رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يلقي كلمة في لندن عن التفاوض مع الاتحاد الاوروبي بعد بريكست (رويترز)
ينوي السير فيليب روتنام، الذي استقال من وزارة الداخلية، أن يقيل معه بريتي باتيل. ويقول كبير موظفي وزارة الداخلية سابقاً إنه عُرضت عليه تسوية مالية، لكنه يفضّل اللجوء إلى المحكمة.
لا أعرف ما إذا كان سينجح. لكنّ الصراع يثير التساؤلات عن مدى حكمة استراتيجية بوريس جونسون التي ابتكرها كبير مستشاريه دومينيك كامينغز، والمتمثلة في خوض حرب مع ما يرون أنها مؤسسة الداعمين للبقاء في الاتحاد الأوروبي.
يبدو أن كامينغز يعتقد أن رئيس الوزراء يستحيل أن يخسر، إذا رآه الشعب وهو يحاول تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي بالتخلص من الرافضين لذلك في الخدمة المدنية ووزارة المالية والإعلام. لهذا السبب دخل في حرب مع كل من “هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي) والقناة الرابعة وساجد جاويد ومستشاريه السياسيين والسير فيليب في وزارة الداخلية.
كانت هناك علامات على سحب جونسون دباباته من الميدان، إذ اختارت الحكومة وزير دولة لشؤون الصحة هو إدوارد أرغار للتحدث باسمها في برنامج “توداي” الشهير الذي يبثه راديو فور، التابع لـ”بي بي سي” صباح الاثنين الماضي.
لكنّ الجانب الآخر شنّ هجوماً مضاداً، بالتزامن مع ذلك.
كانت ضربة السير فيليب منقطعة النظير، إذ لم يسبق لأمين عام لوزارة ما أن أقام دعوى قضائية ضد الحكومة بسبب الطرد البنّاء، أو الإقالة التدريجية عبر خلق جو لا يسمح للموظف بالاستمرار، ناهيك عن الذهاب إلى التلفزيون للإعلان عنها. غالباً ما يكون هناك توتر بين موظفي الدولة والسياسيين عندما تتولى حكومة جديدة السلطة، لكن هذه الحالة هي الأكثر غلواً.
اللافت للنظر أن جونسون كان رئيساً للوزراء منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، بينما كان المحافظون في السلطة طيلة 10 سنوات. ومع ذلك، تمثل انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) بالنسبة إلى رئيس الوزراء اليوم الذي فصل هو فيه النور عن الظلام، فبدأ العالم.
واللافت للنظر كذلك أن المواجهة ليست الطريقة المعتادة بالنسبة إلى جونسون. إن طريقته المعتادة هي اتخاذ مواقف مغايرة على نحو يمكن إنكاره لاحقاً. فقد تظاهر بأن جاويد كان أحد أقرب أصدقائه الشخصيين، مع أنه أجبره على الخروج من وزارة المالية. وهذا الأسبوع، تظاهر بأن حكماً أصدرته محكمة الاستئناف يعني استحالة إنجاز المَدرج الثالث في مطار هيثرو، على الرغم من قول المحكمة ذاتها إنّ إنجاز المشروع سيكون أمرا سهلاً، إذا كانت الحكومة ببساطة ستأخذ اتفاقية باريس للمناخ في الاعتبار.
إذا قرّر جونسون أنّ عليه التخلي عن باتيل، فلا شك أنه سيعلن أنه لا يعرف شيئاً عمّا أسماه سير فيليب “حملتها الإعلامية الشرّيرة والمدبّرة” ضده.
ويأتي ذلك كله في إطار خطة يوجهها بشكل رئيس كامينغز للتهويل لمعركة رئيس الوزراء، بصفته رئيساً لحكومة جديدة تسعى إلى تنفيذ بريكست، ضد مؤسسة “البقاء” في الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني تصوير إدارة المحافظين السابقة وكأنها تمثل نظام “البقاء”، وإحلال وزير للخزانة صوّت لصالح الخروج محل آخر صوّت لصالح البقاء.
هذا يعني أيضاً محاولة طرد كبار موظفي الخدمة المدنية الذين لا يُبدون قدراً كافياً من الحماسة الثورية. عندما يصل حزب العمال إلى الحكم، يميل عادة إلى الافتراض بأن كبار البيروقراطيين هم ممّن يميلون إلى حزب المحافظين إن لم يكونوا فعلياً من أعضائه. لهذا السبب، أضفى هارولد ويلسون الطابع الرسمي على تعيين المستشارين السياسيين في الستينيات. وعندما وصل توني بلير عام 1997، كانت هناك توترات حول دور جوناثان باول، المعيّن تعييناً سياسياً كمدير مكتب رئيس الوزراء.
تواجه أي حكومة جديدة عائقاً يمنع الوزراء من اختيار كبار موظفيهم. ويُعزى هذا إلى السبب الدستوري النبيل المتمثل في أن قطاع الخدمة المدنية الدائمة يضمن الحياد، ويتمتع بسلطة تخوّله مقاومة الوزراء عند محاولتهم القيام بأمور غير قانونية أو غير ديمقراطية. هذا ما أشار إليه السير فيليب في بيانه قبل أيام عندما قال “آمل أن يساعد موقفي في الحفاظ على جودة الحكومة في بلدنا”.
عملياً، يكون هناك عادة بعض المرونة والتفاوض بين الجانبين، ويمكن للوزراء الفعّالين العمل بالدستور بشكل ناجع. لكن بدلاً من ذلك، يبدو أن باتيل قد سلكت طريق كامينغز في المواجهة. أبلغ “مصدر داخلي” من وزارة الداخلية لم يُكشف عن هويته أخيراً صحيفة “ذي صن” أنّ ما حدث كان “صداماً كبيراً بين الثقافات، ومواجهة بين مدير مخاطر وإصلاحي متطرف”.
كانت باتيل محبطة لأن سير فيليب اعتقد على ما يبدو أن وزارة الداخلية مطالبة بفعل أكثر من اللازم: تنفيذ نظام هجرة جديد، ونظام تفتيش جديد على الحدود، وخطة تسوية جديدة لمواطني الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 3.2 مليون مواطن في المملكة المتحدة، وكل ذلك بحلول نهاية العام.
على المدى القصير، سيصبّ الصدام في صالح جونسون. وحتى إذا اضطُّر للتضحية بباتيل نفسها، فإن الرأي العام لا يتعاطف كثيراً مع موظفي الدولة البارزين الذين يشكون من عدم قدرتهم على إنجاز مهامهم.
لكن على المدى الطويل، لا ينطوي نهج كامينغز إلاّ على المشاكل التي ستبرز في المستقبل. إذا لم تستطع وزارة الداخلية تحمّل عبء تنفيذ البريكست، فإن إقالة الشخص الذي قال ذلك لن يُحسّن قدرات الوزارة بطريقة سحرية، بل يمكن أن يضعفها من خلال تقويض معنويات الموظفين الآخرين.
لا بد من أن جونسون لاحظ أن اثنين من منافسيه في انتخابات قيادة حزب المحافظين قد أخذا سلفاً يخرجان عن الصف. فقد كان جيريمي هنت يتحدث بثقة مطمئناً الجمهور بشأن فيروس كورونا قبل أيام على برنامج “توداي” الذي تقدمه “بي بي سي”، كما يفترض أن يفعل وزير للصحة. ورسم ساجد جاويد في صحيفة “ذا تايمز” معالم نهج محافظ من الناحية المالية من شأنه أن يخفّض الضرائب، قد يحظى برضى نواب حزب المحافظين، إذا أصبحت خطط جونسون للإنفاق الكبير غير شعبية.
قد يفوز جونسون في هذه المعركة ضد موظفي الدولة الذين يعتبرهم هو وكامينغز محافظين صغاراً، لكن قد يدفع ثمناً باهظاً في الانتخابات المقبلة.
© The Independent
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2wAKKnm
via IFTTT
0 comments: