Monday, March 9, 2020

الدولة المُفلِسة: “مش دافعين” !

“ليبانون ديبايت” – ملاك عقيل

فَعلها حسان دياب. لن يكون من المُمْكن تخيّل سعد الحريري في موقفٍ مماثل. قلبَ الصفحة مع أسوأ إدارة سياسية مالية اقتصادية اتُبِعَت لعقودٍ منذ الطائف قامت على شعارٍ واحدٍ: “الاستدانة ثم الاستدانة!”. استراتيجيّة أدّت بالمنطق الى إعلان الافلاس.

في السياسة، ثمّة من يصنّفها نهاية للحريرية السياسية. وفي السياسة أيضًا، لا يمكن إغفال أنّ من كان شريكًا بالتكافل والتضامن مع الحريرية السياسية في تقاسم الارباح والتنفيعات و”الافتعال” بالاقتصاد بتكريسهِ الاقتصاد الريعي أو الركود وليس الاقتصاد المنتج هو اليوم شريكٌ مُعلن بعملية الاصلاح والتنظير والدفع باتجاه عدم سدادِ سندات يوروبوند…

يقدّر اليوم خبراء اقتصاد حصّة كل فرد في لبنان من مجموع الدين العامّ والخاص بنحو 50 ألف دولار. أقلّ من نصفها نتجت من الدين العام الحكومي. يبدو ذلك كافيًا لاعطاء فكرةٍ عن حجم الكارثة.

قد يكون أفضل ما يفعله حسان دياب وفريقه الوزاري والاستشاري بعد خطابه الاستثنائي والتاريخي من السرايا الحكومية صمّ الآذان عن حملة الاستهداف التي طاولته تحت عنوان “شكرًا لعدم الدفع… لكن أين الخطة؟” أو “ستدفع الثمن لأنك لم تدفع للدائنين المحليين والخارجيين”.

يبدو الأمر مخيّبًا بعض الشيء. هناك فئة كبيرة من اللبنانيين تعوّدت على أن يكذبَ الحاكم عليها ويبقيها مخدّرة، ولذلك حين يأتي من يصارحها بأن “الدولة لم تعد قادرة على حماية شعبها”، وهو توصيفٌ دقيقٌ جدًا، و”إن احتياطنا من العملات الصعبة قد بلغ مستوى حرجًا وخطيرًا ولن تكون الدولة قادرة على تسديد الاستحقاقات المقبلة”، تنقضّ عليه لانها لا تحتمل من “يعرّي” أمامها كافة الحكومات المتعاقبة الشريكة في جرم إفلاس الدولة.

في المقابل، لا تعر هذه الفئة اهتمامًا لوعدٍ من رأس السلطة التنفيذية: لا للمسّ بصغار المودعين الذين يشكلون، كما قال دياب 90% من نسبة المودعين، من دون أن تفصحَ الحكومة حتى الآن عن ورقتها: “هل تشريع الكابيتال كونترول سيقونن عملية الاحتيال التي تمارسها المصارف على المودعين، أو تحدّ منها وتعدّلها بما يخدم مصلحة المودع والمصرف معًا؟”.

لا يبدو الرجل، بشخصيتهِ ومقاربتهِ في العمل الحكومي، من طينةْ المتحايلين على الواقع. لذلك بكل بساطة هو مقلٌّ في الكلام وحين ينطق يثير زوبعة لأنه “يوصّف الواقع بكل قساوته وليس ما يطلبه المستمعون”، وها هو يضع ماء الزهر على الانوف: استيقظوا نحن بلدٌ مفلسٌ بفعل الفساد والنموذج الاقتصادي المتبع منذ عقودٍ، معلنًا المباشرة “بإعادة هيكلةِ ديون الدولة، عبر خوضِ مفاوضاتٍ منصفةٍ وحسنة النية مع الدائنين، وإعادة التوازن الى المالية العامة”.

قد يعني ذلك بصريح العبارة فرض المزيدِ من الاجراءات الموجعة لزيادة الايرادات في مقابل خفض الانفاق.

وللمرة الاولى في تاريح لبنان تُطرح “خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، لاننا لا نحتاج الى قطاعٍ مصرفي يفوق بأربعةِ أضعافٍ حجم اقتصادنا”.

هنا تحديدًا فتحت حكومة دياب باب الجحيم عليها في ظل شبكةٍ اخطبوطية متداخلة بين السيستم السياسي والمالي جنت في العقود الماضية أرباحًا ما يفوق ميزانيات دول بأكملها! ولن يكون تفصيلًا أن يصفَ السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه حكومة دياب بـ “الفرصة الاخيرة”، ويصف يان كوبيش بيان دياب “بالصريح ويفتح الطريق نحو الخورج من الازمة”، مشجّعًا الدائنين على العمل مع الحكومة.

كل من يشيطن حكومة حسان دياب لا يطرح بديلًا واقعيًا، ومنهم من يشكّل رمزًا لحقبات سرقة الدولة ونهبها. هل يمكن لحكومة برئاسة سعد الحريري أو فؤاد مخزومي أو نجيب ميقاتي أو نواف سلام أو حليمة قعقور أن تنقذَ لبنان من الارتطام المدمّر بالحائط؟ من منهم يملك أصلًا حلًا سحريًا لأكبر وأخطر أزمة في تاريخ لبنان ويضمن مساعدات دولية من دون شروطٍ تأخذ شكل الوصاية؟ سيبدو من المفجع قول نائبة تيار المستقبل رولا الطبش تعليقًا على خطاب دياب الذي أعلن فيه تجميد سداد سندات يوروبوند “مصير البلد مُعلّق على هواة، سقطوا في امتحان المسؤولية، وسقط البلد. حسان دياب، حان وقت الرحيل”. يا للهول. انفصامٌ كاملٌ عن الواقع وكثير من الوقاحةِ. ماذا قدّم أصلًا الفريق السياسي للنائبة المذكورة من حلولٍ على مدى ثلاثين عامًا؟ كيف يمكن معايرة رئيس حكومة دخل السرايا الحكومية منذ شهرٍ ونصف فقط، فيما الفريق السياسي الذي تنتمي اليه الطبش هو مشاركٌ منذ الطائف في طبخ سياساتِ الدولة المالية والاقتصادية والنقدية؟؟

في الايام الفاصلة عن موعد إعلان لبنان تجميد عملية دفع ديونه للخارج والداخل كان كل شيء في السرايا يوحي بأنه خيار الدولة الوحيد. احتمال الدفع بدا انتحاريًا بكل ما للكلمة من معنى. دياب نفسه أكد “ضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب، بالتزامن مع اطلاق برنامجٍ شاملٍ للاصلاحات اللازمة، من أجل بناء اقتصادٍ متينٍ ومستدامٍ، على أسسٍ صلبة ومحدثة”.

قد يكون صفّ كلام، لكن الورش المفتوحة بأكثر من اتجاه في السرايا والخطوط التي ستدشّن مع الدائنين والتقرير المرتقب للمستشارين الدوليين المالي والقانوني حول إعادة هيكلةِ الدين توحي بأنّ المحاولات تجري لتسييل الاصلاحات المعلن عنها الى برامجٍ عمل نافذة في ظل تسليم البعض “بأن الكارثة أكبر مما يتوقعه اللبنانيون”!

ويقول معنيون، “الدولة تجاوزت مطبّ التخلف عن السداد بشكل أحادي، ولذلك فإن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ لبنان الحديث سيواكبها مفاوضات صعبة وحرجة مع الدائنين وسيتطلب ذلك القيام بزيارات الى الخارج للتفاوض على قاعدة “مان تو مان” مع حاملي سندات “يوروبوند”، بعدما تمّ إبلاغ هؤلاء عبر الاستشاريَيْن المالي لازارد والقانوني كليري غوتليب بتخلّف لبنان عن السداد”.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2xqf7NP
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل