بأي معنى، ووفقاً لأية دلالات يمكن الكلام عن تقرير «إخباري» حول حدث (Corovirus) أو (Corona19) أو فيروس «الكورونا»، الذي يهز الكرة الأرضية، المأهولة، بتعبير خلدوني، من أقصى الشرق (الصين الهند إلخ).. إلى أقصى الغرب ما وراء «الأطلسي» الولايات المتحدة الأميركية، أو ما كان يُعرف «بالعالم الجديد» بعد اكتشافات كريستوف كولومبوس الجغرافية الهائلة، مروراً بأوروبا أصغر قارات العالمين القديم والجديد، تليها افريقيا، الأكثر قحالة والأكثر فقراً، والأبعد عن مدينة ما بعد الثورة الصناعية، والتي لم تعرف عن التحديث أو منه، سوى لغات غير لغاتها الأصلية بفعل الاستعمار الاوروبي أو الغربي، والجنس الأبيض، والتي ربما تكون الآن أقل قارات الكوكب المسكون، تأثراً بهيجان الفيروس الآتي، والله اعلم، إما من رحم حضارة الإنسان، أو من «تدبير ما»، مع شبه إقرار عالمي حتى تاريخه، انه ليس نتاج «التولد الذاتي الطبيعي» بتعبير داروين، أو نظرية التطورية، التي تتحدث عن تكون جراثيم أو فيروسات، ليس عن سابق مثال، أو خلية قائمة بذاتها، تنقسم أو تتلاقح، أو تتوالد؟!
على مدى أسابيع خلت، ومن الصين العظمى، ووهان إحدى مدنها ذات الملايين الأحد عشر، تبلّغ «البشر الفانون» على الأرض ان فيروساً مجهول الهوية، أتى فجأة، وراح يعمل بالأجسام البشرية السليمة فتكاً، وموتاً.. تعاظم الخبر، وفتح حول العالم نقاش، غلب عليه البحث، بادئ ذي بدء، عن المصدر، وسرعة الانتشار، وقوة الفتك، والعلاج، ثم أين المفر؟!
ولكن سرعان، ما بدأت المعلومات الأوّلية تتحدث عن سرعة انتشار، وعن لا علاج عقارياً، أو بيوكيمائياً، وأن الذعر «سيد الموقف»، على مستويات عدّة أو قل كل المستويات.. والمعلومات التي تأتي عبر الأقمار الاصطناعية، وشاشات التلفزة، ومواقع التواصل، والمواطن الذي صار صحفياً.. في كل أصقاع الأرض، ومن كل الجنسيات، بكل اعراقها وألوانها ومستوياتها.
وكأن الصاخة (القيامة، أو صرخة تصم الأذن) جاءت وهي اليوم الذي «يفر المرء من اخيه وامه وأبيه، وصاحبته وبنيه..» (قرآن كريم عبس /80)، وفي لسان العرب، يقال: فخاف النّاس أن يصيبهم صاخة من السماء، وهي الصيحة التي تضج الاسماع أي تقرعها وتصمها..» ويقال أيضاً وكأن في اذنه صاخة (طعنة).
تأمل في المشهد: رأس العالم الرأسمالي، أو ما بعد الامبريالي، رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب يخضع لفحص الكورونا ( في لبنان 150.000 ليرة لبنانية، أي ما يساوي 100 دولار سابقاً)، بعد مجابرة ومكابرة، ويعلن الطبيب المعالج، أو الذي أجرى الفحص له انه غير مصاب، وهذا الرجل، الذي يقتل جنوده في العراق، ويطلب عزل أوروبا عن العالم ويتهم الجيش الصيني بلاده، انها هي التي صنعت فايروس الكورونا، وحقنت به صينيين من ووهان، المدينة، التي خرجت على إرادة «التنين» الجرثومي، إيذاناً بهزيمته..
زعيم الحزب الشيوعي الصيني، رئيس الدولة، يذهب، وهو يضع بين فمه وأنفه (بفتلتيه) الكمامة الخضراء، الواقية من انتقال الفيروس، الذي لا يحتاج سوى لمخالطة حامل الميكروب مع غيره من الاصحاء، على مسافة قريبة (متر أو متر ونصف) حتى ينتقل إليه، فيصيب العشرات بثوان معدودات..
ومن هناك يطمئن المليار و400 مليون صيني، انه تمّ احتواء المرض، وان الإصابات إلى تراجع.. وأن بلاده الامبراطورية قادرة على قهر الفيروس «الجانح» أو «الخائن».. المعتدي، الذي يحتاج إلى تدمير، قبل أن يدمر «التنين الأصلي»، الذي ضربت سمعته، واقتصاده، وملياراته، وانتشاره العالمي..
قالت «الكورونا» عودوا إلى سور «الصين العظيم»، الحل بالعزلة.. فالاقتصاد العالمي، لم يعد بإمكانه احتمال الانتشار والنمو، عبر التواصل الجوي، والبحري، والسيطرة على الانترنت والاقمار الصناعية، و«الوان دولار» (الكترونيات صينية تباع بأبخس الأسعار في أسواق العالم)..
تحرك سفراء التنين الأصفر، يسعون إلى تقديم يد المساعدة إلى البلدان الآسيوية، وسط صدام مكشوف مع العرق الأبيض، في الولايات المتحدة.
بلدان العالم الكاثوليكي، في أوروبا، القارة الهرمة، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، أسبانيا، تئن تحت صاعقة «الصاخة» وكأنه يوم قيامة، فرنسا تصاب على نحو هستيري لدرجة انها رفعت حالة الطوارئ إلى الدرجة الثالثة: إصابة 4500 بينها 300 حرجة في يوم واحد.. وزوجة رئيس الوزراء الاسباني مصابة بفيروس كورونا المستجد.. ويحكى عن ملايين الطليان تحت الحجر الصحي، لدرجة أن مقاطعة بأمها وأبيها مهددة بالموت والفناء..
أبعد من ذلك، خضع رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس للفحص، بعد كلام عن اصابته، وفي السياق، أعلن الفاتيكان أنه لا احتفالات في عيد الفصح، ولا صلاة في عاصمة الكثلكة..
وليس وضع العالم الإسلامي بأفضل، بعدما لجأت إيران (عاصمة ولاية الفقيه، أو الإسلام الشيعي، الإمامي) إلى عزل المدينة الدينية مشهد والابتعاد ما امكن، عن التجمعات، بعدما ابتليت الجمهورية الإسلامية بنكسة الكورونا، على نحو ما حصل في الصين الشعبية، بداية الأمر..
وذهب المرجع العراقي الأعلى السيّد علي السيستاني إلى الافتاء بالامتناع عن إقامة صلاة الجمعة والجماعات في المساجد، وانسحب الأمر على لبنان، حيث تجاوب الإمام عبد الأمير قبلان، في وقت انقسمت جماعات أخرى بين مبتعد عن الصلاة في المساجد، ومصر على اقامتها.. مع إغلاق المسجد الأقصى في القدس ومسجد عاصمة القبة..
وفي المقلب العبري، (اليهودية إسرائيل) وعلى طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد، نجا رئيس وزراء إسرائيل من المحاكمة التي أُرجئت إلى 24 أيّار، بسبب الكورونا..
وحده العالم الاسكندنافي، في البلاد الواطئة، حيث انطلقت البروتستنتية أو انتصرت بمنأى عن «اعصاب الأليم»، أو الأقل خطراً..
أما الاقتصاد والمال والأعمال، فحدث بلا حرج، بعد انهيارات أسعار النفط (البرميل 30 دولاراً)، وهو السعر الأدنى في تاريخه.. وانخفضت أرباح آرامكو السعودية 21٪ في العام 2019 بسبب ضعف أسعار النفط.
هكذا، بأسابيع قليلة، غيّرت «الكورونا» وجه الحياة على الأرض.. حتى ملاعب الرياضة، وحتى الملاهي والمطاعم ودور السينما.. لم تعد بمنأى عن الاضرار المحدقة بالنوع البشري..
لاحظ، مثلاً، أن الكورونا لم تضرب أي نوع من الحيوانات، خارج ما يمكن وصفه بالـ«homospiers» (أي الإنسان العاقل)..
والسؤال: أي عقل أسود، أنتج هذا الفيروس، الذي صار وباء، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية؟
إذا كانت الأيام، يمكن ان تحمل جواباً على هذا السؤال اللغز، وغيره من الألغاز المرتبطة، أو المترتبة عليه، فإن حقبة جديدة من حقبات البشرية آيلة إلى التشكل أو الانهيار، وأبرز ما في الافق:
1- أن الجنس البشري، بكافة ألوانه وطبقاته وجغرافيته امام شكل من اشكال «القيامة» أو «الصاخة» الأرضية، كتدبير يشبه الصاخة أو القيامة، لدى المؤمنين (وأنا واحد منهم)..
2- أن حقبة من الحضارة آيلة للإنتهاء، وهنا التحدي الكبير: هل انتهى زمن الاتصال البشري، الذي كون الحضارة الراهنة وشكل عبئاً على الحضارة نفسها، سواء في عواصمها المكتظة المليونية، أو قراها التي في طور الانتقال إلى مدن؟!
3- إن الفرار من «الكورونا» هو ضرب من الفرار من ساعة القيامة، أو الأصوات المدوية، بأن رحلة البشر على الأرض، انتهت..
4- وسواء، تمكّن فريق ترامب الطبي، أو فريق الزعيم الشيوعي الصيني، أو ألمانيا، أو حتى الأدعية التي يلجأ إليها المؤمنون المسلمون، طلباً للخلاص، من إيجاد العلاج.. فإن سؤالاً انطولوجياً، بات ملحاً على ساحة الفكر الفلسفي، وحتى العلمي، والهندسي، والكيميائي، وحتى الرياضي – الفيزيائي؟
كيف يمكن تدبّر أمر العالم بعد «نكبة الكورونا» وإلى أين المفر؟!
اللواء
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2wdukkX
via IFTTT
0 comments: