أدهم مناصرة- المدن
أما السياق الثاني فيتمثل في أن معظم هذه المدارس والمعاهد الإسرائيلية يشارك في تعزيز دعاية المؤسسة الصهيونية التقليدية منذ عقود طويلة، والتي تكرس الصورة النمطية والكلاسيكية للعربي الذي يرتدي “الجلابية والعمامة” باعتباره “ابن الصحراء” وليس ابن الحضر، علماً أن الحركة الصهيونية بعد نشوئها كانت تقول في دعايتها أن “فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وأن مَن يعيش فيها فقط بضعة من البدو في صحراء النقب”، لعلّها تُشرعن استيلاءها على أرض فلسطين تحت غطاء “تعميرها”.
وبعيداً من الصورة الدعائية الإسرائيلية إزاء العربي الكلاسيكي الذي قصده هذا الإعلان، تبرز تساؤلات عن حجم إقبال واهتمام الإسرائيليين بتعلم اللغة العربية اساساً؟ والواقع أن صفحة “المنسق” لحكومة الاحتلال في المناطق الفلسطينية الجنرال كميل أبو ركن في “فايسبوك”، كما حال صفحات إسرائيلية رسمية أخرى تهتم باستمرار بنشر فيديوهات لثُنائي إسرائيلي، يقومان بلفظ كلمات عبرية ثم ترجمتها للعربية كوسيلة لتعليم الكلمات الأساسية على الأقل. وهذا كلّه ليس بعيداً عن ماكينة الدعاية الإسرائيلية التي تحاول أن تطرح إسرائيل كجسم طبيعي ومتفاعل لغوياً وثقافياَ مع المحيط العربي، في مسعى لتخبئة الوجه العنصري والفوقي للاحتلال.
ورغم ذلك، لا يُمكن إنكار أن المؤسسة الرسمية والأمنية الإسرائيلية وبعض الأفراد على المستوى الشخصي يهتمون بتعلم اللغة العربية لأسباب مختلفة قد تكون عدائية أو حتى براغماتية من ناحية التعامل التجاري مع فلسطينيين في الضفة الغربية، كما أن هنالك نحو مليون ونصف المليون فلسطيني يسكنون في أراضي 48 وقد فُرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية. ويُلاحظ أن السلطات الإسرائيلية تحرص في اللافتات الموضوعة في الشوارع والأماكن العامة بالضفة الغربية أو البلدات العربية داخل الخط الأخضر أن تكون باللغتين العربية والعبرية، فهي مجبرة على التعامل مع واقع اللغة العربية مهما حاولت طمسها.
وبالنسبة للجيل الإسرائيلي الحديث فإن المدارس تتيح تدريس اللغة العربية كمنهاج اختياري في مراحل إعدادية وثانوية إلى جانب لغات أخرى كالفرنسية والاسبانية والروسية أيضاً، كما أنه في شهادة “البجروت” الإسرائيلية (تعادل الثانوية العامة) يُشترط من الطالب أن يتقن لغة أو لغتين غير العبرية. وعند انتقال الطالب اليهودي من المدرسة الثانوية إلى الخدمة في الجيش الإسرائيلي، يتعامل مع الفلسطيني المارّ على الحواجز العسكرية التي لا تخلو من جندي على الأقل يُتقن اللهجة الفلسطينية، فضلاً عن أن جيش الاحتلال يقوم هو الآخر بعقد دورات لجنوده بغية تعليمهم اللغة العربية كـ”حاجة مُلحّة”، خصوصاً المجندين في “شعبة الاستخبارات-أمان”، ولاحقاً في جهاز “الشاباك”.
والحال أن بعض الإسرائيليين يعرفون مصطلحات وكلمات عربية معدودة، بينما يجيد بعضهم اللغة العربية إلى جانب العبرية لدرجة أن يظنهم المرء عرباً. وحتى على المستوى السياسي الإسرائيلي، هنالك برلمانيون ومسؤولون إسرائيليون يتكلمون العربية بطلاقة، ويبرز هنا السياسي والأكاديمي يوسي يونا، ذو الأصول العراقية، والمستشرق المتشدد مردخاي كيدار وغيرهما.
وينقسم الإسرائيليون الذين يتوجهون لتعلم اللغة العربية إلى قسمين: الأول، لبناء علاقات تجارية ومصلحية في مجال العمل والعلاقات معهم. والثاني، من منطلق وجودي لإسرائيل وحماية بقائها استناداً إلى قاعدة “إعرف عدوك.. إعرف لغته لتأمَن منه”، وهذا ينطبق أيضاً على تعلم تاريخ الشرق الأوسط أو تعلم الدين الإسلامي في الجامعات الإسرائيلية.
في السياق، قال الإعلامي المقيم في أراضي 48 محمد مصالحة لـ”المدن”: “رغم أن اللغة العربية ليست الزامية في المدارس اليهودية في إسرائيل، إلا أن هناك مدارس مشتركة تضم طلاباً عرباً ويهوداً، إضافة إلى معاهد خاصة تعلم اللغة العربية”. وأضاف أن جميع عملاء الموساد والشاباك وما تسمى “القوات المستعربة” تتعلم لهجات عربية عامية مثل اللبنانية والفلسطينية والسورية وغيرها لتنفيذ عمليات خاصة وسرية من دون كشفهم.
وحتى يتمكن عملاء اجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من تعلم اللهجات العربية المختلفة فإنهم يعيشون خِلسةً وسط فلسطينيي 48 لمدة أشهر أو سنوات، وحتى بين سكان الضفة الغربية. وكذلك ينشطون متخفين بجنسيات أوروبية وأجنبية في لبنان ودول عربية أخرى للاحتكاك بسكان هذه الدول وتعلم لهجاتهم بدرجة كبيرة.
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2QRDmeD
via IFTTT
0 comments: