Tuesday, March 10, 2020

التشكيلات تضع السلطة القضائية على السكة المتجهة من التبعية الى الاستقلالية

كتب المحامي وهيب ططر بعنوان “التشكيلات تضع السلطة القضائية على السكة المتجهة من التبعية الى الاستقلالية” التالي:

“آخر تشكيلات قضائية جرت في لبنان كانت في 10/10/2017، وها هي تشكيلات ما بعد الثورة تتجلى علينا، فتخلق في أنفسنا بعض الامل أن السلطة القضائية بدأت تتنفس بعض الاوكسيجين، لتأتي وزيرة العدل ماري كلود نجم فتضعها في الأدراج، وعسى الا يكون الهدف التسييس خاصة وأن مجلس القضاء مصرٌ على ما يبدو على الإبقاء عليها كما تشكلّت، وبإجماع نادر لكل أعضاء هذا المجلس. واذا ما غير ثلاثة أعضاء آراءهم تكون السياسة قد أفسدت ما حاول المجلس بإجماعه اصلاحه.

حيث يتفشّى في قصور العدل ومواقع التواصل خبر رد الوزيرة (الثائرة والمستقلة) التشكيلات وإعادتها الى المجلس لإجراء تعديلات على بعض الأسماء، سيما وأنها غرّدت عبر تويتر: “أنا لست ساعي بريد”.

وبالأمس صاغت “المفكرة القانونية جدلية منحازة وهمايونية، مفادها رفض التشكيلات برمّتها، لأن الشفافية التي جرى التشكيل على أساسها ليست كافية، الامر الذي وجدته المفكّرة الكريمة كاف للمطالبة بنسف التشكيلات عن بكرة أبيها!
“المفكرة القانونية”، اعترضت على مشروع التشكيلات في صيغته الحالية ، معتبرة اياه أنه جاء دون آمالهم المنشودة، وطالبت مجلس القضاء الأعلى بتصويب التعيينات فيها، بما يتفق مع مبادئ الشفافية والدستور وأهدافه المعلن عنها، وبخاصة لجهة تمكين النيابات العامة من حماية حقوق المجتمع ومكافحة الفساد في وجه أي معتدٍ مهما علا كعبه أو مقامه. وخلصت “المفكرة” ، لترفض التشكيلات ولاعتبارها غير مستقلة بمجرد صدورها عن مرجع لا تتوفر لديه أدنى معايير الاستقلالية (اي مجلس القضاء الاعلى)!
ونحن اذ نختلف مع “المفكرة” للاسباب التالية:
1- إن مشروع التشكيلات راعى مبدأ الشفافية بحسب الامكانيات المتاحة ، وفي ظل المؤثرات التي تعرض لها الجسم القضائي سحابة 30 سنة.
2- إن مشروع التشكيلات يحصن قضاء الحكم و التحقيق والنيابات العامة من التدخل السياسي ، اذ بات معلوما لدى كل قاض ، وفي حال أقرّت التشكيلات وفقا لاقتراح مجلس القضاء ، بأن السياسي لم يعد له دور في ملف التشكيلات.
3- صحيح إن مشروع التشكيلات اعتمد المعيار الطائفي في تخصيص المراكز القضائية لطوائف معينة خلافاً للدستور، الا أن الاعتراض في هذا المجال ما يزال مبكر جدا في ظل وجوب القيام بالكثير على صعيد الوطن برمته ، وصولا الى دولة مدنية وفقا للدستور ، قبل الوصول الى اعمال هذا المعيار في تشكيلات السلطة القضائية.
4- أن مجلس القضاء قدم تشكيلات وفقا لمن هم في السلك اذ من اين نأتي بقضاة على شاكلة ما تطرحه المفكرة القانونية من جهة و من اين يأتي لحقوقيين و عم الكفة الثانية من ميزان العدالة ان تتدخل في الكفة الأولى عنيت بها القضاء. و كل ذلك يحصل في ظل ما عرفناه عن تدخلات سياسية طائفية و مذهبية ؛ بعض الطبقة السياسية اعتبرت الاقتراح الحالي غير مناسب لها. فتأتي الجهات التي تعتبر نفسها ” فريق دعم الثورة أو من مرجعيات الثورة”،  لترفضها من غير وجهة النظر إذ تريد المزيد من الاستقلالية و الشفافية.

5- مجلس القضاء الاعلى عندما رفع، بعد عنـاء كبير، اقتراح  التشكيلات الحالية الى السيدة الوزيرة، يكون قد أنجز ما لا يمكن انجازه في ظل التركيبة السياسية المذهبية و الحزبية في البلاد ، استطاع المجلس  هزّ عروش قضاة تمترسوا خلف انتماءاتهم الحزبية ووصل وقع القرار إلى قصر بعبدا وعدة مقرات سياسية، وبات الارتباك سيد الموقف بين الساسة والقضاة المرتبطين بهم،  فاعترضوا على التشكيلات وصولًا الى التلويح بالإستقالة والمطالبة “بإستجواب أعضاء مجلس القضاء الاعلى عن ثرواتهم وإنجازاتهم وميولهم السياسية”، كما قال حرفياً احـد قضاة “العهد”.

6- نحن المحامون الذين نعرف كيف كانت “تركّب” التشكيلات منذ أيام “غازي كنعان” وصولا الى أيام العهد القوي، أحسسنا بإرتياحٍ كبيرٍ لاقتراح الرئيس “سهيل عبّود ورفاقـه” والذي غلب عليه إنصاف لكثير من القضاة، ولأن المناقلات المقترحة جاءت بعيدًا عن الإملاءات السياسية. نضع الجهد الذي حققه مجلس القضاء في خانة الإيجابيات، على أمل دائم بتحقيق اكثر في القادم من الأيام . وهذا يتصل بمبدأ “خذ وطالب” وبمبدأ آخر مكمِّل ومتكامل معه: “ما لا يُدرك كله لا يُترك جلُّه”. وهكذا يتبلور مسار منطقي ومنسجم في خدمة هدف مركزي يوجِّه البوصلة فيحدّ ويقلّص من مخاطر الشطط، بالتالي فان  التشكيلات القضائية بحلّتها الراهنة ،  تضع السلطة القضائية على سكة حديد القطار المتجه من زواريب التبعية الى فضاء  الاستقلالية في خطوة أولى على هذا الطريق الشاق

ختاماً، إن ما يدور حول هذا الملف اليوم، بما في ذلك مطالعة “المفكرة القانونية”، مفاده عدم وصول مشروع التشكيلات كما هو وارد من مجلس القضاء إلى قصر بعبدا لكي لا يُضطر رئيس الجمهورية، إلى رفض توقيعها فيقع في إحراج مباشر أمام الشارع المنتفض من خلال ظهوره بمظهر المعرقل لإنجاز التشكيلات”.



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2vKZIXX
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل