Monday, March 9, 2020

علاقة ترمب ومودي مبنية على التحيز يجد رئيس الولايات المتحدة في دلهي وطناً ثانياً بعيداً عن وطنه الأم بفضل التركيز هناك على السياسات الشعبوية التي تبث الفرقة

لقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي (رويترز)

 

ربما لم تكن الهند جمعت أكبر حشد من الناس في تاريخ العالم للاحتفاء بدونالد ترمب خلال زيارته الأسبوع الماضي، لأن العدد كان أقل بعدة أصفار من الـ10 ملايين التي توقعها. لكن ليس هناك الكثير من الدول الديمقراطية حول العالم التي لا يواجه فيها أي عداء أو يجد فيها كثيراً من الترحيب.

وبينما كان الديمقراطيون يستعدون ليوم “الثلاثاء الكبير”، ويكافحون لتقديم بديل متماسك ومعقول لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قد تكون رحلة الهند نوعاً من الاختبار لاكتشاف قدرة   ترمب على أن يكون رجل دولة محترماً يتمتع بمكانة دولية، وهذا دور جديد للرئيس الأميركي لفترة ولايته الثانية.

اجتاز مراحل زيارته بكل رباطة جأش كدبلوماسي مخضرم، إذ استقبله أكثر من 100,000 شخص بالهتافات في تجمّع “ناماستي” (مرحباً)، وزار موقع تاج محل الرومانسي مع ميلانيا، ثم شغّل عجلة الغزل لمهاتما غاندي، وحضر كنجم في مأدبة للسياسيين والأثرياء.

كنتُ بالصدفة في ذلك الوقت في زيارة عائلية للهند، وتوجهت إلى جنوب البلاد، ولذا لن أدّعي أنني كنت على بعد 1000 ميل من رئيس الولايات المتحدة أو السيدة الأولى للولايات المتحدة أو بقية أفراد العائلة الملكية الأميركية، ومن بينهم إيفانكا وجاريد البارزان بصورة خاصة. لكنني شاهدت ما يكفي من “الصور” لأعلم أن الزيارة حققت ما أراده هو ومضيفه الهندي، ناريندرا مودي: إسراف في المجاملة طوال الوقت، ووعدٌ بالحب الأبدي بين الولايات المتحدة والهند، وإعادة التأكيد على تحالف سياسي مهم لا تحظى أهميته بالتقدير الكافي في الغرب. والأهم من ذلك كله أنه لم يَرد أي ذِكر لأحداث الشغب المتزامنة مع الزيارة، التي خلّفت العشرات من القتلى، بسبب قانون الجنسية الجديد الذي يضر بالمسلمين.

ومن المثير الفضول أن يكون ترمب محبوباً، ويحظى باحترام في أكبر ديمقراطية بالعالم، مع أنه مكروه من قِبل فئات واسعة في أوروبا، ومن المثقفين في جميع أنحاء العالم ومن نحو نصف الشعب الأميركي، باعتباره نرجسياً بذيئاً ومتعجرفاً ومتنمراً ومتعصباً.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة “بيو”، ويعدّ مقياساً محترماً لسبر الآراء في مختلف البلدان، أن نسبة متزايدة من الهنود تبلغ 56 في المئة حالياً، تعتبر ترمب قوة من أجل الخير.

واحتضن رئيس الوزراء الهندي مودي، المثير الجدل بالقدر نفسه، الرئيس الأميركي بحفاوة، وراهن رهاناً معقولاً، على أية حال، على إعادة انتخاب ترمب.

وباعتبارها دولة عظمى ناشئة، فإن الهند تنظر إلى الصين منافساً ومصدر تهديد، وتتفق معها في هذا الموقف الولايات المتحدة، وما يزيد من حدة العداء الهندي للصين هو روابطها الوثيقة مع باكستان.

هكذا لقيت خطابات ترمب المعادية المسلمين صدى جيداً لدى قواعد مودي في حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي. وكما رأينا، كان خطاب ترمب نموذجاً في اللباقة، حثّ فيه على التسامح الديني، لكن تحيزاته معروفة جيداً بما يكفي، لدرجة أن الهنود كان بإمكانهم أن يشعروا “أنه يفكّر بما نفكّر فيه”.

غير أن أواصر العلاقة مع ترمب لا تستند فقط إلى جوانب التحيز المشتركة والمصالح الاستراتيجية، فالشعب الهندي شاب ومتعلم تعليماً رقمياً يجعله مؤهلاً لتقدير الطريقة التي يُجيد بها ترمب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وسيقدّر عديد من الهنود بين متابعي الرئيس البالغ عددهم 72 مليوناً طرائفه المباشرة والقاسية على “تويتر” حق قدرها، فقد أصبحت فكرة الإنجليزية كلغة عالمية تتجلّى في تغريدات ترمب لا في كتابات شكسبير.

ونشر عضو حاذق في فريق ترمب أيضاً تغريدات باللغة الهندية، بثّ بعدها شريط فيديو يصوّره كمحارب هندوسي أسطوري، وانتشر الفيديو انتشار النار في الهشيم.

كما شهدت الزيارة كثيراً من الوقائع التي بدا فيها ترمب كرجل صفقات، فقد وصل الهند بعدما  فرض سلفاً رسوماً جمركية على منتجاتها، وطالب بتحرير نظام تجارتها الحمائي. ونجد بين عديد من القضايا التي أزعجته  الحظر الهندي على منتجات الألبان الأميركية، بسبب الأعلاف المشتقة من الدم الحيواني التي تُقدّم للأبقار الهندية، والحظر يستند إلى موقف سلبي يعادل النفور الأوروبي من هرمونات لحم البقر والدجاج المُكلور.

إلا أن الجزرة جاءت بعد العصا، وكانت في صورة صفقة تجارية “كبيرة جداً جداً” وعد بها ترمب، وهي الصفقة التي تزيد بكلمة “جداً” واحدة عن تلك التي وعد بها ترمب بوريس جونسون.

من جهة أخرى، تريد الهند مزيداً من التأشيرات لذوي المهارات إلى الولايات المتحدة، كما يُحتمل أن هناك صفقات قيد الإعداد في الولايات المتحدة لبيعها أسلحة بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني، تشتمل على طائرات من دون طيار، وصواريخ، ومروحيات وكثير غيرها، فلدى “أميركا أولاً” و”الهند أولاً” كثير من الصفقات التجارية التي يستطيع البلدان إبرامها.

من ناحية أخرى، كان ترمب يبحث أيضاً عن عوائد سياسية في بلاده. فهو يحتاج، في عالم سياسة الهوية الأميركية، إلى أنصار خارج الطبقة العاملة البيضاء والمتطرفين المسيحيين والنوادي الريفية الجمهورية.

فقد أعطى الهنود الأميركيون، الذين يبلغ عددهم المتنامي 2.65 مليون حالياً، 84 في المئة من أصواتهم إلى هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016. وبمساعدة مودي، يُجرى الدفع حالياً لتقليص نسبة الدعم تلك. وفي بريطانيا، أدرك بوريس جونسون وجود الفرصة نفسها في السوق السياسية ببريطانيا.

في غضون ذلك، كان مهرجان أحمد آباد مفيداً لجهة تحويل الأنظار عن أنشطة ترمب الأخرى في جنوب آسيا، وتحديداً استسلامه المهين لحركة طالبان، وتكرّمت الحركة بتعهد عدم تصعيد العنف، حتى يتمكّن ترمب من سحب القوات الأميركية من أفغانستان، قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، كما هو مأمول.

بالتالي سيرد اسم أميركا بعد بريطانيا وروسيا على قائمة القوى العظمى التي هزمها رجال القبائل الأفغان. لكن مع ترمب، يُجرى الترويج لهذا الانسحاب بمثابة انتصار سياسي وعسكري مذهل: السلام في عصرنا.

تعلِّمنا زيارتنا الهند أيضاً الكثير عن الهند الحديثة، وعن سبب توافقها بأريحية كبيرة مع أميركا ترمب. فقد ولّت منذ زمن طويل أيام القيم العلمانية والتخطيط الاشتراكي وعدم الانحياز. فقد أصبحت الآن القرى التي زرتها للمرة الأولى منذ نصف قرن بلدات صغيرة، تزخر بالطاقة، ومكتظة بالدراجات النارية والبخارية والسيارات، بينما تنبثق الأنشطة التجارية في كل مكان. كما تشهد المنازل عمليات تجديد بفضل الأجور من المصانع الجديدة، أو من التحويلات المالية في الخارج، وبالنسبة إلى الطبقة المتوسطة السريعة النمو فثمة آفاق لتبني أنماط الحياة الغربية في المستقبل: الحلم الأميركي المقترن بالدين والثقافة الهندية.

وتكاد السياسة التقدمية، كما نسميها، تكون غائبة تماماً عن الهند، بينما أصبح حزب المؤتمر الذي كان مهيمناً ذات يوم، ظلاً باهتاً لذاته السابقة. قاطع قادته حفل عشاء على شرف ترمب، ليس لأنهم لا يوافقون على الرئيس، لكن كرد بسيط على عدم توجيه الدعوة إلى رئيسة الحزب وزعيمة أسرة غاندي، سونيا غاندي.

كان ثمة بصيص أمل من حركة #MeToo في محاربة إساءة معاملة النساء، ومن بعض علماء البيئة الذين يشعرون بالقلق من سرعة التدهور البيئي، ومن قلة من المدافعين عن الحريات المدنية الذين يناضلون من أجل حقوق الأقليات، وبسبب إعادة انتخاب حزب لمكافحة الفساد في دلهي أخيراً.

لكن، لا توجد حتى الآن أي إجابة متماسكة عن السياسة الشعبوية والطائفية وعقيدة الرجل القوي. لذلك فإنه بالنسبة إلى ترمب، تعد الهند وطناً ثانياً بعيداً عن موطنه.

© The Independent



from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2wF6IFO
via IFTTT

0 comments:

إعلانات جوجل

إعلانات جوجل