنة” فأصابتها في الصميم وذلك تطبيقًا لمقولةِ “عند المصالحِ الكُبرى تسقط المصالح الصُغرى”، والصغرى هنا بيئة ناصرت قضيّة هذه الدول ومصالحها وقدَّمت الغالي والنفيس في سبيلها، إلى أن جاءَ اليوم وأصبحت هي الضحيّة.

هي مفارقةٌ بسيطةٌ لا تخضع لتأويلٍ ولا لعملياتٍ حسابيّة مُعقَّدَة. مسؤولون غير مسؤولين فتحوا باب الوباءِ على بلدٍ من مطارِ عاصمتهِ إلى المستشفياتِ، ليستوطن هذا الوباء المناطق والبلدات والأحياء ويُحيل المئات إلى العنايةِ المركزية أو الإلهية.

هي قصّةٌ أو حكايةٌ تكاد تقضي على ما تبقّى من آمالٍ لدى شعب ما زال يبحث عن فسحةِ أملٍ في مغارةٍ حرّاسها من اللصوصِ وصلت بهم أطماعهم وجشعهم الى حدِّ التلاعب بصحّةِ وأعمار الناسِ من الفئاتِ والأعمار كلّها، والاغرب أنّ هؤلاء أوجدوا لأنفسهم أعذارًا على قياسهم ورتّبوا في ما بينهم الأمور بحيث أصبحوا هم الضحيّة والجلاّد هو الشعبُ بعد اتهامه بنقل “الفيروس” عن طريق الجهل وعدم اتباعِ الإرشادات الجهات المعنيّة.

هي دولةُ إفلاسٍ وفشلٍ ونهبٍ وعجزٍ وسمسراتٍ وديونٍ وتخلّفٍ وتقاسمِ غنائمٍ ومصالحٍ. دولةُ الكراسي والمناصب التي يُباح لأجلها فعل كلّ ما يتخطى حدود المعقول. دولةٌ يموت المواطن فيها بيد حكامها، لكن “لا داعي للهلع”. دولةٌ يُصاب المئات من شعبها بأمراضٍ نتيجة تقاعسها عن القيام بأدنى الواجبات، لكن “لا داعي للهلع”.

هي دولةٌ يموت فيها الفقير على أبوابِ المستشفياتِ وفي الحجر الصحي بينما تُفتَح غرف المستشفيات في الداخل والخارج في حال شعر إبن الزعيم بصداعٍ بسيطٍ في الرأسِ، أيضًا لا داعي للهلع. حتّى في عزّ الهلع الذي وفي زمن الرعب والخوف من الموت بأوبئةٍ مستوردة، ثمّة صراع يدور بين أهل السياسةِ حول طريقة توزيعِ “الغنائم” في التوظيفاتِ والتشكيلاتِ، فتظهر صورتها على حقيقتها لتؤكد أنّ الوباءَ المُنتشر في الأجواءِ هي مجرّد تفصيلٍ صغيرٍ أمام صحّةِ نظامِ المُحاصَصة ولتؤكد أنّ هذه السلطة من ألفها إلى يائها هي متواطئةٌ مع “كورونا” ضدّ شعبها.

سلطةٌ غضَّت في ليلةٍ ظلماءٍ الطرف عن طائرةٍ دخلت البلاد وعلى متنها 160 راكبًا من بينهم من كان يحمل فيروس “كورونا”. الدولة عجزت بأمّها وأبيها عن اتخاذِ الاجراءاتِ الوقائية على الرغم من قدوم الطائرة من منطقةِ قمّ الإيرانيّة المُصَنَّفة ثانية من حيث انتشار الفيروس بعد منطقةِ ووهان الصينيّة، فبدلَ أن تُتَّخَذ الاحتياطات اللازمة رغم غياب وزير الصحة عن مشهدِ الرعبِ والخوفِ وحلولِ “ميزان الحرارة” مكانه على أرضِ المطار، راحَت التطمينات توزَّع يمينًا وشمالًا ودائمًا على قاعدةِ “لا داعي للهلع”.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2U6EGe9
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل